فواز حداد – الناس نيوز ::
في بداية الشهر المنصرم، بدا أن الحرب الأوكرانية لن تطول، ستنتهي سريعاً بعدما يحقق بوتين أهدافه، وذلك خلال أيام، بتنصيب حكومة صورية موالية في كييف، أشبه بعملية انقلاب توفر حرباً طويلة الأمد، وكما جرى توقعها ستتم بحركة سريعة يفر على أثرها زيلينسكي من البلاد، ويضع بوتين الغرب أمام الأمر الواقع.
بعد مضي شهر وأكثر، بدا أنها لن تنتهي خلال أيام ولا أشهر، وسوف تبدل إيقاعها، بعد إصابة الجيش الروسي بنكسة كبيرة خسر 15 ألف جندي خلال المعارك، كانت خسارة مروعة إذا قورنت بما يقارب خسارة الاتحاد السوفييتي طيلة 9 سنوات من الحرب في أفغانستان، مع ظاهرة مؤثرة، تمكن مروحيات أوكرانية من اختراق الأجواء الروسية ومهاجمة مواقع داخل روسيا.
أضيف إلى هذا التطور، إغراق الطراد “موسكفا” بصواريخ أوكرانية. بينما لم يتوقف الاقتصاد الروسي عن تلقي الضربات تحت تأثير العقوبات الدولية.
لم يتوقع بوتين عندما شن هجومه ردود الفعل هذه. ما اضطره إلى إعادة حساباته، وتجميع قواته لمرحلة جديدة على أساس تخفيض خسائره، متنازلاً عن الحرب الخاطفة، ولو امتدت إلى حرب كر وفر، الفائدة المتوقعة منها إحداث انشقاق في التحالف الغربي، لكنه غير مضمون، ستكون على المدى الطويل مكلفة للروس أكثر من الأوكرانيين، ما دام هناك من يمدهم بالسلاح، وحماستهم للقتال لم تتراجع.
ومع أن الجهود الدبلوماسية بدت في مجال استعادة نشاطها، لكنها لم تنشط، كانت لمجرد أن هناك محادثات تدور في مكان ما بلا جدوى، على أمل أن يحقق الروس أو الأوكرانيون شيئاً ما على الأرض، ما يدفع طرفاً إلى التفاوض مع تقديم تنازلات جدية.
وكما هو ظاهر ما زال هناك مرحلة لم تستنفد بعد، يأمل فيها بوتين بوضع نهاية مؤقتة للحرب تكون لحسابه، ولو بالتنازل عن طموحاته القصوى، وذلك بتحقيق ما يشكل انتصاراً جزئياً، لئلا تنتهي مغامرته العسكرية بهزيمة منكرة.
تشير الدلائل حسب التوقعات الغربية، أن المرحلة الثانية من العملية العسكرية تنحو إلى التركيز على إقليم الدونباس وشرق أوكرانيا، قد بدأت بالفعل، على أمل إحراز تقدم كاسح على هذه الجبهة، تشكل انتصاراً، يسمح لبوتين بحلول 9 أيار المقبل، ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية عام 1945، في هذه المناسبة يعلن عن تحقيق العملية العسكرية أهدافها، تتوج بوقف إطلاق النار.
العملية المتوقعة لن تكون سهلة، إذ يفترض بالقوات الروسية طرد القوات الأوكرانية الموجودة في المنطقة والمقدر عددها بمئة ألف جندي، أو تطويقهم ومنع خطوط الإمداد عنهم، بذلك تصبح هذه المناطق ساقطة عسكرياً، تستخدم ورقة قوية في المفاوضات في حال استئنافها.
لكن العقدة تبقى قائمة في حال استمرت المساعدات العسكرية الأمريكية التي كما هو ظاهر لن تتوقف، ما يطيل الحرب ومعه استنزاف الجيش الروسي من دون تقدم مجز، وربما بتراجع محتمل.
قد تشكل بداية تحولٍ حقيقي في مجرى العمليات العسكرية نحو الكارثة، فالمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا التي بلغت أكثر من 2.4 مليار دولار في غضون أقل من شهرين، ستشهد زيادة ملحوظة في الفترات القادمة.
لم يكن لهذا المأزق الروسي أن يكون فعالاً، لولا تحالف الديمقراطيات واتخاذها مواقف حازمة ضد الحرب. فعوضاً عن سحب قواتها من أوروبا الشرقية كما طالب بوتين، عمد حلف الناتو إلى مضاعفة وجوده القتالي في المنطقة، وبدأت أكثر من 35 دولة بإرسال شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، أو بزيادة هذه الشحنات. وتراوحت هذه المساعدات من الأسلحة الخفيفة إلى الثقيلة، تضمنت صواريخ ستنغر المضادة للطائرات، وصواريخ جافلين الأميركية المضادة للدبابات.
الحسابات الخاطئة لبوتين تولدت من تعامله مع الغرب خلال العقد الأخير، والتي شهدت تراخياً واضحاً إثر تسجيله أكثر من موقف جرى التغاضي فيه عن تدخلاته، لا سيما في القرم، كذلك مباركة الأمريكان مسارعته إلى سوريا، والتواطؤ معه، وكأنهم يمنحونه حوافز على تدمير حلب.
تورط بوتين، في أوكرانيا، أشبه بكمين، بعدما تصور أن الديمقراطيات في مرحلة لامبالاة، كانوا أكثر اهتماماً بمشاكلهم الاقتصادية الداخلية منها بالتهديدات الخارجية البعيدة عن حدودها، ولم تعد الحروب سوى ذكريات القارة الأوربية التي لا يجب إيقاظها إلا في احتفالات النصر السنوية، والنظر إلى التمدد الروسي على أنه مطامع محدودة تجد حلاً في التوافق على بعض الترتيبات على الحدود مع جيرانه الذين خرجوا من عباءته، ولا يرغبون بالعودة اليها.
هل من المتوقع انسحاب بوتين من الوحل الأوكراني؟ ولم تثبت النتائج حتى الآن أن حصيلة خسائره، أو الكارثة الإنسانية التي سببها من الضحايا المدنيين الأوكرانيين، وتدفق اللاجئين إلى دول الجوار، قد تدفعه إلى الانسحاب، كما ليس من المتوقع أيضاً إسقاطه، فالروس لم يأت عليهم عهد كانت الانقلابات آلية التغيير، ولا وجود للجنة مركزية تتخذ مثل هذا القرار.
كما لا يمكن أن يستقيل، فالطغاة لا يتنازلون عن الحكم مهما ارتكبوا من أخطاء وجرائم وهزائم. وفي ذلك أكثر من دليل، وليس أدل عليه الهزائم الشنيعة للأسود السورية.
لذلك من المستبعد أن يدفع بوتين ثمن ما ارتكبه، خاصة في ظل الشعبية التي تمتع بها قراره بغزو أوكرانيا، وليس من المستغرب، فالسلطات الروسية عمدت منذ شهور عديدة إلى إنكار وجود الأمة الأوكرانية، ولم تصف الغزو بأنه حرب على دولة مستقلة.
كذلك تصريحات المسؤولين الروس من بوتين إلى وزير خارجيته سيرغي لافروف وغيرهما الساخرة من الأنباء التي أشارت إلى أن روسيا تخطط للهجوم على أوكرانيا، في الوقت الذي كانت القوات الروسية تقف على بوابات العاصمة كييف.
ما انعكس على قناعة المواطنين الروس بسلامة مزاعم قادتهم وجيشهم، بينما شاشات الأقنية الفضائية تتناقل صور الدبابات الروسية المحترقة والأسرى الشبان الروس.
أما الكوميديا السوداء فعلاً، فهو حليفه السوري الذي انتهز الفرصة وأدلى برأي استراتيجي، واصفاً الغزو بأنه “تصحيح ضروري للتاريخ وإعادة توازن للعالم. كان قد خسره بعد تفكك الاتحاد السوفيتي”. أعقبه تصريح لمن توصف بالمستشارة الرئاسية خلال مقابلة تلفزيونية، أكدت حتمية الانتصار الروسي، وذلك بأن روسيا هي التي تحاصر الغرب، ما يعني أن الديمقراطيات في مرحلة اختناق، وهزيمتها موضوع وقت.
صحيح أن هذه التصريحات لم تتداول عالمياً، من حسن الحظ، كانت للاستهلاك المحلي، فالموالون يصدقون أي شيء. الحليف السوري لم يكتف بالأقوال، بل تعداها إلى الأفعال، أعطى الإذن بإرسال مرتزقة من ميليشياته بالقتال إلى جانب الروس، كرد للدين الروسي على انقاذ النظام من الشعب.
وإذا كان من دلالة، فقد أصبح للنظام دور في الصراعات الدولية.