د . ممدوح حمادة – الناس نيوز :
يوم الإثنين في الساعة الثالثة ظهراً على وجه التقريب، دوى الميكروفون المثبت على ظهر خزان الماء الذي يتوسط الثكنة قائلا:
- انتبــــــــــــــــــه، المجند ثليج مشعل إلى الباب الرئيسي حالاً، المجند ثليج مشعل إلى الباب الرئيسي حالاً.
ثم انطلقت من الميكروفون أغنية (عاخدك حبة لولو خلتني الليل بطوله…) التي كان النقيب مصطفى ضابط أمن المعسكر يجبر العريف مروان في الإذاعة على إعادتها طوال فترة بعد الظهر، لأنه كان متأثراً بخطبته الحديثة لفتاة يبدو أنه كان يحبها.
أما المجند ثليج الذي كان يعلم أنه إذا طُلب من أحد ما التوجه إلى الباب الرئيسي فهذا يعني أن شخصاً جاء لزيارته، فقد حث الخطى إلى هناك وتمنى أن يكون الزائر بشيراً لا نذيراً.
عندما اقترب من الباب الرئيسي لم يجد ثليج صعوبة في تمييز ابن عمه سطام الذي كان يقف بين مجموعة من الزائرين، خارج باب المعسكر ولم ينتظر إلى أن يصل إليه فصاح به من بعيد: -
طمن يا سطام، قدومك خير؟
- خير خير.
رد سطام، وعندما وصل ثليج تعانقا بحرارة ثم بعد السلام والكلام أخبره سطام عن سبب قدومه.
فلسبب لا يعلمه الا الله وعشيرة العسكري ثليج قرر الأهل تزويجه من ابنة عمه التي كانت مخطوبة له، وكان من المقرر أن يتزوج منها رسمياً بعد الانتهاء من الخدمة الإلزامية، فما زال أمام ثليج عام واحد وينهي خدمته، ولا شيء يدعو للاستعجال، ولكن لماذا لم يتمكن أهله من الانتظار حتى ينهي ثليج خدمته، ولماذا يريدون فعل ذلك في أوج حالة الاستنفار التي كانت معلنة في ذلك الوقت، هذا ما سيعرفه ثليج من سطام ومن ثم يعرفه الجميع من ثليج.
تبيّن أن جدة ثليح رأت مناما أو بالأحرى كابوساً، شاهدت فيه جثة يتم دفنها، ولكنها لم تتبين وجه الجثة ولم تحدد صاحبها بالاسم، غير أن تفصيلاً واحداً جعلها تستثني الجد صايل الذي يحتضر منذ أن بلغ السابعة والتسعين، وهو الآن قد تجاوز المئة ولا زال يحتضر، وتستثني أم عواد التي قال الاطباء في المستشفى الوطني أن المرض قد سيطر عليها بشكل لا يمكن معه شفاؤها، و السبب الذي جعلها تستثني الجميع وتقرر أن الجثة التي لم يظهر وجهها في المنام هي جثة ثليج، هو أن الجثة كانت بلا كفن، وهذا يعني أن صاحبها قد مات قتلاً، وهو ما كان يتهدد ثليج الذي كان عسكريا في زمن الحرب، ولذلك فقد اجتمعت الأسرة ومن أجل ألا يموت ثليج قبل أن يترك نسلاً قرروا أن يسبقوا الموت إليه فأرسلوا سطام لكي يستدعيه للحضور، حتى يبذر حقله فلا يموت ذكره، أخبره سطام بأن العرس يوم الخميس ليلة الجمعة حتى ولو شكل فراراً من الخدمة، ولم تنفع محاولات ثليج تأجيل العرس إلى الوقت الذي يتم فيه فك الاستنفار، ولأن العرس لا طعم له بدون عريس فقد قدم ثليج طلب إجازة، وضع فيه سببها الزواج، ولكن الطلب جاء مع عبارة غريبة في ذيل الطلب (كم مرة يتزوج ثليج في السنة) فقد كان ثليج قد وضع مبرر الزواج على عدة طلبات إجازة سابقة، ولكنه لم يفعله بطبيعة الحال لأن ذلك كان مجرد مبرر، أراد ثليج أن يضرب رأسه بالحائط بسبب وقوعه ضحية كذبه وقال لرفاقه: - يا ليتني حطيت بدلا من الزواج في ذلك الوقت ماتت أمي الله يرحمها.
فذكره صديق له: - أخذت إجازتين على وفاة أمك وإجازة على وفاة أبيك أطال الله عمره.
فعل المجند ثليج المستحيل من أجل الحصول على إجازة لحضور عرسه ولكنه فشل، وبعد جهد جهيد وتدخل مئة واسطة كان أبرزها المساعد غازي، وافق العميد على منح ثليج إجازة لمدة 48 ساعة، كان عليه أن يقضي أربعاً وعشرين منها في الطريق إلى مضارب عشيرته النائية.
في الاستراحة نزل الركاب ومن بينهم ثليج لسد رمقهم ولم يستطع ثليج منع نفسه عن تناول نصف كيلوغرام من (الهريسة) ومثلها تقريباً من (العوامة)، وبعد ساعات كان يترجل من الباص على مفرق القرية ويقابل بالتهاليل ثم تأخذه ثلة من الرفاق لغسله قبل العرس.
بعد انقضاء الإجازة عاد ثليج في الوقت المحدد وتم استقباله بفضول وحرارة من قبل زملائه العساكر العازبين، الذين كانوا يتوقون لمعرفة انطباعات ثليج عن الليلة الأولى، التي لم يقصر هو في وصفها لهم متحدثا باستفاضة كبيرة عن المناسف ذات الستة حلقات التي امتدت على طول الطريق من بيت عمه إلى بيتهم، وعدد رؤوس الغنم والإبل التي أطيح بها احتفاء بهذه المناسبة، وحلقات الرقص التي عقدت في ساحة القرية، وما إلى هنالك من النشاطات التي ترافق العرس، ولكن الرفاق لم يكن يهمهم موضوع الرقص والأكل، إنهم يريدون معرفة أمر آخر لا يعرفه إلا العرسان، ولذلك فقد خرج أحدهم عن صبره وقاطع ثليج الذي كان يصف احتفاء العشيرة به وكيف كان كل منهم يمد له قطع اللحم مصراً على أكلها من يده، وطلب منه:
-ما لنا وما للمناسف نحن.. حدثنا عن الأمر الآخر ما بعد الدبكة والأكل كيف قضيت ليلتك، هل بيضت وجهنا؟
قالها الصديق بنبرة مداعبة وعلى وجهه ابتسامة خبيثة، بينما تنهد ثليج وتلبدت ملامح وجهه وقال:
-كيف قضيتها يعني؟ بالشول.
أحدهم لم يفهم معنى كلمة الشول، فسأل عنها، وقام أحدهم بالتوضيح:
-في البرية.. في البرية يعني.. يقضي حاجته.
-اف.. كل الليل تقضي حاجتك؟
استغرب أحدهم، فأجابه ثليج:
-يا أخي والله ما أدري هو من الهريسة اللي أكلتها بالاستراحة عالطريق، ولا من الملاحي اللي فلتنا عليه بالعرس، وهذا كل من يدي وذاك كل من يدي، وأخذوا يحشونني كما يحشون خيشة، فرطت معدتي تقول صار بيها انفجار.. طلع الضو وما هدتلي بالي مضيت الليل اركض من الشول للبيت ومن البيت للشول.
-وبعدين؟
-بعدين طلع النهار وأجت العالم تبارك، وفد رايح ووفد جاي وكل النهار قاعد قبال هالعالم أهز براسي واعصر معدتي.
-وبعدين؟
سأله نفس الزميل الذي كان طوال الحديث متخصصا بهذا السؤال (وبعدين)، ما جعل ثليج ينفجر في وجهه:
-وبعدين وبعدين.. إيش بعدين؟ بعدين ركضنا على الكراجات خلينا نلحق قبل ما يوقف السير.. تمننا نرجع قبل ما تخلص الإجازة وينرفع فينا بطاقة بحث…
أطرق ثليج قليلا ثم أعلن بلغة الخبير:
- يا أخي الجازة يلزمها فضاوة.