ميديا – الناس نيوز ::
العربي الجديد – لندن – بشير البكر – عداد الوقت في محافظات الجزيرة السورية الثلاث ( شمال وشمال شرق سوريا ) ، الرقة ودير الزور والحسكة، يدور بسرعة. وتسود حالة من الترقب في الوسطين العربي والكردي لبدء خطوات ملموسة على طريق تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي، بين الرئيس أحمد الشرع، والقائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والذي نصّ على نهاية العام الحالي بوصفه آخر مدى زمني لطيّ ملف الوضع الراهن، وانتقال المنطقة إلى سلطة الدولة السورية.
الخطوات التي تمت حتى الآن في الجزيرة السورية غير كافية، في نظر المترقبين في الوسط العربي، رغم أنها حققت ثلاثة إنجازات مهمة. عُقدت جلستان من التفاوض في مدينة الحسكة، بين اللجنة الرسمية برئاسة حسين السلامة، والطرف الكردي بقيادة عبدي، وكانت الثانية قد تمت في 12 إبريل/نيسان الحالي، وذلك بعد حصول تقدّم كبير على طريق حل الاستعصاء القائم في حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب.
وأفرجت الدولة و”قسد” عن أعداد من المحتجزين لدى كل منهما، كما انسحبت قوات كردية من الحيين، وتسلمت مكانها قوات من الأمن العام التابع للدولة. ويتمثل الإنجاز الثالث بوقف القتال الذي يدور بين قوات رسمية وأخرى كردية حول سد تشرين القريب من حلب، ودخول قوات الحكومة لتسلم السد.
حذر في الجزيرة السورية
أشاعت هذه الخطوات أجواء إيجابية مشوبة بحذر شديد، وذلك يعود إلى عدة أسباب. الأول هو تعقيدات الاتفاق، والمسافة الشاسعة بين رؤيتي الدولة و”قسد”. الثاني عدم وجود ثقة بين الأطراف، بسبب تراكمات المرحلة الماضية، والشرخ السياسي بين العرب والأكراد في الجزيرة السورية والثالث استمرار بعض الممارسات السلبية المخلّة بالاتفاق من قِبل “قسد”، والتي يجري تفسير بعضها على أنه محاولة لعرقلة التنفيذ، يقوم بها طرف كردي متضرر من تطبيقه، وهذا يحيل إلى الاختلافات الكردية -الكردية، التي يجري الحديث عنها منذ عدة أشهر. الخلافات الكردية حسب ما هو متداول في وسائل الإعلام تدور بين أطراف متعددة.
الأول داخل تشكيل “قسد”، بين مجموعة من الطرف الكردي السوري، والآخر الكردي التركي التابع لحزب العمال الكردستاني. وفي حين تميل الجماعة الأولى إلى التوصل لحل مع الدولة، أحد شروطه خروج المقاتلين الأجانب، يعارض الطرف الثاني ذلك لأنه سيكون خاسراً لوجوده داخل سورية، الذي كلفه ثمناً كبيراً في القتال تحت راية التحالف الدولي ضد “داعش”، وتتركز حجة هؤلاء بأنهم من بين صانعي الاستقرار في هذا الجزء من سورية، والقضاء على مشروع “داعش” في سورية والعراق، وأنهم ليسوا بنادق للإيجار كي ينسحبوا من سورية، وبالتالي يتمسكون بشرط ألا تكون التسوية على حسابهم.
والخلاف الثاني هو بين “قسد” والمجلس الوطني الكردي، الذي كان أحد تشكيلات الائتلاف الوطني لقوى الثورة، وانسحب منه في فبراير/شباط الماضي، تحت مبرر انتهاء دوره. وتطالب هذه الأحزاب بأن تكون ممثلة على نحو عادل، وألا تستأثر “قسد” لوحدها، والتي يقف خلف تشكيلها حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. وسط هذه التفاعلات المتسارعة جاء حوار عبدي إلى موقع “المونيتور” في 12 إبريل الحالي، والذي تضمن عدة نقاط خضعت لنقاش وخلافات من حولها، خصوصا أنها لم تلقَ أي رد من طرف مسؤولي الدولة، الذين يتبعون نهجاً يعتمد على التكتم، وعدم إطلاق التصريحات، ما يترك الصورة مشوشة لدى المكون العربي في محافظات الجزيرة السورية الثلاث.
النقطة الأولى التي أثارها عبدي، تتعلق بالنقاشات مع الحكومة حول مسألة الحكم المحلي في منطقة الجزيرة السورية وإفرازاته. وهذه مسألة ليست محل خلاف سوري، على أن يشمل سورية كلها، وليس منطقة الجزيرة السورية لوحدها، وهناك رأي يلقى تجاوباً كبيراً يقول، من الأفضل أن تبدأ العملية الانتخابية في سورية بعد نهاية المرحلة الانتقالية، من مجالس الحكم المحلي، الذي يشمل البلديات ذات الصلاحيات غير المركزية، ومن ثم تليها الانتخابات التشريعية والرئاسية، ولا تنتقص تجربة البلديات من صلاحيات الدولة، كما هو الحال في النموذجين الناجحين للمركزية المفرطة في فرنسا، واللامركزية في بريطانيا.
والنقطة الثانية هي أن بعض الأحزاب الكردية تُصر على خيار الفيدرالية. وهنا تكمن نقطة الخلاف الرئيسية، وحيال ذلك يمكن طرح أكثر من سؤال، هل تشمل الفيدرالية مناطق الأغلبية الكردية أم الجزيرة السورية كلها؟ وهل يحق لهذه الأحزاب فرض خيار الفيدرالية على سورية ككل، في حين أنها لا تمثل كل الشعب الكردي، وهل هذه العملية تقررها الحكومة والأحزاب الكردية، أم يجب أن تخضع لاستفتاء شعبي، يقول فيه عرب الجزيرة كلمتهم، قبل أن يتم تضمين الفيدرالية في الدستور؟ تتوجب الإشارة هنا إلى أن هناك معلومات إعلامية متداولة مفادها أن “قسد” بدأت حملة سياسية في الوسط العربي، للحصول على تأييد الزعامات القبلية العربية لخيار الفيدرالية، كي تعزز من موقفها الذي يتركز على أساس أن الإدارة الذاتية مشروع مشترك كردي عربي.
وحسب مصادر في الحسكة، يلقى هذا التوجه معارضة واسعة من المكون العربي، الذي يمثل الأكثرية المطلقة في المحافظات الثلاث، وهو لا يتلخص بموقف مجموعة من زعماء العشائر المستفيدين من الإدارة الذاتية. والنقطة الثالثة هي أن واشنطن تدعم الاتفاق لأن استقرار المنطقة يخدم مصالحها، ويحول دون تصعيد جديد مع تركيا أو الحكومة السورية. وعلى هذا الأساس بدأ التنفيذ في حلب، ومن بعد ذلك سد تشرين، وفي هذا المجرى ستصب بقية الخطوات اللاحقة، خصوصاً تسليم آبار النفط والغاز للدولة.
ضغط أميركي على “قسد”
وحسب المعلومات المتداولة فإن قائد القوات الأميركية في الجزيرة هو الذي أوصل عبدي بطائرة عسكرية أميركية إلى دمشق لتوقيع اتفاق مارس الماضي. وجاء ذلك بعد أيام معدودة من أحداث الساحل، والحملة الإعلامية ضد الحكومة، وعلى هذا لا يخلو توقيت توقيع الاتفاق من رسالة سياسية أميركية، وهذه نقطة فهم منها الطرف الكردي جدية موقف الإدارة الأميركية، التي تدفع للتفاهم مع سلطات دمشق، وقد ساهم في ذلك عدة عوامل منها التدخلات التركية لدى واشنطن من أجل تسهيل الحل السياسي. وبحسب معلومات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، فإن الولايات المتحدة ضغطت على “قسد” للمضيّ قدماً في الاتفاق، وأبلغتها أن دعمها المستقبلي سيركّز على تعزيز الحقوق الثقافية للأكراد في سورية، من دون تقديم دعم عسكري مباشر.
ووسط معطيات ترجّح إمكانية الانسحاب قريباً، بدأت القوات الأميركية منذ منتصف الشهر الماضي، تفكيك بعض قواعدها العسكرية المنتشرة في مناطق شمال شرقي سورية من دون إعلان رسمي عن هذه التحركات. وتفيد المعلومات بأن طائرات شحن أميركية نقلت خلال الأيام الماضية عتاداً عسكرياً متنوّعاً وضباطاً وجنوداً من قواعد في المنطقة، تزامناً مع إنزال المنطاد العسكري المخصص للمراقبة والاستطلاع من سماء قاعدة تل بيدر شمال مدينة الحسكة. النقطة الرابعة هي، أن الحكومة السورية لا تعارض التعليم والحديث والكتابة باللغة الكردية، وهذا حق طبيعي للأكراد، وأن تتم ترجمة الاتفاق بالنص على ذلك دستورياً، بما يحفظ الحقوق الثقافية للأكراد، وعليه يتم تشريع مدارس للغة الكردية، ووسائل إعلام، وجامعات، ضمن إطار الدولة السورية.
خطاب عبدي قدم جانباً من صورة ملف الجزيرة، وعلى الحكومة أن تقدّم الجانب الآخر منها، حتى تكتمل الرؤية لدى المكون العربي، الذي يترقب خطوات ملموسة باتجاه التهدئة وتطبيع الأوضاع وإعادة بناء الثقة، وأن يتم البدء بخطوات مطمئنة مثل البدء بتبييض السجون، التي تشرف عليها “قسد” أو تسليمها للدولة السورية، أو التوصل لصيغة إشراف مشترك خصوصاً تلك التي تحتوي على مقاتلي “داعش”، الذين احتجزتهم “قسد” بعد هزيمة التنظيم في معركتي الرقة والباغوز، وهنا يدور جدل حول أعدادهم وجنسياتهم والمصير الذي ينتظرهم، لاسيما الأجانب منهم الذين ترفض دولهم استعادتهم.
أوراق “قسد”
تمتلك “قسد” عدة أوراق مهمة في المفاوضات، الدعم الدولي، مشاركة المكوّن العربي في تشكيلها سياسياً وعسكرياً، ضعف المكوّن العربي في تنظيم نفسه، وميل أوساط منه للتعاطف مع “داعش”. كما أنها تريد ضمانات دولية فيما يخص المستقبل، تتعلق باحترام الدولة للاتفاق، وضمان علاقات تفاهم مع تركيا. وعلى الجانب الآخر، هناك اتهامات عن سوء إدارة “قسد” للوضع في الجزيرة والتصرف بثروات المنطقة وهذا يتطلب جردة حساب، وألا يتم اتباع منطق عفا الله عما سلف، من دون نسيان إيجابيات الاتفاق في حلب وسد تشرين. من المرتقب أن تعقد الأحزاب الكردية مؤتمراً، غداً الجمعة، في الحسكة، بحضور نحو 250 شخصاً من أجل إصدار تصورها النهائي حول وضع المكون الكردي في الدولة السورية. ومنذ أسبوع تدور في الكواليس معلومات عن وثيقة اتفق عليها بصورة أولية كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تحت مسمى “الرؤية السياسية الكردية”، وستقرها خلال الاجتماع، وهي مشكّلة من 30 بنداً، تنصّ على المطالبة بـ”سورية ذات نظام حكم لا مركزي يضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأقاليم”. وتتضمن الوثيقة بنداً يدعو إلى “إعادة النظر في التقسيمات الإدارية للمحافظات والمناطق السورية، بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية”. كما تدعو الرؤية إلى “توحيد المناطق الكردية سياسياً وإدارياً ضمن سورية بنظام فيدرالي”. وترى أن “الاسم الرسمي للجمهورية وعلمها ونشيدها الوطني يجب أن يعبر عن كل مكونات الشعب السوري”.



الأكثر شعبية



اميركا تخلي 3 قواعد عسكرية من أصل 8 لها في سوريا…
