صدرت حديثا رواية للكاتب والصحفي السوري إبراهيم الجبين بعنوان “الخميادو” ضمن أبرز الكتب المتوقع أن تثير جدلا في العام الجديد، لما تحويه من فتح صفحات حول قضايا تربط الماضي بالحاضر. وتعد مغامرة أدبية من طراز خاص في السرد والمضمون الروائي.
واستحضر الكاتب روايته الجديدة رغبة العرب الأندلسيين في الحفاظ على ثقافتهم من خلال الشيفرات التي ضمنوها لغة كانت محظورة، بعد أن بات ممنوعاً عليهم استخدام لغتهم العربية، في ذلك الزمن من قبل الإسبان الذين أقاموا لهم محاكم التفتيش وحملات الإبادة التي تبرّر مرور الراوي على الفيلسوف المعاصر المثير للجدل يوفال نوح هراري وبحثه في الإنسان الـعاقل “سابين” والـ “هومو سابين”، وكذلك تفكير الألمانية حنة أردنت حول الشر وطبيعته وإسقاطه على اللحظة السورية الراهنة.
تنطلق الرواية من مفاتيح لغة سرية لعرب الأندلس، في ظروف مشابهة لتلك التي تعيشها سوريا، منذ عقد من الزمن حيث يُقابل النهوض الحضاري، في عصر الأندلس وفي انتفاضة السوريين الأخيرة بدرجات من العنف، وبعد أن تتنشر الأفكار تعود اللغة وتنكمش إلى أن تتحوّل إلى رموز وإشارات حول اشكاليتي المنتصر والمهزوم.
ويشير المؤلف في الصفحة الأولى لـ”الخميادو” إلى أن الرواية تجري أحداثها في المستقبل، بعد سنوات طويلة من ربيع العام 2011، وتتخذ من دمشق مسرحاً رئيسياً لأحداثها، إلى جانب العديد من الأماكن في المنفى، كوبنهاغن ودبي وتونس وعمّان وباريس والقاهرة وإسطنبول والمدن الألمانية، تلعب على خشبة ذلك المسرح شخصيات حقيقية وأخرى يتداخل فيها الخيال مع الواقع وسط موجات فكرية عصفت وتعصف بالمشهد العربي.
فهناك طبيب فلسطيني سليط اللسان، وراقصة مصرية منسية من أيام الوحدة المصرية السورية تعيش في حي عشوائي على أطراف دمشق، مغنٍ غجري مسحور بفكرة الانتحار، وفريق من الباحثين في تاريخ العمارة منهمك في البحث عن مكان في دمشق القديمة، مكان كانت تدور فيه الصراعات الوحشية في الماضي السحيق.
وحوت سيرة المتطرفين والكثير من الحوادث الدامية، مسيحيون ومسلمون ويهود ولا دينيون، يكملون العمل الأدبي الذي يمكن أن يوصف بالتركيبي أسوة بالأعمال الفنية البصرية، لا سيما أنه يعتمد الفنون منطلقاً للأفكار، من خلال مهنة الراوي؛ صناعة مجسّمات صغيرة لحارات دمشق العتيقة، ومن قراءة سيرة المكان باستحضار الشغوفين به، مثل المهندس عماد الأرمشي والبروفيسور دورينغ وآن ريسينيه وهشام الرفاعي، تدور حوارات بينهم طيلة زمن الرواية المتداخل بين الماضي والمستقبل عما حلّ بالسوريين، أسئلة متلاحقة عن المقدّمات والنتائج ومتوقفة عند التفاصيل والأبطال وصنّاع اللحظة، فيظهر الشيخ أحمد الصياصنة شيخ الجامع العمري بدرعا في لحظة اقتحام الجامع، ثم بعد إعدام ابنه أسامة بدم بارد، ويأتي من الماضي الأبعد المتشدّد السعودي جهيمان العتيبي قائد المجموعة التي احتلّت المسجد الحرام في مكة، حيث الكعبة التي يسمّيها الجبين في الرواية “المكعّب العقل” ومشهد قطع الرأس الرهيب في ذاكرة طفل، قبل أن يظهر بين شخوص الرواية كل من سلامة كيلة وسميح شقير وعبدالباسط الساروت، والمهندس العبقري باسل الصفدي واليوميات التي جمعته بالراوي في مشروع الفكرة والعمارة والثورة والذي تم إعدامه في سجون الأسد.
وبدا الكاتب إبراهيم الجبين في روايته “الخميادو” منفصلاً عن لعبة اللغة الحساسة، فكل تركيب إنساني يأتي من معادلات اللغة، وكل تطوّر في الحدث يستند إلى تغيير في الدلالات.
وحوى الغلاف الأخير للرواية مقطعاً مقتبساً من العمل يعكس جانباً من طبيعة النص الروائي يقول فيه الجبين: “والآن عند عبورك هذه اللحظة، وأنت تقرأ، تكون قد مرّت بك آلاف الكلمات من كتاب “الخميادو” السوري هذا. كتاب اللغة السرية للمهزومين والمنتصرين معاً. كتاب المجرمين والمقتولين. كتاب الملائكة والشياطين. الغابرين والآتين”.
ومن أعمال الجبين السابقة؛ “يوميات يهودي من دمشق” و”عين الشرق” . وجاءت رواية “الخميادو”، لتكمل عقد الكتابة عن الذات. وصدرت له قبل أعوام، ثلاث مجموعات شعرية “البراري” مطلع تسعينيات القرن الماضي، “يعبر اليم” 2003 و “تنفّس هواءها عنّي” 2010 الذي كان آخر الأعمال المنشورة له في دمشق.
تتفرع الطرق في “الخميادو” وتعود إلى دمشق والفرات دوماً، حتى حين تقود خطا الراوي نحو ضريح سورين كيركيغارد في شمال القارة الأوروبية، أو حين تعود به في المستقبل إلى ما تحت سطح الأرض في سوق البزورية العريق بدمشق، حيث المدرّج الروماني الدمشق الذي يطلق عليه الراوي اسم “كولسيوم دمشق”، في تيار نهر العنف المتدفق عبر التاريخ.
وإلى جانب الخرائط العمرانية لدمشق الرومانية، ودوائر “رجم الهري” الغامضة في الجولان السوري، والتي لا تستخدمها الروايات العربية عادةً، لا تغيب الدفقات الشعرية في “الخميادو” في ما يبدو خياراً أعلى للراوي، خيار هامس يختفي ويعود، مشتهى وغير متروك جانباً لدى الجبين.
واستحضر الكاتب روايته الجديدة رغبة العرب الأندلسيين في الحفاظ على ثقافتهم من خلال الشيفرات التي ضمنوها لغة كانت محظورة، بعد أن بات ممنوعاً عليهم استخدام لغتهم العربية، في ذلك الزمن من قبل الإسبان الذين أقاموا لهم محاكم التفتيش وحملات الإبادة التي تبرّر مرور الراوي على الفيلسوف المعاصر المثير للجدل يوفال نوح هراري وبحثه في الإنسان الـعاقل “سابين” والـ “هومو سابين”، وكذلك تفكير الألمانية حنة أردنت حول الشر وطبيعته وإسقاطه على اللحظة السورية الراهنة، وفق بيان الناشر والكاتب ، بمناسبة صدور الرواية .