في الغرف المُغلقة وبعيداً عن التداول الإعلامي، يتم التحضير جدياً الآن لتمديد ولاية الرئيس اللبناني ميشيل عون، التي من المُفترض أن تنتهي في شهر تشرين الأول من العام المُقبل. وقد بدأ الترويج لهذه الفكرة خلال الأسبوع المنصرم، عبر النائب ماريو عون، وهو من أقرباء رئيس الجمهورية. الرئيس نفسه قد يعارض هذا الطرح شكلياً ، بحجة تقدمه في السن، ولكنه سرعان ما سوف يتراجع “نزولاً عند رغبة الجماهير” وإنقاذاً للبنان من الفوضى والخراب والمصير المهول. ولن يكون وحده في هذا التنازل “المؤلم،” فقد تنازل من قبله كثيرون، مثل حسني مبارك والحبيب بورقيبة وعبد العزيز بوتفليقة. قد يكون الجسد قد شاخ فعلاً ولكن الروح تبقى شباب وقادرة على العطاء والتجدد ،كما يقول أنصاره في التيار الوطني الحر.
عقبات التمديد
التمديد ليس سابقة لعون، فقد مُدد من قبل لكلّ من إلياس الهراوي وإميل لحود، عن طريق ذات الحجج الواهية في زمن الوصاية السورية. دستورياً هو بحاجة لأمرين: موافقة ثُلثي أعضاء مجلس النواب، وتوقيع رئيس الحكومة. والشرط الثاني أصعب من الأول في حال نجح الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة، تكون الأخيرة في عهد الجنرال والمكلفة بالإشراف على انتخابات رئاسة الجمهورية. حالياً الوفاق معدوم بينهما بسبب رفض الحريري إعطاء عون حق تسمية جميع الوزراء المسيحيين، أسوة بالثنائي الشيعي أمل وحزب الله.
ويرفض الحريري أيضاً تسمية صهر الرئيس جبران باسيل وزيراً، تحديداً بعد فرض عقوبات أميركية عليه في شهر تشرين الثاني الماضي. ولو طرح عليه التمديد لرئيس الجمهورية لرفض ذلك بشدة وفعل كل ما بوسعه لإسقاط المشروع.
المعارضون من الأصدقاء والخصوم
أمّا عن موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، بالتيار العوني يملك أغلبية اليوم تمكنه من تمرير هذا الطرح، ولو بصعوبة. فله حصة الأسد من المقاعد (29 نائبا) تُضاف إلى حصة أمل وحزب الله وحلفائهم (30 نائبا أو أكثر). ولكن ماذا عن بقية الأحزاب، العدوة منها والصديقة؟ أول المعترضين سيكون رئيس حزب المردة سليمان فرنجية، أحد أعمدة تحالف 8 آذار. فهو طامع بالرئاسة الأولى منذ سنوات، ليكون خلفاً لجدّه سليمان فرنجية، رئيس الجمهورية في مطلع الحرب الأهلية سنة 1975. وكان قد حصل على وعد من حزب الله بأن يكون هو رئيساً قبل خمس سنوات، ولكن حسن نصر الله تراجع واعتذر لصالح تسمية عون، بحجة تقدم الأخير بالسن وإمكانية وفاته قبل الانتخابات المقبلة سنة 2022. لم يتخيّل أحد، لا نصر الله ولا فرنجية أن عون سيبقى على قيد الحياة، ومع تقدمه بالسن، أن تزداد شهيته للحكم والبقاء في السلطة.
ومن المعترضين طبعاً حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع، الطامح أيضاً بأن يكون رئيساً للجمهورية. ولقطع الطريق على محاولة التمديد لعون، يحاول جعجع الإطاحة بمجلس النواب الحالي والسعي باتجاه انتخابات نيابية مُبكرة. حزب الكتائب مثلاً لا يملك اليوم إلا ثلاثة نواب في المجلس الحالي، وتيار المردة ليس له أي تمثيل. كلاهما، وبالرغم من التباين الكبير في تموضعهم السياسي، يريد انتخابات مبكرة. وبقية الأحزاب لا تُمانع ذلك، بما في ذلك تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل. لا خوف على حصصهم النيابية مهما تغيرت الظروف السياسية. الجميع على يقين بأن التيار الوطني الحر هو الخاسر الأكبر في أي انتخابات مبكرة، وأنه لن يحصل على نفس عدد المقاعد في أي انتخابات، بسبب تراجع شعبية رئيسه جبران باسيل منذ انفجار ثورة 17 تشرين الأول 2019. وفي حال تراجع مقاعد التيار إلى النصف أو أكثر، فهو لن يتمكن لا من تمديد ولاية رئيس الجمهورية أو من طرح جبران باسيل لخلافته. ولهذا السبب يقف باسيل في وجه أي انتخابات مبكرة، خوفاً على كتلته النيابية وعلى مستقبله السياسي. التيار الوطني الحر يرفض الانتخابات المبكرة، بل على العكس لقد بدأ جدياً طرح فكرة التمديد لهذا المجلس، لكي يكون هو ذاته الموجود يوم إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية بعد 18 شهراً. وحجة عون في التمديد لنفسه ستكون أن لبنان سيدخل في مرحلة فراغ رئاسي ما لم يتفق الجميع على اسم رئيس الجمهورية خلفاً له، ولكي لا يحصل هذا الفراغ، من واجب الرئيس الحالي البقاء في منصبه. يبقى في منصبه. أو أن يتفق الجميع على اسم مرشح يقبل به التيار، ولن يكون هذا المرشح إلّا جبران باسيل.
وقد يكون القول الفصل في هذه المرحلة هو للانتخابات الفرعية التي من المفترض أن تتم في 6 حزيران المقبل، لملء 9 مقاعد شاغرة في المجلس. 8 منهم جاءت بسبب استقالة نواب القوات اللبنانية بعد تفجير المرفأ في شهر آب الماضي، والمقعد التاسع شغر إثر وفاة النائب ميشيل المر قبل أسابيع. هذه المقاعد ممتدة على ست مناطق انتخابية، منها المتن الشمالي وكسروان وعاليه وبيروت الكبرى، والجميع ينوي التنافس عليه بشدة، للزيادة من حصته تحسباً لطرح فكرة تمديد ولاية رئيس الجمهورية. وبحسب القانون، كان من المفترض أن تتم هذه الانتخابات الفرعية قبل تاريخ 13 تشرين الأول الماضي ولكن جبران باسيل “أقنع” وزير الداخلية بتأجيلها بسبب ضيق الموارد المالية. حدد موعد جديد في شهر كانون الثاني الماضي ولكن التيار أجله مرة ثانية ليصبح الآن…مبدئياً…في شهر حزيران. ولا أحد يعرف ما سيحصل من الآن وحتى ذلك التاريخ لأن لبنان مفتوح أمام جميع السيناريوهات، من تفشي الكورونا إلى وقوع قلاقل أمنية خطيرة مثل تلك التي حصلت مؤخراً في طرابلس، قد تجبر الجميع على تأجيل الانتخابات الفرعية مرة ثالثة.
أمير سعادة. .