ترجمة الناس نيوز :
مقال لجان بيير فيليو ( باللغة الفرنسية ترجمته الناس نيوز ) ، أستاذ التاريخ في معهد باريس للعلوم السياسية ودبلوماسي سابق ، تم النشر يوم 16 آب في مدونته على موقع صحيفة اللوموند الفرنسية
الرئيس عون يُجسّد رفض الإصلاحات التي شجع عليها قصر الإليزيه في لبنان، على الرغم من أنه، وبعد أن كان مهدداً بالموت سنة 1990، وجد ملجأُ في السفارة الفرنسية في بيروت، ثم في باريس، خلال خمسة عشر عاماً.
من النادر أن يستقبل رئيس دولة بهذا الوجه المتجهم رئيساً أجنبياً جاءه لتقديم المساعدة في خضم كارثة وطنية. كانت هذه حال ميشيل عون أثناء استقباله إيمانويل ماكرون بعد مرور أقل من 48 ساعة على الانفجار المزدوج يوم 4 آب والذي قَتل 177 شخصا وترك أكثر من 300 ألف دون مأوى وسط بيروت. الرئيس اللبناني، الذي جرى تحميله المسؤولية عن هذه الكارثة من قبل المتظاهرين، كان من الصعب عليه أن يزور مسرح الانفجار، في حين أن نظيره الفرنسي استقبل بحرارة من قبل الحشود الغاضبة.
بعد عودة ماكرون إلى باريس بقليل، رفض عون الاقتراح الفرنسي بتشكيل لجنة تحقيق دولية، معزّزاً النظرية التي تتحدث عن صاروخ، متهماً به بشكل مبطن إسرائيل. ومن خلال هذا الرفض للشفافية وهذه التلميحات المؤامراتية، حاول الرئيس اللبناني أن يخفي واقعة أنه قد أُعلِمَ يوم 20 تموز الماضي بخطر انفجار مدمّر في المرفأ. وعموماً، يُمثّل رئيس الدولة، خصوصاً منذ استقالة الحكومة يوم 10 آب، الرفض الصارم الملتصق بالطبقة السياسية للإصلاحات التي شجعت عليها باريس. ولفهم مثل هذا الموقف، من المناسب أن نعود الى ثلاثة عقود كانت فيها علاقة عون مع فرنسا مضطربة.
من رئيس لـ “حرب التحرير” ضد سوريا….
أعلن الجنرال ميشيل عون، عندما كان قائداً للجيش، في آذار 1989، حرباً تحريرية ضد سوريا، محارباً تقاسم البلاد بين حكومتين، الأولى بقيادته والثانية تميل إلى دمشق. وقد أجّج هذا الموقف انقساماً في المعسكر المسيحي الذي ينتمي إليه هو كماروني، وأدى هذا إلى نزاع دموي بين أنصاره من جهة والقوات اللبنانية من جهة أخرى. وقد لعب حافظ الأسد، الذي كانت قواته تحتل جزءاً كبيراً من لبنان، ورقة القوات اللبنانية ضد العونيين. وفي خريف 1990، وافق الأسد على الالتحاق بالتحالف الدولي لتحرير الكويت، التي جرى ضمها من قبل العراق، مقابل دعم أميركي لتصفية المقاومة المعادية لسوريا في لبنان. وفي عام 1990 كما في عام 2020، لا تعير الولايات المتحدة الأميركية أي أهمية تذكر إلى لبنان إلا باعتباره ورقة كانت تساوم بها مع العراق سنة 1990 وكما تساوم بها مع إيران ثلاثين عاماً بعدها.
لم تكن هذه حال فرنسا والتي، تحت حكم فرانسوا ميتران سنة 1990، كما بقيادة ماكرون سنة 2020، ترفض أن تتم معاملة لبنان كمتغيّر للمساعدة في حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط. ولم يتردد الرئيس الاشتراكي ميتران سنة 1990 من أن يقارن الاحتلال العراقي للكويت بالاحتلال السوري للبنان، وليعتبر الاثنين بأنهما غير مقبولين البتة. ولكن الضوء الأخضر الذي أتى من البيت الأبيض للأسد حينذاك، سمح للجيش السوري بسحق معقل العونيين في تشرين الأول من عام 1990. وقد استطاع الجنرال المعزول، والذي كانت دمشق تسعى لاقتناصه، أن يجد ملجأً في السفارة الفرنسية في بيروت، حيث مكث عشرة أشهر قبل أن يتم تهريبه إلى فرنسا عبر المخابرات الفرنسية ليقيم في مارسيليا ومن ثم في باريس. وقد أعلن عن إنشاء تنظيمه “التيار الوطني الحر”، الخصم المعلن للقوات اللبنانية ضمن المكوّن المسيحي، انطلاقاً من باريس.
إلى الحليف الوفي لنظام الأسد في لبنان…
عندما عاد عون إلى لبنان في عام 2005، ثابر على الاعتقاد بأنه رجل الخلاص، ولكنه قرر هذه المرة أن يكون لفائدة دمشق، حيث ورث بشار الأسد الجمهورية عن أبيه حافظ منذ خمس سنوات. وفي حين كان مئات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين ينزلون إلى الشارع في إطار “ثورة الأرز”، مما أجبر القوات السورية على الجلاء أخيراً عن البلاد، تحالف عون وتياره الوطني الحر مع حزب الله ضمن جبهة مناصرة لسوريا بشكل لم يسبق له مثيل.
السبعيني الطموح يسافر إلى دمشق سنة 2008 ليعلن ولاءه للأسد. وقد تعزّز هذا التحالف مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث اتهم عون المعارضة السورية بالإرهاب وأيّد تدخل حزب الله في سوريا. وبعد سنوات من المناورات السياسوية، أتيح له سنة 2016 أن يصل إلى موقع رئاسة الجمهورية. وعهد بالتيار الوطني الحر إلى صهره جبران باسيل، وزير الطاقة (2009 ـ 2014)، ومن ثم وزير الخارجية (2014 ـ 2020)، والذي يقدم نفسه كوريث رسمي لرئيس الجمهورية.
لقد صار واضحاً من أن عون يُغذّي عداءً صامتاً ضد فرنسا. ويبدو له مزعجاً بأن فرنسا التي ساندته كما كان عليه سنة 1990، ترفض أن تسانده فيما وصل إليه منذ 2005. لكنه عون هو من تبنى انقلاباً استراتيجياً في موقفه، أما فرنسا، فلقد ظلت وفية لتضامنها التاريخي مع لبنان وشعبه. ومن الأكيد بأن عون ليس هو السياسي اللبناني الوحيد الذي قام بتحول مذهل في موقعه السياسي، ولكن من جسد فكرة معينة عن استقلال لبنان هو اليوم رئيس شكلي لنظام موصوم جماعياً من قبل الشعب. ويُتهم صهره من قبل المحتجين، من بين اتهامات عدة، بأنه نظّم إفلاس شركة كهرباء لبنان لصالح تحالف أصحاب المحركات الموّلدة للكهرباء، والذين يتمكنون من خلال ذلك بفرض إملاءاتهم على المستهلك اللبناني.
وعون الذي يبلغ اليوم من العمر 85 عاماً، لن يسامح دون شك فرنسا لأنها أنقذته منذ ثلاثين عاماً. هذا البغض المتناقض يؤدي إلى تعقيد تحديد آليات الخروج من الأزمة في لبنان، على الرغم من أن الغالبية العظمى من شعبه تصرخ بحاجتها إلى هذا الخلاص.