أحمد برقاوي – الناس نيوز :
ليست الحرية-كما يظن بعض الناس-مجرد طقوس شكلية خالية من معنى الوجود الإنساني بوصفه قيمة القيم، أو غاية لا تساويها أي غاية. وكل قيم سائدة وعادات وتقاليد وأنظمة وسلط لا تنطلق أو تتأسس على هذا، وعلى فكرة أن الإنسان هو الغاية المطلقة التي لا تساويها أي غاية، هي قيم وعادات وتقاليد وأنظمة وسلط معادية للإنسان بوصفه حراً.
الحرية نمط حياة، بل هي ماهية الحياة الكريمة، إنها العيش الذي يبدع الأشكال والصور التي تعين ماهية الحرية.
الحرية بوصفها نمط حياة وعيش، تعني حضور الذات بأعلى درجات الظهور بلا خوف من أحد.
فلا يكون في مجتمع الحرية ذات خفية، تعلن عن نفسها بشكل كاذب، يناقض ما تعتقد وتريد وما تفكر به. الحرية، ببساطة، زوال انشطار اﻷنا بين أنا خفي وأنا ظاهر. وانتقال الأنا إلى حال الذات الفاعلة ذات الإرادة الطليقة.
وتأسيساً على مبدأ، كهذا يجب النظر إلى الأنظمة السياسية والحركات المعارضة لها، والنظر إلى الأفكار والأيديولوجيا والثورات والخطابات والأديان والقوانين والدساتير، وإلى كل ما يتعلق بحاضر الإنسان ومستقبله.
وتأسيساً على ذلك أيضاً نقول- بكل اطمئنان بصحة ما نقول- لا يمكن لمن يسعى لقيام دولة أيديولوجيا، ومهما كانت هذه الأيديولوجيا، أن يسعى في الوقت نفسه إلى دولة الحرية. فالدولة الأيديولوجية هي دولة معادية للحرية بشكل مطلق، وبالتالي معادية للإنسان؛ لأن الدولة الأيديولوجية هي دولة تعصب ونفي وقتل ودجل.
وخطر المصابين بلوثة التعصب الأيديولوجي الدنيوي لا يقل عن المصابين بلوثة التعصب الأيديولوجي الديني. كلاهما خطر.
إن هناك أخطاراً جسيمة، أمام ثورات الحرية، وعوائق معيقة لتحقق فكرة الحرية، متمثلة بذهنية الإقصاء للمختلف، وبذهنية الغنيمة والاستحواذ، والفجع للسلطة. ولهذا فإن الطريق نحو انتصار ثورة الحرية طويلة.
وليست ممارسات الذهنية الأيديولوجية وذهنية الغنيمة العنفية على مسار ثورة الحرية إلا ثورة مضادة داخل فضاء الثورة.
وإذا أضفنا إلى الخنجر اﻷصولي العنفي جعجعة المثقف الميت، المثقف الذي يبرر انحيازه إلى العفن بفكرة الخصوصية الزائفة، أدركنا حجم المهمة الثقيلة الملقاة على عاتق ثورة الحرية.
ولهذا يجب القول بأعلى الصوت: ﻻ يمكن لحركات الترويض أن تكون نقيضاً لسلطة الترويض الحاكمة، لا يمكن لمثقف الترويض المتخلف اللابس رداء المعارضة، أن يتجاوز أفق مثقف سلطة الترويض.
ولعمري إن ثورة ثقافية يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من ثورة الحرية، فتكوين وعي بالحرية، يمنح ثورة الحرية فضاءً أعمق في إبداع السبل المطابق لمكانة الإنسان بوصفه الغاية المطلقة كما قلنا.
ولا معنى لأي كتلة تاريخية تتصدر حركة الدفاع عن الإنسان، ومواجهة أحط أشكال السلط الطغيانية التي عرفها تاريخ الطغيان، إن لم تصدر في ممارساتها العملية من فكرة الحرية بالمعنى الذي نشير إليه، المعنى الذي بدوره يعين الديمقراطية ونظام الدولة وصورها.
وعلى هذا، فإنه يقع على عاتق الكتلة التاريخية الشعبية الحرة فقط، عبء انتصار ثورة الحرية وولادة دولة الحرية والعالم الجديد.