ريما بالي – الناس نيوز ::
“حبيتك وبحبك، تيبطل الغيم يشرد ورا الغيم وتخلص الطرقات…”
يقول ملحم بركات واعداً حبيبته، فترد فيروز:
“وخلص الحب وسكتت الكلمة… وتسكّر القلب ما وقع ولا نجمة!”
فهل ينتهي الحب؟ هل يشرد كغيمة في السماء، أو يتكسر كموجة طائشة على شاطئ لا مبال. هل تسقط النجوم من عليائها عندما نحب؟ أم أن الحب ما هو إلا نجم في الأعالي، بريقه مرهون بكونه بعيد المنال؟
إحدى الإجابات غير التقليدية أو بالأحرى الصادمة عن مثل تلك الأسئلة، جاءت في كتاب: “الحب يدوم ثلاث سنوات”، الذي صدر للمرة الأولى في العام 1997، تأليف المخرج التلفزيوني الفرنسي فريدريك بيغبيديه، مع عنوان فرعي: “سنة من العشق، سنة من الحنان، سنة من الملل”.
في هذا الكتاب الذي جاء بصيغة رواية، معلومة أساسية تتلخص بأن مشاعر الحب إذا ما تكللت العلاقة بالزواج، لن تدوم أكثر من ثلاث سنوات!
يضع بيغبيديه بين أيدينا خبرة بطل روايته مارك، الذي يبدأ حكايته عشية طلاقه من المرأة التي عشقها سابقاً. سبب الطلاق اكتشاف الزوجة أن شريكها على علاقة بأخرى، وقع في هواها فجأة بعد أن فتر حبه لزوجته التي كان قد اقترن بها بعد حب عاصف منذ ثلاث سنوات.
يدعم الكاتب فكرته بحجة تبدو مقنعة وملموسة، ويحيل من خلالها الموضوع كله إلى الكيمياء، إذ يقول:
“تقوم مؤامرة الحب على سرّ محفوظٍ جيداً. يجعلونك تتوهّم أن الحب يدوم مدى الحياة، في حين أنّه، كيميائياً، يتلاشى ويختفي بعد ثلاث سنوات.
الحب نزوة عابرة ناجمة عن خليط من هرمونات الدوبامين والنورادرينالين والبروركتين واللوليبيرين والأوكسيتوسين. إنّه عبارة عن جزيء صغير، المركب العضوي الأحادي الآمين فينيثيلامين (PEA) الذي يحفز مشاعر الغبطة والإثارة والنشوة. يخدعك المجتمع إذ يبيعك الحب الكبير في حين أن العلم قد برهن أن هذه الهورمونات تكفّ عن العمل بعد مضي ثلاث سنوات”.
ويقول الكاتب في مقطع آخر:
“بعد ثلاث سنوات، يجب على الزوجين أن يفترقا، أو ينتحرا، أو ينجبا أطفالاً، وهذه ثلاث طرق للتصديق على نهاية الحياة الزوجية”.
التلميح إلى إنجاب الأطفال يفسر أن اشتراك الزوجين في مشروع ما، كتربية الأطفال، قد ينقذهما من الانفصال، لكنه لا يحافظ على نفس المشاعر الأولية التي دخلوا بها العلاقة.
ويضيف “غالباً ما يقال لنا أن العاطفة تتحول بعد مرور بعض الوقت إلى (شيء آخر)، أكثر متانة وأكثر جمالاً، وإن هذا (الشيء الآخر) هو الحب بمعناه الأعظم، وهو شعور أقل إثارة ولكنه أيضاً أقل فجاجة”.
بعد ذلك المقطع الواقعي العقلاني الجميل، يعطينا الكاتب رؤيته الخاصة للموضوع، ويميز بين نوعين من الحب، العظيم والبسيط، ويشرح لماذا يختار هو الثاني:
“أريد أن أكون واضحاً تماماً: هذا (الشيء الآخر) يضايقني، وإذا كان هذا هو الحب العظيم، فأنا أترك الحب العظيم للكسالى والمحبطين وللناس الناضجين الذين يحصرون أنفسهم في راحتهم العاطفية، أما أنا فحبي يحمل معنى “بسيطاً” ولكنه لا يحلًق كثيراً، لا يدوم طويلاً ولكنه حين يحضر يشعر المرء بمروره”.
وجهة نظره (التي هي حقه المشروع والمحترم) تحمل الكثير من الحقيقة، مع تميز بسيط قد يقلب كل المعادلة، فالحب لا ينقسم إلى: عظيم أو بسيط، وإنما ببساطة إلى: حب أو لا حب.
أوافقه تماماً، بموضوع سلطة الهورمونات/الكيمياء على الإنسان، وأؤكد من طرفي أن ذلك الحب الذي يصفونه بأنه “إدمان وماشي في دم الشريان” أو “يسكن تحت الجلد”، هو مجرد هلوسة ناتجة عن تفاعلات كيمائية، تماماً كالتأثير الذي تحدثه المخدرات بأنواعها، هي نفس الحالة التي وصفها الكاتب بالغبطة والهيجان والنشوة، هي حالة رائعة ولا شك (على اختلاف مسبباتها) ولكن هل يمكن أن ندعوها حباً؟ هل نبني أو نهد حياتنا على أساسها ونحن نعرف أنها زائلة؟ ونعرف أن كل ما هو زائل لا يعوّل عليه؟ قال ابن عربي الفيلسوف المتصوف: “كل حب يزول ليس بحب”.
ما الحب إذن؟ هل هو ذلك (الشيء الآخر) الذي يضايق بيغبيديه؟ الجواب من وجهة نظري، هو نعم. وإذن؟ هل يتوجب علينا إن اخترنا الحب، أن نعيش حياة باهتة بعد موت هرمونات الغبطة والإثارة والنشوة؟ وكيف نتصرف إذا داهمتنا تلك الهرمونات فجأة إثر لقاء عابر مع شخص آخر؟ .
ليس الموضوع سهلاً، لكنه أيضاً ليس صعباً، إذا عرفنا أن القدرات الذهنية الكامنة في الإنسان قد تقوم بما يصل إلى حدود المعجزات، فقط إذا أردنا، ووثقنا، وقررنا.
قد يتحكم دماغنا بهرموناتنا، فيحييها أو يميتها، يداويها أو يهذبها، يستسلم لها أحياناً ويقهرها في أحيان أخرى، القرار لنا والخيار لنا.
في اللغة الإسبانية يستعملون غالباً فعل أنا أريدك “Te quiero” للتعبير عن الحب، ما يدل أن القضية ليست فقط عاطفية، بل هي قرار إرادي وعقلاني أيضاً.
أما بالنسبة لصحوة الهورمونات المفاجئة التي قد تسبب انجذابنا إلى شخص آخر، فلا داعي للقلق، هو أمر يمكن أن يحدث ويعالج كأي نزلة برد بقرص باراسيتامول، ويمر مرور الكرام.
على نفس المنوال، ثمة خبر جيد يفيد أن المشاعر المتمثلة بالغبطة والنشوة لا تولد دائماً وحصرياً من مصدر جنسي أو غرائزي، بل قد تولد أحياناً من مصدر فكري.. قد ننتشي بقطعة موسيقية، أو ضحكة طفل، وتغبطنا لفتة غير متوقعة من شريكنا نفسه، هذا يعني أننا لسنا مضطرين لتغيير عشاقنا كل ثلاث سنوات، لنستمتع بتلك الأحاسيس اللذيذة الأخّاذة.
مزيد من الأخبار الجيدة يأتينا بها جون غراي، وهو كاتب ومؤلف أمريكي ومعالج عائلي ونفسي، في كتابه الشهير “النساء من الزهرة والرجال من المريخ”، إذ يذكرنا بما يلي:
“العلاقة تشبه الحديقة، فإذا كان لها أن تزدهر فيجب أن تسقى بانتظام ويجب أن تعطى اهتماماً خاصاً، مع أخذ الفصول وكذلك أي طقس لا يمكن التنبؤ به بعين الاعتبار، يجب رش البذور الجيدة وقلع الحشائش الضارة، وبالمثل، فلكي نبقي على سحر الحب حياً، يجب أن نفهم فصوله ونرعى حاجاته”.
ثم يتابع في شرح جميل لفصول الحب الأربعة، لن يتسع المجال هنا لتلخيصه، إنما نستخلص منه أن للحب دورته الحتمية الزمنية التي ترفعه في السماء تارة وتدفنه في باطن الأرض تارة أخرى.
وبإيحاء من صاحب “ترجمان الأشواق” ابن عربي، الذي عرّف الحب بأنه “موت صغير”، أجدني أدندن مقطعاً من أغنية إسبانية: ” لأن الحب الذي لا يموت يميت.. ولأن الحب الذي يميت.. أبداً لا يموت”.
كل عيد حب وأنتم بحب، ويا حبذا أيضاً بعض الغبطة والإثارة والنشوة.