محمد برو – الناس نيوز :
لا يخفى على أي متابع للشأن السوري، مدى الخراب والتدمير الممنهج الذي برع به نظام كانت مهمته الأولى منذ تسلمه الحكم، تدمير البنية التحتية والاجتماعية والسياسية السورية بدقة ممنهجة ومرسومة ، وإيصالها عبر فوضى منظمة صيغت وأديرت بعناية فائقة، وبخبرات محلية ودولية، لم تأل جهداً في دعم هذا النظام الأسدي الكارثي، بكل عون ومساعدة وحماية تكفل له الاستمرار بمهمته التدميرية، التي أوصلت المدن السورية والإنسان السوري إلى قعر الهاوية .
والسؤال المباشر هنا هل تحتاج إسرائيل أكثر من ذلك؟ لعلها تُفَاجىء بأكثر مما حلمت به يوماً ، كما قيل علناً وسراً …
واليوم وبذات الرعاية الدولية، يحاول النظام أن يتولى مهمة إعادة الإعمار، التي ستوفر له إن نجح بإدارتها، استمراراً لنظامه القمعي، وللاستمرار في حكم البلاد بالحديد والنار، عبر آليات متعددة تتيحها هذه المرحلة، وسيكون التغيير الديموغرافي وإنشاء المدن الجديدة، المهندسة بشكلٍ يكفل خضوعها للنظام الأمني المتغول أصلاً.
في دراسة هي الثانية من سلسلة جريمة بعنوان “إعادة الإعمار” والتي حملت عنوان “التطوير العقاري” وأشرف عليها الباحثان “يوسف فخر الدين و”ربيع الشريطي” وراجعها قانونياً المحامي “أنور البني” وآخرون، والتي صدرت عن “المركز السور ي للدراسات والأبحاث القانونيّة“، بداية النصف الثاني من عام “2021”،
يقدم الباحثان عملهما بصفته حلقة من سلسلة تدرس جرائم الأسد، والشبكات التي أنشأها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، والتي تنتظم جميعها بعصب أمني يرسم مساراتها ويشرف على دقة تنفيذها، وحتى مؤسسات المجتمع المدني التي لم يوفر نظام الأسد تطويعها وإعادة تشكيلها، على نحو يخدم استكمال جرائمه بالشكل الأمثل.
لقد عمد هذا النظام للعمل على هذا الهدف عبر تناوله بتسميات متنوعة لتكون جميعها في خدمة هذا المخطط الخبيث في إعادة بسط سيطرة الدولة الأمنية على جميع مفاصل الحياة والبنى التحتية السورية بحيث يستطيع من خلالها محاسبة من ثاروا عليه ولتكريس بنى عمرانية جديدة يحشد بها تكويناً سكانياً متجانساً “كما سماه” على نحو يسهل له السيطرة عليه وإخضاعه مستقبلاً.
وقد رصدت الدراسة التي تلقت جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية نسخة منها ، أبرز التشريعات الناظمة للتطوير العقاري والثغرات التي جعلت فيها عمداً، لتمكن القائمين عليها من ارتكاب ما أرادوا من انتهاكات وخرق لقوانين صون الملكية وحمايتها.
كما شمل الرصد أماكن التطوير العقاري وهي تلك الأماكن التي سبق لها أن ثارت على هذا النظام، ونالها من القصف والتدمير الممنهج والاعتقالات التي طالت الآلاف من رجالها وشبابها، كما خضع قطاع واسع من سكانها إلى عمليات تهجير قسري متكررة، والتي تظهر بشكل لا لبس فيه أن هذه الأماكن مقصودة لذاتها ولعقاب من فيها وإعادتهم إلى بيت الطاعة.
وقد أرفق البحث قائمةً بخمسٍ وخمسين شركةً محلية للتطوير العقاري، حصلت جميعها على الترخيص النهائي، إضافة إلى تسع وثلاثين شركة حصلت على موافقة أولية لمنح التراخيص كما شملت خمس شركات أجنبية، وهكذا يتم تكوين شبكة من مئة شركة على وجه التقريب، ستكون جميعها مدارة بأيدٍ أمنية لخدمة مشروع الأسد في صياغة سورية متجانسة وموالية، وخاضعة لسلطته.
وفي الختام، فقد أوضحت الدراسة عبر تسلسل متابعاتها للقوانين، والجهات القائمة عليها والمناطق المستهدفة بالتطوير، وشركات التطوير والاستثمار العقاريّ التي منحت الترخيص النهائي، وتلك الأخرى التي سحب منها الترخيص، أنَّ هناك عدالة غائبة، قد أسست القوانين والإجراءات التنفيذية على أساسها، سيكون مجتمع الفقراء أو الأشد فقراً، في المدن والبلدات السورية ضحيتها الأولى، وسيتم عبر هذا المسار الكارثي، معاقبة من خرجوا على سلطة الأسد، وتشريع نهب بقايا ممتلكاتهم، وخرائبهم التي دمرتها آلة الحرب.
وفي الرصد والتتبع للمسارات التي قطع الباحثون فيها شوطاً كبيراً، يتبين للقارئ مدى التخريب العمدي والتدمير الذي طال تلك القطاعات التي سيشملها التطوير العقاري، ومدى القهر والاعتقال والتعذيب والقتل الذي تعرض له ساكنوا تلك المناطق، وحجم الرعب الذي يتهددهم إن هم طالبوا بحقوقهم أو حاولوا السعي لها.
أما الشركات التي صنفت كشركات مقبولة في إدارة هذه العملية، فيبين البحث عدم أهليتها القانونية، حيث تخالف تلك الشركات، أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وتغفل مشاركة المجتمع المحلي في تقرير مصيره، أو المشاركة بصنعه، ومعظم هذه الشركات تنتمي إلى شبكة المصالح العائلية أو المحاسيب الذين كان لهم الدور الكبير، في دعم نظام الأسد، في حربه ضد شعبه، تلك الشبكة التي نسجها نظام الأسد، ليبقي جميع مفاصل القوة والتحكم في قبضته.
كل هذا يسوقنا بالضرورة، إلى حقيقةٍ ناصعةٍ، لن ينجح النظام وداعميه في طمسها، أنَّ إعادة الإعمار ما هو إلا تكريس للجريمة المستمرة، التي ترتكب بحق الشعب السوري، وبدعم دولي واسع، وبدون إزاحة هذا النظام ومنعه من تسيد المشهد السوري مرةً أخرى، عن طريق إعادة الإعمار، سيكون المجتمع الدولي والعالم الحر، أمام جريمة موصوفة بحق الشعب السوري، وسيكون شريكاً في ارتكابها، وهذا سيخلق أو يعزز مناخاً قاتما لولادة المزيد من العنف والنزعات الانتقامية، التي لن تمنح هذه المنطقة السلام المأمول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطوير العقاري “الدراسة الثانية من سلسلة جريمة بعنوان إعادة الإعمار”
صادرة عن “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونيّة” 2021
الباحثان “يوسف فخر الدين” و”ربيع الشريطي”
المراجعة القانونية. المحامي “أنور البني”
يقع البحث في 173 صفحة