د . محمد حبش – الناس نيوز ::
أصبحت المعركة الانتخابية في فرنسا ذات ملامح شرق أوسطية إلى حد غير معقول، وصرحت مارين لوبان بأنها ماضية في منع الحجاب في الأماكن العامة فيما بدا ماكرون سلفياً أصولياً وأعلن بوضوح إن الشعب الفرنسي لن يقبل هذا الجنون وأنك بهذا تدعين إلى حرب أهلية!!
ولو كتمت عنك أسماء المتنافسين لظننت أنك تتابع انتخابات تونسية أو جزائرية أو مغربية، فالهم الإسلامي حاضر في كل تفاصيل المعركة الانتخابية، ويا له من حضور لا نحسد عليه، فهو يتعلق بخطورة تأثيرنا في المشهد السياسي وشكل الذعر الذي نحدثه، وليس بطاقاتنا الكامنة المستعدة للمشاركة في البناء والتنمية.
ومع أن ماكرون قد صرح في غير مناسبة أن الإسلام في أزمة، ولكنه قدم هنا موقفاً متوازناً وعقلانياً إلى حد بعيد، وفي هذه النقطة أتفق معه تماماً في أن هذا الرأي الاستبدادي الدكتاتوري الذي تقدمه مارين لوبان يتناقض تماماً مع الديمقراطية والعلمانية وقيم حقوق الإنسان، وأن الإيغال في سلوك كهذا قد يحمل الناس على خيارات متطرفة للدفاع عن معتقداتهم، أو كما أسماه الحرب الأهلية، ولست بالطبع سعيداً أن أنفخ في هذا الكير، ولا أريد أبداً أن تصدق هذه النبوءة وأن يذهب المسلمون إلى حرب أهلية في أوروبا، بعد أن تم تفخيخ البلاد العربية عن بكرة أبيها بالحروب الأهلية الماحقة.
وأعتقد ان الشعب الفرنسي سيختار ماكرون بوصفه أكثر اعتدالاً ( الشعب الفرنسي اثبت في معظم المفاصل التاريخية والانتخابات انه متمسك بقيم الجمهورية) ، ولن يتقبل التوجهات المتطرفة للوبان، إلا إذا أقدم المتطرفون على ارتكاب حماقة كبيرة هذه الليلة فيهدون لوبان كرسي الرئاسة على طبق من دم.
ومع أن المعركة سياسياً شديدة التعقيد، وترتبط بملفات دولية وأوربية، ولكنني معني بتفكيك الحوار المتصل بحجاب المرأة المسلمة بعد أن أن أعلنت لوبان أنه يمثل تحدياً لهوية فرنسا وتاريخها وحضارتها، وأنها تناشد الشعب الفرنسي اختيارها لمنع الحجاب، وهو ما سيجعل فرنسا شبيهة تماماً بإيران حيث تجبر المرأة من المطار على لبس الحجاب مهما كان دينها وغاية زيارتها.
تماماً يتحد الجواب اللوباني والإيراني: هذه بلدنا ويجب أن نحافظ على هويتنا، ومن جاء إلينا فعليه التزام قوانيننا!!.
ومع أنني أعارض موقف مارين لوبان بالمطلق وأعتبره موقفاً مطرفاً غاشماً، ولكنني في الوقت نفسه أود أن أتساءل أيضاً باتجاهين: أولاً لم كل هذا الرعب من الحجاب؟ وثانياً لماذا أيضاً هذه الاستماتة في الدفاع عن الحجاب؟.
لماذا تحول الحجاب الذي هو قطعة قماش ترتديه النساء لغرض واقعي بسيط وهو أنهن يعرفن به فلا يؤذين، إلى حقل ألغام في حملة الانتخابات الفرنسية في أكثر بلدان أوربا عراقة وحضوراً في التاريخ والحاضر؟
وإذا كانت مصلحة أوروبا أن تخوض حروبها الاجتماعية على أساس رمزية الحجاب وقوة الأزياء فهل من مصلحة الإسلام خوض حروبه بهذه العناوين التي يحددها اليمين الفرنسي؟.
وما مصلحة الإسلام أن يتم التعبير عن قيمه ومبادئه ورسالته الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية بهذا التعبير الشكلي؟
قناعتي اننا بحاجة أن نتوحد ضد هذا السلوك الديكتاتوري الذي تتوعد به لوبان، وضد الآمال الشمولية الستالينية التي يمثلها اليمين المتطرف، وهذا كله لا خلاف عليه ولا جدال فيه،
ولكن في الوقت نفسه فهل المشكلة كلها في الطرف الآخر؟ وهل نحن مجرد مفعول به منصوب وقع عليه فعل الفاعل؟
قناعتي أننا مطالبون بإصلاح وعينا في الحجاب، وذلك في ثلاث نقاط أساسية:
أولاً: يجب أولاً تمييز الحجاب عن النقاب فالنقاب لم يعد على الإطلاق سلوكاً مقبولاً في أي مكان في العالم، ولا يمكن إقناع أي أمة من الأمم أن تستضيفنا ونحن ملثمون رجالاً أو نساء، فالنقاب بغض النطر عن قمع الحرية فيه، هو صورة من ثقافة الريبة بالناس واتهامهم وتخوينهم، واصطفاف المنقبة تلقائياً ضد المجتمع الذي يتربص بها ويحاول اغتصابها والاعتداء عليها ولا حل إلا بدخول المرأة إلى هذه الخيمة السوداء في هذا العالم المتوحش الكريه الحاقد.
ثانياً: يجب إعادة الحجاب إلى مكانه الشرعي أدباً تحترمه الشريعة وتدعو إليه، وليس فيصلاً بين الإيمان والكفر، ولا ركناً في الدين يقوم عليه الإسلام وتشرع له صهوات الجياد وينادى فيه يا خيل الله اركبي.
لا يعتبر الحجاب من أركان الإيمان ولا من أركان الإسلام وقد اعتبر الفقهاء الراسخون أن السفور المتعمد من الذنوب الصغائر، ولم يذكر أي فقيه معتبر أن كشف الشعر من الكبائر، وقد جمع الإمام الذهبي كل الكبائر في مصنف واحد ولم يأت على ذكر السفور، ولم يرد في القرآن الكريم ذكر الحجاب بمعنى اللباس أبداً، وإنما وردت بعض نصائح قرآنية عامة تحتمل تأويلات متعدددة، ولم تقترن بأي وعيد أو عقاب أو عذاب.
ثالثاً: وفي سياق ذلك يجب أن تتقبل المسلمة قوانين البلاد التي تهاجر إليها، وأن لا تجد غضاضة في تطبيق القانون وابتكار البدائل، فقد رفع الله الحرج عن المضطر ورفع الله في الحجاب بالذات الحرج عن المحارم وقرابة الرضاع والتابعين غير أولي الإربة وما ملكت أيمانكم وغير ذلك من الأصناف التي ذكرها الفقهاء ومنها ما يبدو عند المهنة وما يبدو عند الجهاد، والشعر المسترسل، وهذا كله يفتح باباً واسعاً لانسجام المرأة المسلمة مع المجتمعات التي تعيش فيها.
ولا شك ان التزام المرأة المسلمة بالقانون لا يعني على الإطلاق تسليمها بصواب القانون وعصمته، بل هو محض التزام قانوني يمنحها حق الاعتراض والانخراط في هيئات وأحزاب ونقابات تطالب بتعديل القوانين واحترام حرية النساء، وهو مناسبة للحديث عن قيم الإسلام وأخلاقياته وآدابه، وعن المعاني العميقة لثقافة العفاف والأسرة في الإسلام.
من المؤسف بالفعل أن تكون معركة الرئاسة الفرنسية قائمة على رغبة اليمين المتطرف بشنق تمثال الحرية بحجاب المسلمات.