[jnews_post_author ]
الحرب في سوريا، بمفاعيلها وتداعياتها المختلفة ، أفرزت وضعاً شاذاً في معظم المناطق السورية، تلك الخاضعة لسلطة النظام والخارجة عن سيطرته، كما أججت معظم التناقضات والنزعات (الطائفية ، المذهبية ،العرقية ،الاجتماعية ، الثقافية) الكامنة في قاع المجتمع السوري. على خلفية هذه التناقضات والنزعات، تحولت (الجزيرة السورية – شرق الفرات ) ،التي يتصف مجتمعها بالتنوع القومي والعرقي والديني والقبلي، إلى (ساحة صراع) على من سيحكم هذه المنطقة الحيوية من سوريا (المخزون السوري من الثروات النفطية والمائية والزراعية والحيوانية). نحو 90% من هذا المخزون هو اليوم تحت سيطرة (الميليشيات الكردية) ،المدعومة أمريكياً. احتجاجاً على هذا الوضع الشاذ، تشهد مناطق الريف الشرقي لديرالزور والرقة أعمال عنف ومواجهات بين أبناء العشائر العربية الموالية للنظام في سوريا أو على الأقل المتحالفة معها مصلحيا مرحليا ، من جهة أولى وبين ما يعرف بـ ” قوات سوريا الديمقراطية – قسد ” التي تسيطر على المنطقة، من جهة ثانية. وقفة (العشائر العربية) بوجه (قسد) وداعمها الأمريكي ورفضها لما يمارس بحقها من تهميش وإقصاء وفرض على أبنائها( مناهج كردية) تروج لـ(المشروع الكردي) في سوريا والمنطقة، جعل (حزب الاتحاد الديمقراطي) ، يستشعر خطر (التمرد العربي) في منطقة يشكل العرب الغالبية الساحقة من سكانها. تطورات الحرب في سوريا والتدخلات الخارجية ، أخرجت الصراع على منطقة (الجزيرة ) من إطاره المحلي ليأخذ أبعاداً (إقليمية ودولية) خطيرة. حيث تتزاحم على أرض الجزيرة قوات(أمريكية ، روسية ، تركية ) إلى جانب قوات (النظام في سوريا). لكل منها أهداف وأجندات، تتعارض مع أهداف وأجندات الأخرى. جميعها تسعى إلى استقطاب (الميليشيات والكيانات السياسية والعشائرية ) المحلية إلى جانبها، لتعزيز نفوذها ولتقوية أوراقها في( لعبة المصالح ) التي تدار في منطقة الجزيرة وعلى الأرض السورية عموماً . بحكم خروج (القضية السورية) من أيدي أصحابها السوريين (نظاماً ومعارضة) لا مكان لمصالح (الشعب السوري) في هذه اللعبة. فرض أمريكا نفوذها السياسي وهيمنتها العسكرية على منطقة (شرق الفرات) بنشرها قواعد عسكرية فيها ودعمها المفتوح لأكراد ( حزب الاتحاد الديمقراطي – pyd )، لم يمنع (موسكو) من تعزيز وجودها العسكري في هذه المنطقة، مستفيدة من اتفاق “سوتشي” بين (بوتين و أردوغان)، الذي وضع حداً للعملية العسكرية التركية شرق الفرات في تشرين الأول من العام الماضي وانتهت بسيطرة تركيا على مناطق واسعة ضمنها(تل أبيض و رأس العين) كانت تحت سيطرة الميليشيات الكردية .
عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، أظهرت (إدارة ترامب) اهتماماً متزايداً بالوضع في منطقة شرق الفرات . فإلى جانب تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ، تجول المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا( جيمس جيفري) في منطقة الجزيرة وشمال العراق والتقى قيادات كردية سورية وعراقية ووجهاء من العشائر العربية. بموازاة التحركات الأمريكية، كثفت (الدبلوماسية الروسية) أنشطتها و اتصالاتها مع العديد من (الكيانات السياسية) في سوريا ومن مختلف الاتجاهات، بهدف تعزيز نفوذها السياسي إلى جانب العسكري وعدم ترك أمريكا تنفرد بمصير ومستقبل هذه المنطقة الحيوية من سوريا(شرق الفرات). ففي نهاية آب الماضي، احتضنت موسكو لقاءً جمع وفداً من (حزب الإرادة الشعبية) برئاسة مسؤول الحزب (قدري جميل) المقيم في موسكو، مع وفد من (مجلس سوريا الديمقراطية – مسد/ الذراع السياسي لقسد ) برئاسة (إلهام أحمد) . أثمر اللقاء عن توقيع (مذكرة تفاهم) بين الطرفين، على أمل أن تفتح الطريق أمام رجل موسكو (قدري جميل) ليكون لاعباً في منطقة شرق الفرات. بالمقابل يطالب (أكراد البيدا ) موسكو ، بممارسة مزيد من الضغوط على النظام في دمشق للاعتراف بإدارتهم الذاتية ، وهو ما يرفضه النظام في سوريا حتى الآن . في الإطار ذاته، استقبل وزير الخارجية (سيرغي لافروف) وفداً من جبهة “السلام والحرية” ، التي تم الإعلان عنها في تموز الماضي، تضم قوى سياسية، بعضها مقرب من النظام في سوريا وبعضها الآخر مقرب من تركيا ( المجلس الوطني الكردي – تيار الغد السوري – المنظمة الآشورية الديمقراطية – المجلس القومي العربي لأبناء الجزيرة والفرات). هذه الجبهة وُجدت لتنافس (الجبهة الكردية) التي يقودها (حزب الاتحاد الديمقراطي – pyd ) ، المهيمن على “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا ” التي أعلنها الحزب من طرف واحد .
رغم تواطؤ (إدارة ترامب) مع تركيا في الكثير من المناطق السورية الحدودية التي كانت بيد الأكراد، تراجُع ترامب عن قرار سحب قواته من سوريا مع فرض(حظر جوي)، غير معلن على منطقة (شرق الفرات) ، دفع الأكراد للتشدد بموقفهم ورفع سقف مطالبهم وصولاً الى مطلب “الانفصال و تقرير المصير ” ، وفق ما جاء في “وثيقة التفاهم” بين (أحزاب الوحدة الوطنية) بزعامة الاتحاد الديمقراطي وأحزاب (المجلس الوطني الكردي). أكراد ( البيدا ) يتأملون من ( الاتفاق النفطي) الذي وقعوه مع (شركة نفطية) أمريكية ، من دون موافقة النظام في دمشق وخلافاً لجميع القوانين والأعراف الدولية، أن يكون خطوة على طريق اعتراف (سياسي) أمريكي بإدارتهم الذاتية، غير المعترف بها حتى الآن من قبل أي جهة محلية أو خارجية. موسكو ، الممتعضة جداً من ذهاب أكراد (حزب الاتحاد الديمقراطي – pyd ) بعيداً في رهاناتهم على الحليف الأمريكي ومنعهم ( القوات الروسية) من إقامة نقاط عسكرية لها في (العمق الكردي) في ريف المالكية والقامشلي على الشريط الحدودي مع تركيا، قد تعلق(موسكو) دورياتها المشتركة مع تركيا وإعطاء (ضوء أخضر) لتركيا، المتوجسة من نمو الحالة العسكرية لأكراد سوريا ومن الدعم الأمريكي لهم، لقيام بعمل عسكري جديد على الشريط الحدودي في منطقة الجزيرة ضد مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي واستعادة سيطرتها على المزيد من الاراضي السورية الخاضعة لسيطرتهم ، بذريعة عدم التزام أكراد البيدا باتفاق “سوتشي”، الذي وافقوا عليه و اقتضى بانسحاب الميليشيات الكردية 30 كيلومتراً في العمق السوري على طول الحدود السورية التركية شرق نهر الفرات وتسيير دوريات (تركية – روسية) مشتركة .
———————————————————-
سليمان يوسف
shuosin@gmail.com