في كتاب التوراة هنالك ثلاثة أسفار خارجة عن مألوف اللاهوت الكتابي وهي 1- سفر الجامعة الذي يشكك مؤلفه في كل شيء حتى في عدالة الإله يهوه: “رأيت كل الأعمال التي عُملت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض الريح… وأيضاً رأيت تحت الشمس موضع الحق هناك الظلم وموضع العدل هناك الجور، فقلت في قلبي إن الله يدين الصديق والشرير”. 2- سِفر نشيد الإنشاد الذي يعتبر واحداً من أجمل أناشيد العشق في تاريخ الأدب: “شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت لسانك عسل ولبن، ورائحة ثيابك كرائحة جبل لبنان”. 3- سِفر الأمثال وهو حشد من الحكم والأمثال التي تم جمعها من ميراث الشرق القديم دون العناية بمدى اتفاقها مع السياقات الفكرية للسردية التوراتية. ولعلّ أكثر مايلفت نظرنا في هذا السفر هو ما ورد في الإصحاح الثامن والتاسع عن الحكمة التي تبدو هنا كائناً مستقلاً هو أول مخلوقات الرب وبه صنع العالم:
“أنا الحكمة، أسكن الذكاء وأجد معرفة التدابير… بي تملك الملوك وتقضى العظماء عدلاً، بي تترأس الشرفاء والرؤساء، الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم، منذ الأزل مُسِحت منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غَمروٌ أُبدئتُ إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أُبدئتُ إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة، لما ثبّت السماء كنت هناك أنا، لما رسم دائرة على وجه الغمر، لما ثبّت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر، لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه، لما رسم أسس الأرض، كنت عنده صانعاً وكنتُ كل يوم لذّته فرِحةً دائماً قدامه “… ” الحكمة بنت بينها نحتت أعمدتها السبعة ذبحت ذبحها مزجت خمرها أيضاً رتبت مائدتها، أرسلت جواريها تنادي على ظهور أعالي المدينة: من هو جاهل فليمل إلى هنا، والناقص الفهم قالت له هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها، اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم”. الأمثال 8: 12 -31 و 9: 1- 6.
هذه “الحكمة” التي ظهرت في سفر الأمثال في موقع الوسط بين المفهوم والشخصية، وكانت مع الإله الخالق منذ البدء ووسيطه الذي صنع به كل شيء، هي التي ألهمت على ما يبدو مؤلف إنجيل يوحنا فكرة اللوغوس أو الكلمة/العقل، الذي كان منذ البدء عند الله، وبه صنع كل شيء: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة (هو) الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” يوحنا1: 1-3.
كما أن حكمة سفر الأمثال تفتح لنا نافذة على تراث إنساني غنيّ بالتأملات. ولنبدأ بأعمدة الحكمة الوارد ذكرها في سفر الأمثال 9: 1 ونبحث عن أصلها في الثقافة العالمية، لنجد أنها ليست إلا شخصيات إنسانية أو نصف إلهية كان لها إنجازات مهمة أثرت على مسار الحضارة. ولنبدأ بالثقافة اليونانية.
قبل عصر سقراط ظهر في الثقافة اليونانية سبعة حكماء قدموا للفكر اليوناني طرائق في التفكير مهدت للنهضة الحضارية غير المسبوقة التي تميزت بها اليونان، وهم على ما تفيدنا به المصادر الكلاسيكية:
1- طاليس/ Thales من ميليتوس Miletus. كان أول فيلسوف يوناني وصلتنا أخباره والقليل عن أفكاره، وقد حاول للمرة الأولى في تاريخ الفكر الإنساني تفسير الكون بشكل علمي بعيداً عن الأساطير.
2- بيتاكوس Pitacus من ليسبوس Lesbos. كان حاكماً عادلاً وقف إلى جانب الشعب وحدّ من تسلط طبقة النبلاء.
3- بياس Pias من بريني Priene. كان سياسياً ومُشرعاً.
4- صولون Solon من أثينا. كان مصلحاً ومشرعاً وهو الذي وضع أسس الديمقراطية اليونانية.
5- كليوبولس Cleobulus من ليندوس Lendos. سياسي.
6- بيرياندروس Periandrus من كورنثة Corinthus. سياسي.
7- خيلون Chilon من إسبرطة. سياسي يعزى إليه وضع النظام العسكري للمجتمع الإسبرطي.
قبل عصر الحكماء السبعة اليونانيين بألفي سنة كان لثقافة وادي الرافدين حكماء سبعة أطلقت عليهم النصوص السومرية اسم أبجال/Abgal أي حكيم، والنصوص الأكادية بعد ذلك أبكالو/Abkallu بالمعنى نفسه.
وهم أنصاف آلهة خلقهم إله الحكمة والماء العذب إنكي (أو إيا) المعبود في مدينة إريدو على الخليج العربي، وهي المركز الأول للإشعاع الحضاري في سومر. هذه الصلة مع إله الحكمة والأعماق المائية العذبة جعلت السومريين يتصورونهم في هيئة تجمع بين الشكل الإنساني والسمكة. وقد خُلق هؤلاء لنقل المعرفة إلى البشر والخروج بهم من طور الهمجية إلى طور الحضارة. فلقد علموا الإنسان الكتابة والهندسة والفنون والشرائع وقاموا ببناء المدن السبعة الأولى في سومر، كما صنعوا نواميس الحضارة مدونة على رقم فخارية والتي دعوها مي / Me. وأصل هذه الكلمة في اللغة السومرية غامض، ولكننا نفهم من سياقات استخدامها أنها عبارة عن قواعد تحكم كل ظاهرة من ظواهر الحضارة، وتضمن استمرارها وفق الخطة الإلهية وعددها نحو مئة. وهذه بعضها على سبيل التوضيح: ناموس الأدوات الموسيقية، ناموس فن الغناء، ناموس اللباقة والكياسة، ناموس حرفة حفر الخشب، ناموس حرفة صناعة النحاس، ناموس الكهنوت. وقد كانت هذه النواميس في حوزة الإله إنكي بمدينة إريدو، ولكن إنانا إلهة مدينة أوروك رغبت في الحصول عليها من أجل تحضير مدينتها، فسافرت إلى إيريدو حيث استقبلها إنكي بالترحاب وجلس الاثنان يتناولان البيرة، وعندما سكر إنكي راح يمنحها النواميس واحداً إثر آخر، فحملتها على مركبها صاعدة نهر الفرات إلى أوروك.
كان أدابا أو أوانا/Uanna الأول في الظهور بين هؤلاء الحكماء، ولذلك يرد اسمه على رأس القائمة التي تعدد أسماءهم. نجده في أسطورة أدابا البابلية إلى جانب الإله إنكي يرعى شعائره في المعبد ويصطاد السمك لتقديمه قرباناً على المذبح، ويقول كاتب النص في مطلعه إن الإله إنكي/إيا قد وهبه الحكمة مثل واحد من الآلهة، فكان روحاً حافظاً بين بني البشر، ولكنه لم يمنحه نعمة الحياة الأبدية. ويرد اسمه لدى المؤرخ البابلي بيروسوس (برغوشا باللغة الآرامية) من مطلع العصر اليوناني بصيغة أوانيس/ Oannes، وكذلك عند المؤلف اليكساندر بوليهيتستُر/ polyhestor من القرن الأول قبل الميلاد. وأوانيس هذا، هو الذي تحوّل الى يوحنا المعمدان الذي أقام على ضفة نهر الأردن وكان يُعمد بالماء وفق الرواية الإنجيلية، حيث يرد اسمه باليونانية يوانِّس iounnis .
وفي النص المعروف بعنوان ثبت ملوك وحكماء مدينة أوروك نجد أن كل ملك من الملوك السبعة الذين حكموا قبل الطوفان الكبير كان إلى جانبه واحد من الحكماء السبعة، والنص يجري على النحو التالي:
1- خلال حكم الملك ايالو، يواناUanna كان الحكيم.
2- خلال حكم الملك ألاغار، أوانتيدوجا كان الحكيم.
3- … إلخ.
وخلال عصر المملكة الآشورية الحديثة (بعد عام 1200 ق.م) شاع تصوير الحكماء السبعة في قصور ملوك آشور، وهم يبدون في المنحوتات البارزة إما بجسم بشري ورأس طير، أو بهيئة هي مزيج من الإنسان والسمكة، وقد يظهر الجزء السمكي على ظهر الحكيم وكأنه عباءة. وهيئة السمكة هنا ترمز إلى الماء وإلى إله الحكمة والأعماق المائية الذي ينتمي الحكماء إليه وينهلون من حكمته.
نتابع مسيرتنا شرقاً مع الحكماء السبعة لنجدهم في الهند والصين. ففي الميثولوجيا الهندوسية قام الإله الخالق براهما بخلق الحكماء السبعة من أفكاره، ووهبهم المعرفة الكاملة ويدعون سابتا ريشى، حيث تعني كلمة سابتا أو شابتا sapta سبعة، وريشيrishi حكيم. ومن الملفت للنظر هنا أن كلمة سابتا السنسكريتية تعادل كلمة سابات بالعبرية أي يوم الراحة، وهو اليوم السابع من الأسبوع ومثلها أيضاً في الآرامية، والعربية. وقد نقل هؤلاء السبعة إلى الأرض كل المعارف الضرورية للبشر، واعتبروا آباء الدين الفيدي السنسكريتي، وهو الدين الذي جاء به الفاتحون الآريون إلى الهند أواسط الألف الثاني قبل الميلاد.
فإذا انتقلنا إلى الصين حيث الثقافة الثانية التي أعلت من شأن الفلسفة على حساب الميثولوجيا بعد اليونان، نجد الحكماء السبعة وقد خلعوا عنهم الغلالات الأسطورية وعادوا إلى طبيعتهم الإنسانية، ولذلك فإننا نتتبع أخبارهم في السجلات التاريخية لا في السجلات الميثولوجية. فقد عاش هؤلاء في زمن ما من القرن الثالث الميلادي كتاباً وشعراء وموسيقيين وعلماء على المذهب التاوي، وكانوا مقربين من البلاط الذي كان يستشيرهم ويأخذ بآرائهم. ولكنهم بعد فساد الحكومة وجنوحها إلى الاستبداد وإعدام زميلهم الكيميائي شي كانغ بسبب انتقاده لفساد السلطة، هجروا حياة المدينة ولجؤوا إلى غابة البامبو حيث عاشوا فيها بسلام وأمان، يشربون الخمر ويتحاورون منكبين على نشاطاتهم الفكرية والفنية. وقد ركزت كتاباتهم على الإعلاء من شأن الحياة في أحضان الطبيعة ونقد حياة المدينة. ولدينا في الفن الصيني لوحات فنية خلّدت هؤلاء الحكماء وعبّرت عن حياتهم الهانئة والمثمرة في غابة البامبو.
وفي أوربا العصور الوسطى شاعت حكاية شعبية يلعب الحكماء السبعة الدور الرئيسي فيها وتتضمن سلسلة حكايا رُويت في كل قطر بطريقة خاصة. فقد عهد الملك بابنه الشاب إلى الحكماء السبعة ليشرفوا على تعليمه، وبعد أن انتهوا عاد إلى القصر وحاولت زوجة أبيه إغواءه، فامتنع، ولكنها راحت تشكوه إلى أبيه متهمة إيه بمحاولة إغوائها، وهنا جمع الملك الحكماء السبعة ليستمعوا معه إلى قصتها كاملة بحضور الشاب الذي ألزمه رئيس الحكماء الصمت مدة أسبوع. فراحت الملكة تروي أمامهم سبع قصص عن محاولاته التحرش بها، وكلما روت قصة قام أحد الحكماء بدحضها وإظهار زيفها، وأخيراً وبعد مضي أسبوع تكلم الشاب وظهرت الحقيقة، وحكم الملك على زوجته بالموت.
فإذا جئنا الى الثقافة العربية لا نجد أثر للحكماء السبعة، ولكن القرآن الكريم، وعلى طريقة سفر الأمثال التوراتي، حافل بالآيات التي تمتدح الحكمة وفضلها، فهي نعمة من الله يهيئها لمن يشاء من عباده: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} البقرة: 269. وفضلُ الحكمة يأتي بعد فضل النبوة، ولذلك فقد آتى الله أنبياءه الكتاب ومعه الحكمة: {فقد آتينا إبراهيم الكتاب والحكمة} النساء: 64. {وقتل داود جالوت وآتاه الله المُلْك والحكمة وعلمه مما يشاء} البقرة: 251. {ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} الزخرف: 63. {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} آل عمران: 48. {ذلك مما أوحي إليك ربك من الحكمة} الإسراء: 39. {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} آل عمران: 164.
وفي هذا السياق أيضاً ترد صفة الحكيم في القرآن بين أسماء الله الحسنى نحو 75 مرة ومنها: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} البقرة: 32. {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} المائدة: 118. {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} الأنعام: 18.
وفي إعلائه من شأن الحكمة يفرد القرآن في سورة لقمان حيزاً للحديث عن حكيم قديم يدعى لقمان، تجلت حكمته في مجموعة من النصائح والأمثال موجهة إلى ابنه: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم}. يلي ذلك ست نصائح تعطي فكرةً عن حكمته. ولقد حار أهل التفسير وأهل الأخبار بشأن لقمان هذا، متى عاش وأين وفي عهد أي ملك، وكان لهم في ذلك آراء متضاربة، ولكنني لم أجد في تراث المنطقة شخصية يمكن اعتبارها أصلاً للقمان، سوى شخصية حكيم آرامي عاش في القرن السابع قبل الميلاد خلال عهد الملكين الآشوريين سنحاريب وأسرحادون، وكان مستشاراً للبلاط وحاملاً لأختام الملك. ولدينا عن سيرة أحيقار عدة روايات أهمها نص آرامي من القرن الخامس قبل الميلاد ونص سرياني من العصر المسيحي الأول، وفي كليهما مجموعة من الحكم الموجهة لابنه المدعو نادين، وهذه نماذج منها:
– راقب فمك لأن الكلمة مثل الطير إذا أطلقتها لن تستطيع استرجاعها ثانية.
– لا تتنظر أبعد مما يمكن لبصرك الوصول إليه.
– لا تكن حلواً فيبلعونك ولا مراً فيبصقونك.
– لا تحل عقدة رُبطت ولا تربط عقدة حُلت.
– نقل الحجارة مع رجل حكيم أفضل من شرب الخمر مع رجل جاهل.
– بهيّ الثياب كلامه مسموع وحقير الثياب كلامه مرفوض.
– نعجة قريبة خير من بقرة بعيدة، وعصفور في اليد خير من ألف عصفور طائر.
إن ما يلفت نظرنا من مقارنة حكم لقمان القرآني مع حكم أحيقار الآرامي، عدا عن أنها موجهة إلى الابن، هو تطابق اثنتين من حكم لقمان الستة مع اثنتين من حكم أحيقار:
فقد ورد في سورة لقمان {ولا تُصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً، إن الله لا يحب كل مختل فخور} لقمان: 18.
وورد في حكم أحيقار:
“إذا أردت أن ترتفع فاتضع أمام الإله الذي يُذل المتكبر ويرفع المتواضع”.
وورد في سورة لقمان:
{واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} لقمان: 19.
وورد في حكم أحيقار:
“اخفض بصرك واخفض صوتك لأنه لو أمكن بناء البيت بالصوت العالي لبنى الحمار بيتاً في يومين”.
ولدينا خارج سورة لقمان في القرآن ثلاث آيات يمكن مقارنتها مع حكم أحيقار فقد ورد في سورة النحل:
{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل: 125.
وورد في حكم أحيقار:
“إذا جابهك عدوك بالشر فجابهه بالحكمة”.
وورد في سورة البقرة: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدونه عند الله} البقرة: 110.
وورد عند أحيقار:
“ومن يصنع خيراً يلق خيراً”.
وورد في سورة الحج:
{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} الحج: 46.
وورد عند أحيقار:
“أعمى العينين أفضل من أعمى القلب”.
ولدينا حديث شريف يقول البعض أنه من القرآن الذي سقط من مصحف عثمان، ويقول آخرون أنه من القرآن الذي نُسخت تلاوته وبقي حكمه، وهو يتطابق مع إحدى حكم أحيقار:
فقد ورد في الحديث:
“ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون لديه الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب”.
وورد عند أحيقار:
“عين الإنسان لا تشبع من الأموال حتى تمتلئ بالتراب”.
في رمزية الرقم سبعة:
نعود إلى الحكماء السبعة ونسأل: لماذا كان عددهم سبعة ولم يكن ستة أو ثمانية أو غير ذلك؟ في الحقيقة كان للرقم سبعة قيمة رمزية في ثقافة الشرق القديم كما في بقية الثقافات، وهو يُعبر عن الملء والتمام والكمال. فعدد أيام الأسبوع سبعة، وكل طور من أطوار القمر سبعة أيام، و7×4=28 وهو عدد أيام الشهر، وجمع الأرقام من 1 إلى سبعة يعطينا الرقم 28 أيضاً: 1+2+3+4+5+6+7=28. وعدد الكواكب السيارة كما عرفها القدماء سبعة، والاتجاهات الأربعة الرئيسة والفرعية في المكان سبعة بما فيها نقطة المركز. وعدد نجوم كوكبة الدب الأكبر سبعة، وهي التي اعتُبرت في بعض المنظومات الرمزية بمثابة المعادل الكوكبي للحكماء السبعة. وعدد ألوان قوس قزح سبعة، وبما أن القائمة تطول فإننا سنركز فيما يلي وباختصار لا بد منه على رمزية الرقم في الأديان الإبراهيمية.
ففي كتاب التوراة نجد أن عدد أيام الخلق والتكوين بما فيها يوم الراحة سبعة. وشمعدان الهيكل الكبير الذي يرمز إلى العقيدة اليهودية ذو سبعة شُعب. وهنالك سبع طبقات من الملائكة تقيم في سماوات سبع. والملك سليمان بنى الهيكل في سبع سنوات، واليوم السابع من كل سنة سابعة هو يوم الراحة للزمن، فيه يحرر العبيد وتُلغى الديون المستحقة. والجنرال الدمشقي نعمان الذي أُصيب بالبرص نزل وغطس في نهر الأردن سبع مرات، بناء على توجيه النبي أليشع فشفي. ومن جميع البهائم الطاهرة حمل نوح معه في الفلك سبعة أزواج ذكراً وأنثى، وبعد ذلك أمطر الرب على الأرض مدة سبعة أيام. وفي حلم الفرعون الذي فسّره يوسف سبع سنابل طالعة في ساق واحد سمينة وحسنة، ووراءها سبع سنابل رقيقة وملفوحة بالريح الشرقية. يلي ذلك سبع سنوات من الوفرة وسبع سنوات عجاف. وعندما حاصر العبرانيون مدينة أريحا بعد أن عبروا الأردن، أمر الرب قائدهم يشوع بن نون أن يجرد سبعة كهنة حاملين سبعة أبواق ليدوروا حول سور المدينة سبع مرات وهم ينفخون بالأبواق في سبعة أيام، لتسقط أسوار المدينة في اليوم السابع من تلقاء ذاتها.
وفي كتاب العهد الجديد المسيحي يرد الرقم سبعة في كل صفحة تقريباً من سفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب السبعة والعشرين، وهو عبارة عن حلم رآه يوحنا اللاهوتي عن أحداث اليوم الأخير، يتألف من لوحات سريالية متتابعة أُقدم فيما يلي بعضها:
“من يوحنا إلى السبع الكنائس التي في آسيا” -1: 4.
“وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالسٌ. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله” -4: 2-5.
“ورأيت عن يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخلٍ ومن ورائه مختوماً بسبعة ختوم” -5: 1.
“ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين” -5: 6.
“هو ذا تنين أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رأسه سبعة تيجان” -12: 3.
“وواحد من الحيوانات الأربعة أعطى الملائكة السبعة سبعة جامات من ذهب مملوءة بغضب الله” -15: 7.
وفي القرآن لدينا سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وسبعة بحور، ولجهنم سبع طبقات وسبعة أبواب، وفاتحة الكتاب تتألف من سبع آيات. والطواف حول الكعبة سبع مرات، والسعي بين الصفا والمروة سبع مرات. وأصحاب الكهف سبعة. و{مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل حبة أنبتت سبع سنابل}. وآخر طقوس الحج رمي الشيطان بسبع حصوات. واختار موسى من قومه سبعين ليصعد بهم إلى الجبل، والاستغفار سبعين مرة، وفي حلم الفرعون سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات. وأتى الله النبي سبعاً من المثاني والقرآن العظيم.
وفي التقاليد الشعبية الكثير مما يمكن قوله في الرقم سبعة، ولكن المجال لا يتسع لها هنا.