بثينة الخليل – الناس نيوز ::
كثيرة هي الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري، لعل أخطرها، جريمة محو ذاكرة السوريين، ومحو ذكر مجموعة من ألمع أبناء وبنات سورية، ليظن كثر إن السوريين مجرد مجموعة بشرية ملحقة بالحاكم، لا قيمة ولا وجود لهم قبله، ولا خارج مكرماته.
فكم من السوريين يعرف اسم السيدة الدمشقية، شامية الهوى “أليس متري قندلفت”، وكم منهم يعرف أنها سبقت كل النساء السوريات والعربيات، والكثير من نساء العالم أجمع، إن صح القول؟
في دمشق، وتحديداً في حي القيمرية، ولدت “أليس” وولادتها مسجلة في الوثائق التركية بتاريخ 1892 درست الابتدائية والإعدادية في المدرسة الأرثوذكسية بدمشق، ثم انتقلت إلى بيروت ودرست الثانوية في الكلية البروتستانتية السورية، التي أصبحت لاحقاً الجامعة الأمريكية ببيروت.
وبعد إنهاء دراستها في بيروت، رشحها الزعيم الوطني السوري عبد الرحمن الشهبندر لمواصلة دراستها في أمريكا.
وفي عام 1920 اجتمع الشهبندر بممثل الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون (عن طريق الدبلوماسي الأميركي تشارليز كرين في أبريل/نيسان العام 1922 بحسب المؤرخ المعاصر الدكتور سامي مبيض).
أما الباحث عيسى درويش فيقول إن الرئيس الأمريكي ويلسون، قدم منحتين للدراسة الجامعية العليا في أمريكا، وأن الزعيم السوري رشح سيدتين سوريتين للمنحتين هما أليس قندلفت ونازك العابد.
ويقول الباحث والمؤرخ السوري الشهير الدكتور مبيّض، إن العابد منع ابنته من السفر إلى اميركا وقال كلمته الشهيرة ” هذه اميركا وليست حمص ”
ويضيف الدكتور مبيض أن والد أليس الأستاذ متري قندلفت، أديب وشاعر وأحد الشخصيات السورية الذين أسسوا مجمع اللغة العربية بدمشق، سمح لابنته بالسفر والتعليم في أميركا، وسافرت قندلفت إلى أمريكا، وأتمت دراستها، ثم عادت لبلدها المحتل من قبل فرنسا، لتنشط في المجالين الأدبي والسياسي.
افتتحت السيدة أليس قندلفت صالوناً ثقافياً واجتماعياً في منزلها العام 1942، وكان يرتاده كبار الشخصيات بينهم الشهبندر وميشيل عفلق، لكنها لم تسهم في تأسيس حزب البعث كما يعتقد البعض.
وكان صالونها السياسي والأدبي، يجتمع فيه كبار السياسيين أمثال فارس الخوري وصلاح الدين البيطار وفخري البارودي.. وأشهر الأدباء والشعراء مثل عمر أبو ريشة ومحمد الأحمد.
وكان مقر الصالون في فندق أمية الكبير بساحة المرجة بدمشق الذي تملكه، آنذاك.
وتم تعيين أليس قندلفت كدبلوماسية في البعثة السورية لدى الأمم المتحدة في نيويورك كموظفة محلية في البعثة، لتكون أول سورية، وأول عربية، ومن أوائل السيدات في العالم، تسهم في نشاط بعثة بلادها في أكبر محفل دولي.
ولأسباب غير مُعلنة ” … ” تم مسح اسمها من سجلات وزارة الخارجية السورية. وتوثق المصادر التاريخية الغربية حضورها لجلساتها، ولقاءاتها مع العديد من الوفود الدولية في نيويورك.
ففي تاريخ 5 يناير/كانون الثاني عام 1945 حضرت أليس قندلفت جلسة الأمم المتحدة الثانية الخاصة بأحوال المرأة حول العالم، وقدمت مداخلة حول أوضاع النساء في العالم العربي عامة، وفي سوريا خاصة.
كما وثقت دفاع السيدة قندلفت في الأمم المتحدة عن استقلال سوريا التام، وإنهاء الانتداب الفرنسي عليها.
وذكرت صحيفة “فلسطين” في عددها الصادر في العاشر من يناير/كانون الثاني عام 1948، أنه حين نددت مندوبة روسيا البيضاء في الأمم المتحدة، بنظام تعليم المرأة في مصر، تصدت لها السيدة أليس قندلفت قائلة: “إني تأثرت كثيراً حينما زرت مصر لما شاهدته من الجهود التي تبذل لتعليم المرأة، ويمكن أن يشبه التعليم في مصر بالتعليم في أوروبا الغربية، ولا أريد أن أقول إننا نشعر بالرضا التام، ولكن الأمور في الشرق الأوسط ليست على قدر ما تزعمه بعض الصحف الأمريكية”.
وأضافت السيدة قندلفت أن الشريعة الإسلامية لا تحول دون تعليم النساء وذكرت آية من القرآن الكريم تثبت ذلك.
وفي عام 1958 بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر، وحل الأحزاب السياسية، انتهت حياة أليس قندلفت السياسية، وغادرت سوريا إلى لبنان.
لكنها ظلت تتردد إلى سوريا لتتابع أمور فندقها الذي جعلته مقراً للنقاشات السياسية التي أثرت في الحياة السياسية السورية إلى أن غادرت الحياة مطلع الستينات في بيروت، ودفنت فيها.
لقد قدمت أليس قندلفت مثالاً متقدماً، وسباقاً، للمرأة التي تنتزع مكانها في العمل السياسي والدبلوماسي والأدبي، عن كفاءة وجدارة، وليس هبة من أحد، ولا واجهة شكلية، ولا بفضل كوتا (حصة) نسائية مستفيدة من إرث أبيها الأديب والوجيه الاجتماعي في دمشق وسوريا متري قندلفت.