لينا مسعود – الناس نيوز
يبدو أن مخاوف الخصوصية تظهر يومياً في الأخبار هذه الأيام، سواء كان ذلك من خلال المراقبة الحكومية للناس، أو من خلال تقديم الناس للمعلومات عن أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كما لو أنه لم يعد لدى أي شخص أي خصوصية بعد الآن. ففي مقابلة أجريت مع الممثل ويل سميث قال: “لقد كنت غبياُ جداً عندما كان عمري 14 عاماً، بسبب عدم وجود تويتر أو فيسبوك، لكنني كنت غبياً في خصوصية”. وجهة نظره شائعة – أن الناس، وخاصة الشباب منهم، يتعرضون لمخاطر اختراق الخصوصية من خلال استخدامهم للتقانات، حيث يتم توفير المعلومات الخاصة بهم عن عمد أو عن غير عمد، وتخزينها وتتبعها وبيعها للمشترين للاستخدام القانوني وأحياناً غير القانوني. وعلى الرغم من وجود العديد من القصص حول مخاوف الخصوصية، لا يبدو لي أن عامة الناس يشعرون بالقلق، أو ربما يكونون غير مدركين للقلق. هل هذه مشكلة لا تقلق حقًا؟ أم أن عدم الاهتمام يجعل هذه المشكلة تخرج عن السيطرة؟
التقانة تقتل الخصوصية
الخصوصية في سياق التقانة هي “الوصول المقيد والتحكم المحدود”، حيث يسمح لبعض الأشخاص بالوصول للمعلومات والبعض الآخر لا يسمح لهم بذلك، ويمكن من خلال بعض الإعدادات السيطرة المحدودة على البيانات الشخصية لتقييد هذا الوصول.
كل هذا يمكن أن يصبح مشكلة عندما يتعلق الأمر بالمراقبة الحكومية لأنه ليس من الممكن دائماً تجنب غزو الخصوصية. على سبيل المثال بعد هجمات 11 سبتمبر أُقر قانون باتريوت الذي يمنح الحكومة سلطات واسعة لإجراء المراقبة الإلكترونية عبر الإنترنت. كان لدى الحكومة صلاحية البحث في كل شيء على الإنترنت في إطار هذا القانون. الطريقة الوحيدة لتجنب المراقبة الحكومية هي عدم استخدام الاتصالات الإلكترونية على الإطلاق، وتحمل تكاليف وتبعات ذلك؛ أو قبول حقيقة أن الأشياء التي تقوم بها على الإنترنت والمحادثات التي تجريها على الهاتف يمكن تتبعها.
وفي أستراليا، وبعد تفشي وباء كورونا، طورت الحكومة، تطبيقاً على الموبايل لرصد موقع الأشخاص وتحركاتهم لتعقب انتشار الوباء. أثار هذا الموضوع مخاوف الأستراليين وأعتبره الكثيرون انتهاكاً للخصوصية، لذلك جعلت الحكومة تحميله موضوعاً اختيارياً وطمأنتهم أنها ستقوم بتخزين البيانات بشكل آمن وستحرص على سرية هوية المستخدم.
إن عدم استخدام الإنترنت أمر غير وارد بالنسبة لمعظم الناس، وخاصة الشباب. إنهم يقبلون بمراقبتهم، مدعين أنه ليس لديهم ما يخفونه، ولا يدركون قيمة معلوماتهم الشخصية، ومزايا التقانات الحديثة الكبيرة جداً، لدرجة أن تكلفة فقدان الخصوصية يجب أن تكون فلكية حتى يتوقفوا عن استخدامها. وفي المقلب الآخر هناك مزودو خدمات التواصل، وهدفهم الأول هو استقطاب المشتركين لديهم، ولهذه الغاية طوروا من أدواتهم بحيث جعلوا اختراق الخصوصية صعباَ حتى عليهم، فمواقعهم وتطبيقاتهم تستخدم قواعد آمنة، ومنذ ثلاثة أعوام، ولحماية المحادثات، طوروا التشفير من طرف إلى طرف، أي أن رسائل ومحادثات المشتركين تُشفر بمفاتيح خاصة بالمتحادثين، مما يجعل من الصعب جداً أو المستحيل – على حد زعمهم – تتبع أو مراقبة المحادثات حتى على المزودين أنفسهم.
وقد ازداد استخدام الأجهزة النقالة، وبالتالي أصبح بالإمكان تتبع الموقع، إضافة إلى الخدمات التي يستخدمها الناس، وتحتاج التعرف على الموقع خاصة بعد تطور الخدمات حتى تلك التي تقدم من قبل الحكومات مثل الحكومة الإلكترونية والمدن الذكية. ونشط استخدام السحابات لتخزين البيانات، أي أن بيانات المشتركين لم تعد على وسائطهم الخاصة. إن استخدام هذه المعلومات المناسب وغير المناسب بات يؤرق ويزيد من المخاوف.
ما هي المعلومات المستخدمة؟
إذا تم تقديم خدمة مجانًا، فمن المحتمل أن المشترك هو السلعة. ما تصنعه شركات مثل فيسبوك وغوغل أنها تقبض من المعلنين مقابل نوعين مختلفين من الإعلانات. بعض الإعلانات عبارة عن إعلانات شاملة لها فرصة متساوية في أن يراها الجميع، وبعضها إعلانات مستهدفة. يبحث فيسبوك مثلاً من خلال حالات الإعجاب وحالات المستخدمين والمشاركات، لتوجيه الإعلانات للأشخاص الذين يُرجح أن يشتروا المنتجات المُعلن عنها.
وتقوم غوغل بالشيء نفسه بالمعلومات التي جمعتها عن المستخدمين، ففي كل مرة يتم فيها البحث عن كلمة ما في غوغل سيتم تتبع عمليات البحث الخاصة بحيث يمكن عرض الإعلانات ذات الصلة بالمستخدم. ويتم بيع المعلومات التي تجمعها هذه التطبيقات عن مستخدميها إلى الشركات التي ترغب في الإعلان على منصتها.
تستخدم العديد من الشركات البيانات الملغومة من المستخدمين وتمنحهم مكافآت وهي في الغالب نسبة صغيرة من مشترياتهم. الشركات على استعداد للقيام بذلك لأن المعلومات المكتسبة من هذه البرامج هي أكثر قيمة بكثير من المبلغ الذي يذهب إلى العملاء، عندما يقوم العملاء بالتسجيل في هذه البرامج، يتعين عليهم ملء الاسم والعمر والجنس والبريد الإلكتروني والمعلومات الخاصة الأخرى ثم تربط الشركة هذه المعلومات بمشتريات العملاء.
هل يجب أن نكون قلقين؟
إن الزيادة في جمع المعلومات، بمعرفة أو بدون معرفة وموافقة الأشخاص الذين يتم جمع معلوماتهم، هي بالتأكيد سبب للقلق. مع ذلك، فإن التركيبة السكانية المختلفة للأشخاص لديها مستويات مختلفة من القلق. حيث يقل احتمال قلق الأشخاص الأصغر سناً بشأن خصوصية الإنترنت عن نظرائهم الأكبر سناً. وتتمثل مشكلة جمع بيانات المستخدم في خطر سوء الاستخدام، على سبيل المثال، تقوم شركات التأمين بالتنقيب عن بيانات العملاء للبحث عن المخاطر الصحية المحتملة، وقد اتُهمت بتغيير كلفة التأمين للعملاء بناءً على البيانات التي استخرجوها، إضافة إلى خطورة وحساسية الكشف عن المخاطر الصحية الخاصة بهم. ومن إحدى القصص الطريفة أن شركة التأمين الأمريكية “تارجت” اكتشفوا حمل فتاة مراهقة فأرسلوا تهنئة إلى منزلها بعد أن لاحظت أنها اشترت مؤخراً حقائب يد ومناديل وحبوب صداع، علماً أن هذا الاستنتاج كان خاطئاً. في النهاية حقيقة أن الشركات تجني الأموال من معلوماتك الشخصية، وأن هناك قيوداً قليلة جداً على ما يمكنها فعله بهذه المعلومات، يجب أن تكون مقلقة للغاية.
لكن وفي الوقت نفسه، قد نجد أن بعض الأشخاص تشجعوا على مشاركة معلوماتهم الشخصية، ويرغبون بذلك للاستفادة مما يمكن أن تقدم لهم هذه التقانات، فعلى سبيل المثال عند تسوق الكتب عبر موقع أمازون، سيحتفظ ببيانات المشترك ويقوم لاحقاً باقتراح مجموعة من الكتب التي تنسجم مع اهتماماته وبحثه. لكن الاستعداد للتضحية طوعيا بالخصوصية تفترض أن من يقوم بجمع المعلومات يتصف بالشفافية والصدق فيما يتعلق بالمعلومات التي يتم جمعها وكيفية استخدامها، وهذا لا ينطبق على معظم مقدمي خدمات التواصل عبر الإنترنت.
قانون ولكن!
هذه الشركات تكسب المال عن طريق بيع بيانات المستخدمين، ويقوم العديد منها بأشياء غير أخلاقية (أو لديها القدرة على القيام بأشياء غير أخلاقية). وقد يوافق المشترك على هذه الإجراءات من خلال بنود مخفية في اتفاقيات الاستخدام الطويلة التي لا يقرأها أي مستخدم عادي، وبالتالي يتنازل عن خصوصيته دون أن يعلم.
لنتذكر فضيحة بيانات فيسبوك-كامبريدج أناليتيكا وهي فضيحة سياسيّة كُبرى تفجّرت في أوائل عام 2018 عندما تم الكشف عن أنّ شركة كامبريدج أناليتيكا قد جمعت بيانات شخصية حولَ 87 مليون شخص على موقع فيسبوك من دون موافقتهم قبل أن تستخدمها لأغراض الدعاية السياسية والتي ساهمت إلى حد كبير في وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وُصفت الفضيحة من قِبل الكثيرين على أنها لحظة فاصلة في الفهم العام للبيانات الشخصية. ورغم اعتذار مارك مدير الشركة، وتغريمها بخمسة مليارات دولار بسبب انتهاك خصوصية ملايين من مستخدميها ففدعارضَ مسؤولون آخرون في فيسبوك وصفَ الفضيحة بأنها خرقٌ للبيانات بحجّة أنّ المستخدمين قد وافقوا على التخلي عن معلوماتهم.
لقد ركزت القوانين على دور وحق الحكومات في التفتيش في التجهيزات والشبكات الحاسوبية، ومنها الإنترنت طبعاً، للبحث عن الأدلة الجنائية الرقمية، أكثر مما ركزت على حماية الناس. إضافة أن التقانات تتطور بشكل سريع ولا يمكن للقوانين مواكبتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنترنت. ومن الصعب منع الشركات من فعل أي شيء نظراً لوجود عدد قليل من القوانين، إن وجدت، لمنع جمع بيانات المستخدمين وبيعها.
ما الحل إذاً؟
تتمثل مشكلة الخصوصية بأكملها في مدى سرعة تحرك التقانات مقارنة برد فعل أي شخص أو مجتمع عليها. ونادراً ما يبقى المستخدمون على اطلاع على أحدث التقانات وغالباً لا يدركون مقدار المعلومات التي يتم تتبعها.
ولا يمكن أن تكتفي بحمايات القوانين لأنها يمكن أن تستغرق سنوات لتمريرها. في حين أن الشركات قد تحاول إخفاء مقدار المعلومات التي تأخذها، إلا أن اليقظة المستمرة يمكن أن تساعدك في حماية معلوماتك الشخصية من أولئك الذين يسعون إلى الاستفادة منها. في بعض الحالات، قد يعني هذا أنه لكي تكون آمناً، قد لا تتمكن من استخدام أفضل التقانات الجديدة. تحتاج كفرد إلى امتلاك معلوماتك الشخصية واتخاذ قرار واعٍ بشأن ما ستشاركه ومع من ستشاركه. إذا قمت بذلك، فأنت تتداول معلوماتك بدلاً من مجرد تسليمها.