أبو ظبي – الناس نيوز ::
التنمّر مشكلة تعاني منها المجتمعات في أرجاء العالم. ويُعرف المتنمّرون بأنهم أشخاص يُرهبون الآخرين أو يحاولون التحكّم بهم والسيطرة عليهم لتحقيق أهدافهم، وهم يفتقرون إلى الإنصاف أو الصدق في تعاملهم وتصرفاتهم.
ويفترض الناس عموما أن المتنمرين يعانون من تدني احترام الذات، لكن سلوكهم في الواقع هو استجابة لـ”الخجل الداخلي” والإحساس بالعار الذي يشعرون به، بسبب قلة ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم.
وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص الذين يتعايشون مع الخجل يعانون من تدني احترام الذات، فإن أولئك الذين يتصرّفون مثل المتنمّرين يميلون إلى زيادة احترام الذات، وتضخم الأنا، والفخر المتغطرس، ويهاجمون الآخرين للتخلّص من خزيهم وخجلهم المُضمَر، ما يسمح لهم بالبقاء غير مدركين مشاعرهم الحقيقية الدفينة.
ويطوّر الناس عادة أساليب مختلفة من الاستجابة للشعور بالخجل في وقت مبكّر من الحياة، وعند البلوغ تصبح استجابات التأقلم هذه سمات شخصية أساسية.
وتنقسم استجابات التأقلم النموذجية مع الشعور بالخجل إلى 4 أنواع: مهاجمة الآخرين، ومهاجمة النفس، والتجنّب، والانسحاب. وفي الجانب المتطرف من المقياس، يصبح الناس نرجسيين ويتعاملون مع الخجل والخزي العميق الذي يشعرون به من خلال مهاجمة الآخرين باستمرار، بحسب ما ذكرت صحيفة “ذا غارديان” (The guardian) البريطانية.
ويأتي التنمر بصيغ وأشكال عدة، منها ما يحدث في المدرسة أو الحي، ومنها ما يأتي في مكان العمل، مثل تنمر زميل شرس على بعض زملائه، أو تنمّر المديرين على موظفيهم.
وهناك نوع آخر ربما يكون من بين الأخطر، وهو في كثير من الأحيان غير ظاهر على السطح، وهو تنمّر الموظفين على مديرهم المباشر، والذي يأخذ أشكالا عدة، مثل تداول الشائعات المغرضة عنه، ونشر فكرة عدم كفاءته في العمل، وتضخيم أخطائه، والتقليل من إنجازاته، وحجب المعلومات الضرورية لتطوّر العمل عنه، وغيرها الكثير من الصور.
التنمر الصاعد
قد تمنحك الترقية الإدارية لقبا جديدا ومزيدا من المال، لكنها لن تحميك من التنمّر حتى من جانب مرؤوسيك والموظفين الذين تديرهم. والغريب في الأمر أنه نادرا ما يتم الاعتراف بهذا النوع من التنمّر من جانب الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات.
شهدت مورين كاين، الخبيرة في التنمر والتمييز في مكان العمل، حالات “التنمر الصاعد” مرارا وتكرارا طوال حياتها المهنية. وتقول “يمكن أن تكون السلطة الرسمية قد تآكلت من قائد الفريق لأسباب مختلفة، أو قد يحصل الجاني على دعم من الإدارة العليا داخل الشركة”، وفق منصة “إتش آر إم” (HRM ) الأسترالية التابعة للمعهد الأسترالي للموارد البشرية.
وتضيف “يمكن أن يشكل المتنمّرون مجموعات لتقويض سلطة الشخص الذي يتولى دور القيادة. وهذا نوع خبيث حقا من التنمر، إذ لا يهتم المتنمّرون بتطوّر الشركة وازدهارها، بل ما يهم هو الهدم والتخلّص من مديرهم بدلا من البناء. إنها قوة غير رسمية يتمتع بها الشخص المتنمّر على الشخص الذي في السلطة”.
درست الباحثة الرائدة في مجال التنمّر في مكان العمل سارة برانش حالات التنمّر الصاعد لأكثر من 20 عاما، ولاحظت أن هذا النوع من التنمّر غير معترف به غالبا من الشركات والمؤسسات. لذا، لا يتم التعامل معه أو التخطيط بشكل علمي لمواجهته والتخلّص منه.
تقول “ذات يوم، تعرَّضَت مديرة في إحدى المؤسسات للتخويف من مرؤوس ذكر، وافترضت الإدارة العليا للمؤسسة أن سبب تعرضها للتنمّر هو أن المديرة أنثى. لذلك، قاموا بنقل المديرة إلى قسم آخر، وجلبوا مديرا ذكرا اعتقدوا أنه سيكون قادرا على التعامل مع المشكلة. ولكنهم، بعد 6 أشهر، وجدوه يبكي في مكتبه”.
الأمر لا علاقة له بكون المدير ذكرا أو أنثى، أو أنه يتمتع بكفاءة في عمله أو لا، ولكن له علاقة بشخصية المتنمّر نفسه، والدوافع الخفية التي تحرّكه.
ولعل السؤال الأهم الذي ينبغي طرحه هو: كيف يمكن التعامل مع هذا الشكل من التنمّر، وكيف يمكنك كمدير مواجهته في ظل عدم تنبّه غالبية الشركات والمؤسسات له، ما يلقي عليك كمدير عبء التعامل معه.
كيف تتعامل كمدير مع المتنمرين؟
كثير من حالات التنمّر الصاعد تحدث من زملاء في العمل تجاه واحد منهم تمت ترقيته ليصبح مديرا عليهم. وهنا، تدخل عوامل جديدة، مثل الحسد والغيرة من الموظفين تجاه زميلهم الذي صار رئيسهم المباشر.
وليس سهلا أن تصبح مديرا لموظفين كنت معهم في الدرجة الوظيفية ذاتها، إذ غالبا ما يتسبب ذلك بحدوث “احتكاك” بعد تغيّر دينامية القوة بينكم. ويمكن أن يكون هذا صعبا على أي شخص، وليس عليك وحدك فقط.
لذلك، إذا كنتَ تتعرّض للتنمّر من مرؤوسيك، فننصحك باتخاذ الخطوات التالية التي قدمتها منصة “هارفارد بيزنس ريفيو” (HBR):
اعقد اجتماعا فرديا مع الموظف المتنمّر (أو الموظفين المتنمّرين) للاستفسار عن المشكلة، وقل له بشكل مباشر: “أعلم أنه منذ أن أصبحتُ مديرك المباشر كان هناك تحوّل في طريقة عملنا. ولكننا، في السابق، كنا زملاء متعاونين بشكل ممتاز في ما بيننا، وكانت علاقتنا بنّاءة ومنتجة، وأتطلع أن نستمر”.
ثم اساله بشكل واضح عن شعوره حيال التغيّر الجديد، واعرض عليه مساعدتك “وأي شيء يمكنني القيام به لدعمك بشكل أفضل؟”. وإذا أنكر الموظف المشكلة، ورفض العمل من أجل التوصل إلى حل، فاعلم أنه حان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم من جانبك.
وثّق كل شيء يجري بينك وبين الموظف المتنمّر، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بينكما، والمحادثات الهاتفية، والرسائل المباشرة، وحدّد التواريخ والأوقات التي حدثت فيها كل هذه الأشياء. سيساعدك هذا على إبقاء المتنمّر عرضةً للمساءلة، ويعطيك أدلّة على حالات التنمّر التي تعرّضت لها لتقدمها للإدارة في الوقت المناسب.
إذا زاد الأمر عن حده أو عن قدرتك على الاحتمال، فتكلّم مع مديرك المباشر، أو مع الموارد البشرية في مؤسستك، واعرض الأدلة التي جمعتها من أمثلة موثقة لما حدث ومتى وكيف، مع تقديم أكبر قدر ممكن من التفاصيل. قد يحاول المتنمّر لعب دور الضحية أو تغطية آثاره، ولكنك ستجعل سلوكه مسجلا وموثقا بشكل رسمي.
أخيرا، اعتنِ بصحتك العقلية عندما يصبح الأمر مرهقا، وذكّر نفسك بأن حياتك العملية ليست كل شيء، وحاول الانخراط في علاقات ونشاطات تجلب لك السعادة خارج مكان العمل.
أما إذا استمر الوضع في التدهور، فعندها عليك أن تضع خيار أن الإدارة تدعم هذا المتنمّر أو غيره من “المتنمّرين”. وهنا، فكّر في البحث عن فرصة جديدة، فلا توجد وظيفة تستحق صحتك.