بغداد – الناس نيوز ::
تتجه قوى الإطار التنسيقي في العراق والمجموعات المسلحة المرتبطة بها، سواء ضمن تشكيلات الحشد الشعبي أو من خارجه، إلى تعزيز نفوذها في مؤسسات الدولة الاقتصادية، بعد أن بات الجزء الأهم من القرار الأمني يخضع بشكل ما لنفوذ قياداتها الحليفة لإيران.
وبحسب وكالة الأناضول، تصاعد نفوذ هذه القوى في البلاد منذ تشكيل محمد شياع السوداني، حكومته، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التي هي في حقيقتها حكومة الإطار التنسيقي.
والاطار التنسيقي، يمثل أجنحة سياسية لمجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، تعمل تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي أو خارجها.
ـ تعزيز القدرات المالية
بعد انتهاء العمليات القتالية الكبرى ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، نهاية 2017، فرضت المجموعات الشيعية المسلحة سيطرتها على الملف الأمني في المحافظات المحررة (نينوى والأنبار وصلاح الدين).
وافتتحت مكاتب تعزز من قدراتها الاقتصادية عبر السيطرة على منافذ حدودية غير شرعية (مع سوريا)، والشراكة في عقود إعادة الإعمار، وفرض الرسوم على الشركات المحلية، وابتزاز رجال الأعمال والمستثمرين، واستيفاء رسوم شهرية من أصحاب المقاهي والمطاعم والتجار، بالإضافةِ إلى رسوم على شاحنات نقل البضائع التي تدخل بعض المدن الخاضعة لنفوذها.
ومنذ سنوات، عزّزت فصائل الحشد الشعبي انتشارها على الحدود العراقية السورية لتأمين مرور الأسلحة والمقاتلين المرتبطين بفيلق القدس الإيراني إلى سوريا، وتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية من خلال المنفذ الحدودي، أو عبر منافذ برية غير رسمية تشرف عليها تلك الفصائل التي تتواجد في منطقتي القائم العراقية والبو كمال السورية.
ومن المهم لهيئة الحشد الشعبي، التي ترتبط رسميا بالقائد العام للقوات المسلحة ولها مخصصات مالية في موازنة الدولة السنوية، أن تعزز إيراداتها عبر شركات كبرى تعمل تحت غطاء الدولة العراقية وبشكل رسمي.
وبلغت مخصصات الحشد الشعبي من ميزانية الدولة في موازنة 2021، أكثر من 2.4 ترليون دينار عراقي (1.6 مليار دولار).
ـ “شركة المهندس”
ومن بين أهم هذه الشركات؛ “المهندس العامة”، التي أقرها مجلس الوزراء، وأعلن أنها ترتبط بالحشد الشعبي، لمنحه مزيدا من النفوذ وإضفاء الشرعية على الاقتصاد الخاص به.
واتخذت الشركة اسمها تيمنا بنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي “أبو مهدي المهندس”، الذي قتلته غارة أمريكية بأمر من الرئيس السابق دونالد ترامب، في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 قرب مطار بغداد الدولي رفقة قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني.
في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وافق مجلس الوزراء برئاسة القيادي في الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، على تأسيس شركة عامة باسم (المهندس) برأسمال مئة مليار دينار (68.5 مليون دولار)، ترتبط بهيئة الحشد الشعبي، استنادا لقانون الشركات العامة.
ويؤكد تسجيل شركة “المهندس”، بموجب قانون الشركات، اعتبارها شركة حكومية تتمتع بصفة قانونية، ما يجعلها خاضعة للرقابة والمحاسبة من الهيئات الحكومية المتخصصة بمكافحة الفساد.
لكن نفوذ قيادات الحشد الشعبي، بما فيها الفصائل المتنفذة، يجعل مثل هذه الشركة في منأى عن المحاسبة أو الخضوع للقضاء أو الهيئات المختصة بالنزاهة أو مكافحة الفساد.
وتوصف “المهندس”، بأنها شركة عامة، لكن لم تحدد بعد تخصصاتها، باستثناء تصريحات لمسؤولين حكوميين، بأنها شركة وطنية متكاملة للإعمار والبناء مع مصانع للمواد الإنشائية.
ويمكن لشركة “المهندس”، أن تعمل على نطاق واسع في الاستحواذ على نسبة من العقود، خاصة ما يتعلق بعقود إعادة الإعمار في المدن التي خربتها حرب السنوات الأربع ضد “داعش” (2014 – 2018).
ـ عقوبات أمريكية مرجحة
الأخطر فيما يتعلق بتأسيس هذه الشركة أن نشاطاتها المالية قد تثير انتباه هيئات أمريكية لمراقبتها، واحتمالات الكشف عن شبهات تعاونها مع الحرس الثوري الإيراني، أو مع شركات مرتبطة به مدرجة على لوائح العقوبات الأمريكية، ما يضع “المهندس” في دائرة هذه العقوبات.
ففي 12 يونيو/ حزيران 2019، قالت وزارة الخزانة الامريكية، في بيان، إن شركة “منابع ثروات الجنوب”، سهلت بشكل سري وصول الحرس الثوري الإيراني إلى النظام المالي العراقي من أجل التهرب من العقوبات.
والشركة، وفق صحف غربية، ترتبط بشكل ما بـ”أبو مهدي المهندس”، وساهمت في تخفيف تداعيات العقوبات الأمريكية على الحرس الثوري.
حيث عملت شركة “منابع ثروات الجنوب”، كواجهة لتهريب أسلحة بمئات ملايين الدولارات إلى وكلاء الحرس الثوري داخل العراق.
كما أنها نقلت ملايين الدولارات بشكل غير مشروع لصالح الحرس الثوري والفصائل التابعة له في العراق.
وتشهد البلاد منافسة الحشد الشعبي، لمؤسساتها العاملة في عدد من القطاعات في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، خاصة الاستحواذ على الجزء الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار، ومشاريع تنمية الأقاليم، تحت إشراف “الفصائل المتنفذة” في الحشد، بعيدا عن إشراف مؤسسات الدولة.
ويمارس “الجهد الهندسي” في الحشد الشعبي، نشاطات عدة من اختصاص مؤسسات الدولة، مثل مد أنابيب الماء، وحماية حقول النفط من الغرق، وغير ذلك من النشاطات التي تعكس القدرات التي يمتلكها الحشد من الآليات والإمكانيات المالية والكوادر الهندسية.
ـ استنساخ التجربة الإيرانية
وتأمل قيادات الحشد الشعبي في الاستحواذ على المزيد من القطاعات الإنتاجية في مجالات النفط والغاز، وكذلك القطاعات الاستثمارية وعقود التوريد ومناقصات إعادة الاعمار وغير ذلك، على غرار شركة “خاتم الأنبياء”، الذراع الاقتصادي المهيمن للحرس الثوري الايراني.
وتخضع شركة “خاتم الأنبياء” للعقوبات الأمريكية، وهي شركة تأسست بعد الحرب الإيرانية العراقية، نهاية ثمانينات القرن الماضي، من أجل إعادة إعمار ايران، التي كانت بحاجة إلى الكثير من الموارد والمعدات والأموال لإعادة بناء ما دمّرته حرب الثماني سنوات (1980-1988).
واستغلت شركة “خاتم الأنبياء” القدرات المالية للحرس الثوري بعد الاستغناء عن مهامها القتالية في حالة شبيهة باستغناء الدولة العراقية عن مهام الحشد الشعبي القتالية بعد ان اثبتت القوات الأمنية قدرتها على مواجهة تهديدات تنظيم داعش.
وبعد تأسيسها في 1989، أصبحت شركة “خاتم الأنبياء” من بين أهم المؤسسات الاقتصادية التي تمتلك قدرات مالية واقتصادية كبيرة، قادرة على منافسة مؤسسات الدولة الإيرانية.
إذ شرّعت إيران قوانين تسمح للحرس الثوري بممارسة الأنشطة الاقتصادية في قطاع البناء والتعليم والإغاثة والتصنيع والإنتاج الزراعي وتطوير القطاع النفطي والاستيراد والتصدير وغير ذلك.
وتمتلك “خاتم الأنبياء”، الشركة الأكبر والأهم في البلاد، أكثر من 800 شركة في قطاعات النفط والاستثمارات وإمدادات الطاقة والمياه وصناعات النقل والتعدين والمناجم والزراعة والتعليم والصحة وكافة قطاعات الدولة الاقتصادية والخدمية.
وتنحصر معظم المخاوف التي تثيرها بعض الأوساط العراقية في الخشية من أن تكون شركة “المهندس” نسخة مكررة من شركة “خاتم الأنبياء” المملوكة للحرس الثوري، والتي تستحوذ على معظم قطاع الاستثمارات في إيران، وتحتكر عددا من قطاعات الصناعة والطاقة والعقارات والخدمات.
من المهم الإشارة إلى أن الفصائل المتنفذة في هيئة الحشد الشعبي، والتي تستحوذ على قرار الهيئة، سعت طيلة سنوات ما بعد انتهاء الأعمال القتالية الكبرى بخسارة داعش، جميع معاقله الحضرية نهاية 2017، إلى تعزيز نفوذها إلى الحد الذي باتت هذه الفصائل تمثل كيانا موازيا لكيان الدولة، ويمتلك مؤسسات خاصة به ومحاكم وسجون وله مؤسساته الاقتصادية الخاصة به.
لقد باتت فصائل الحشد الشعبي تشكل ما يشبه المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة، أو بمعنى آخر “دولة موازية” في مقابل الدولة العراقية، التي تعاني أساسا من تضخم في أعداد العاملين والموظفين فيها.