شمس الحسيني – الناس نيوز:
لا يتعلق الأمر بالأخلاق ولا الدين أو العادات الاجتماعية، فالذي يمتهن الدعارة يصنف بحسب علم النفس بأنه مريض نفسياً، وقد قسم علماء النفس أسباب لجوء البعض إلى هذا السلوك والذي قد يسمى “مهنة”، إلى عدة أقسام، أولها الهوس وهو مرض عقلي يتميز باتباع الإثارة وزيادة الطاقة الجسدية بشكل كبير حتى يعجز الشخص عن إرضاء رغباته، والفصام العقلي وهو مرض يصيب الإرادة والتفكير وتصبح السيطرة على المريض سهلة فيتميز هذا الشخص بتبعيته للآخرين، وأمراض أخرى كثيرة يعانيها الرجل كما تعانيها المرأة فيتحول الرجل إلى قواد أو زبون دائم، وتتحول هي إلى عاهرة.
الدعارة بعد عام 2011:
أما في زمن الثورة، فلم تعد الدعارة محصورة لدى أصحاب الأمراض النفسية، بل صارت بالإكراه غالباً، وتم تنظيمها أكثر من السابق، وأصبح القوادون والسماسرة يصطادون الزبائن ويصطادون الفتيات على حد سواء، ثم يقومون “بإتمام الطبخة”.
ففي عام 2011 كشفت مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة التابعة للنظام، أن حالات الإصابة بمرض الإيدز ازدادت، بظهور 69 مصاباً جديداً، ومن المعروف أن الدعارة هي المسبب الأول لانتقال وانتشار هذا المرض.
وبحسب وزارة الداخلية التابعة للنظام فقد صرحت في عام 2013 أنها ألقت القبض على 80 عصابة تعمل في الدعارة، وأدخلت على إثر ذلك 250 امرأة إلى السجن، ونوهت أن عام 2012 حمل عدداً أقل من المقبوض عليهم حيث تم القبض على 30 عصابة دعارة.
ونقلت جريدة السفير سابقاً عن الوزارة ذاتها أن عام 2013 كان حافلاً بالقبض على عصابات الدعارة والأفراد العاملين فيها أيضاً، ومجمل الذين دخلوا السجن كان 600 حالة، معظمها في دمشق وحلب.
ومن جهته كشف برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” عدد العاملات في الدعارة بعد عام 2012 داخل سوريا ب 25 ألف امرأة، ونوه أن غالبيتهن يعملن في العاصمة دمشق.
القتلة قوادون جدد:
وليس مفاجئاً أبداً أن يصبح القتلة قوادين أيضاً، فالقاتل الذي يخول لنفسه زهق أرواح الناس وإنهاء حياتهم برصاصة رخيصة، أو بطرق أكثر عنفاً تتضمن التعذيب، يستطيع فعل أي شيء مقيت آخر، مهما كانت بشاعته، وهذا الذي حدث فعلاً، بعد أن صارت الدعارة القسرية إحدى خطط النظام لهدم المجتمع السوري.
وانقسمت الدعارة القسرية لعدة أقسام، أولها كانت تلبية لرغبات الضباط في المعتقلات والسجون السرية، حيث تعرضت كثير من المعتقلات إلى الاغتصاب، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أُجبرت بعضهن على تقديم تلك الخدمة للضباط ولآمري السجون، وللجلادين أيضاً الذين اعتادوا أخذ كل شيء عن طريق العنف، الاعترافات والمعلومات ورغباتهم الجسدية القميئة، ولربما كانت نساؤهم وزوجاتهم تُغتصبن من قبلهم أيضاً، فهذا ما اعتادوا فعله، وتعلموا في مدرسة الأسد أنه انتصار على الآخر من خلال إيلامه واجتثاث رغبته بطريقتهم المقززة، وتحولت تلك الفتيات إلى سلعة قابلة للتجارة، للخسارة والربح، ومورد مالي إضافي للضباط، فأصبح الإيراني الشره للجنس يجد مطلبه بسهولة دون الحاجة إلى البحث والسؤال أو زيارة الأماكن التي لا يأتمنون جانبها بشكل عام بسبب المخاوف التي تطاردهم، والقلق الذي يعيشون لأنهم يعلمون تماماً أن هذه الأرض تلفظهم بكل ما فيها، فيطلب حاجته من كلابه التابعين لأوامره ويغدق عليهم بالأموال، فيرسلون له إحدى الفتيات ليتمتع بها ويُفرغ رغبته المختلة، ليتفرغ صباح اليوم التالي لمخطط عسكري جديد واقتحام أكثر فظاعة لمنطقة ما.
ولم يقتصر الأمر على الإيرانيين فقط، بل كانت الفتيات تجهزن لزيارة مزارع الضباط، وقضاء الليل في كابوس أحمر، لا يخلو من رائحة الدماء التي تخرج من جسد القاتل بدل شهوته.
ليس الضرر جسدياً فقط:
وبقي ذلك الكابوس يراود الفتيات حتى بعد خروجهن من المعتقلات، على شكل نفور يحل بأجسادهن كلما أتين على ذكر تلك الحوادث، حتى مع أنفسهن، فإن اللاتي تعرضن للاغتصاب، ثم أجبرن على تقديم أجسادهن مرات عديدة لأولئك الوحوش، أُصبن بحالات نفسية جعلتهن يفقدن تلك الرغبة بشكل نهائي، لأنها ارتبطت بذاكرة مأساوية ليس من السهل أبداً التخلص منها، والعودة لممارسة الحياة بشكل طبيعي.
رغم أن المرأة متهمة عادة، حتى لدى علماء النفس والاجتماع، وليس فقط في المجتمعات الذكوري، بأنها الأكثر رغبة، لكن بطريقة فيزيولوجية مختلفة عن الرجل، وبصفات نفسية تختلف أيضاً عنه، أما من مرت بتلك التجربة فقد كان لا بد أن تنسلخ عن جسدها، وتقاطعه، ليغتسل مع الأيام من قذارة الأيدي الغريبة التي انتهكت خصوصيته بطرق لا تعرف الإنسانية.
إضافة إلى اللعنة الاجتماعية التي حلت على رؤوسهن، ففي هذه البلاد لا تأتي المصائب فرادى، بل تتحمل الفتات مسؤولية اغتصابها، وكأنها هي التي ساهمت به أو سعت إليه، فقد تعرضت الكثير من الفتيات للطرد من منازلهن بعد خروجهن وعودتهن إلى مدنهن، بالإضافة إلى العار الذي لاحق عائلاتهن، وصارت الجريمة منسوبة إليهن بدل أن تُنسب إلى النظام وأزلامه، الذين لا يعرفون من الرجولة شيئاً.
الحاجة المادية والفقر:
والقسم الثاني كان استغلال الحاجة المادية والفقر المدقع الذي سقط السوريون بين أنيابه في غفلة من الزمن، فأصبحت الشبكات الأكثر احترافية وامتداداً تبنى أمام عين الأمن الساهرة على “هتك الأعراض” ومع توصيات خاصة للبعض، فهناك اختلاف بين الفتيات اللاتي يؤخذن من مناطقهن والفتيات النازحات، فقد عانت العائلات النازحة الأمرين في المناطق التي لجؤوا إليها طالبين الأمن لا أكثر، خاصة أنهم غالباً افتقدوا لوجود الرجل في منازلهم، فإما كان شهيداً أو معتقلاً أو غائباً، فاصطدموا بواقع لا يمكن توصيفه ولم يكونوا ليتخيلوا حدوثه في لحظة قرارهم القسري بترك منازلهم والتي هُدمت فيما بعد غالباً، واتجهوا إلى الداخل كي تستمر حياتهم فقط، فكان ينتظرهم الموت بطرق مختلفة، فليس إزهاق الروح وحده الذي يعتبر موتاً، بل إن إكراه الإنسان على بيع نفسه أو جسده يعتبر موتاً بطيئاً، وأشد قسوة من خروج الروح أيضاً.
وباتت طريقة استدراج الفتات تتم بعدة طرق، فإما أن تُخطف على حاجز ما نصبه “الجيش المغوار” بين المدن، وتُساق كالسبايا في الأزمنة الغابرة نحو مصيرها الذي سيقلب حياتها جحيماً، أو تستدرج عن طريق أحد العناصر فيما يُسمى “الدفاع الوطني” والذي يكون عادةً ابن المنطقة وابن الحي ذاته أيضاً، ويعرف القاصي والداني من ساكنيه، فيختار الفريسة بعناية، ويجذبها بدهاء لتعلق في دوامة لا يمكن الخروج منها، أو يستخدمون إحدى الفتيات التي احترفت إحراق جسدها كل ليلة، لتجلب مزيداً من الفتيات.
وصارت شبكات الدعارة منتشرة في المدن السورية بطريقة منظمة ولها ضوابط وقوانين شفهية تحكمها، وتحدد لها سبل العمل، وتزداد اتساعاً كلما اتسعت رقعة الحرب التي يشنها رأس النظام المعتوه على الشعب السوري، وباتت الفتيات تذهبن بأقدامهن دون استدراج من أحد، تبحثن عن إيجار منزل، أو ثمن رغيف الخبز وبضع نقود تكفي لقطعة ثياب تباع في الأسواق التي ازدادت طمعاً يوماً بعد يوم.