د.ممدوح حمادة – الناس نيوز :
لم أكن مرتاحاً ابداً، كنت أجلس بحذر على حافة السرير العسكري، منتظراً ما الذي سيسألني عنه المحقق الذي ترك لي هو أو من أرسلهم قصاصة في البيت، طلب مني فيها أن أراجع الفرع رقم كذا بين الساعة العاشرة والثانية عشر صباحاً من يوم غد (أي اليوم)، وبناء عليه حضرت وانتظرت في الممر طويلاً حين نودي على اسمي في الساعة الثالثة تقريباً، فدخلت إلى هنا وجلست كما ذكرت على حافة السرير العسكري بينما المحقق يراجع أوراقاً ما بين يديه، يبدو أنها من ملف قضيتي التي أجهل فحواها حتى الآن، ثم رفع رأسه وألقى علي نظرة متفحصة وطرح علي سؤاله:
– ديمتري فيكتورفيتش.. شو بيشتغل؟
رغم أنني تفاجأت بذكر هذا الاسم على لسان المحقق هنا في الفرع الذي نسيت رقمه، إلا أنني عرفت من هو المقصود فأنا لا أعرف سوى شخص واحد بهذا الاسم، هو صديقي ديمتري فيكتوروفيتش الطبيب الجراح في مستشفى الإسعاف في المدينة التي كنت أعيش فيها في الاتحاد السوفييتي، والذي علمته اللغة العربية ولكي يثبت أنه طالب نجيب، كان يرسل لي كل أسبوع تقريباً رسالة يحرص على أن تكون بالعربية، ولذلك قلت له بدون مواربة لا داعي لها أساسا:
– ديمتري فيكتوروفيتش طبيب جراح؟
– أين يعمل؟
سألني العنصر الذي كنت أجهل رتبته بسبب لباسه المدني، والذي يجلس قبالتي خلف طاولة معدنية ذات طراز قديم فأجتبه بدون مواربة أيضاً:
– في مستشفى الإسعاف.
فرفع رأسه إلى الخلف وشقل حاجبيه وقال بصوت من لسانه بالمختصر المفيد:
– تسسسسئ.
– هذا ما أعرفه.
أكدت له فقال:
– إنه يعمل في المستشفى العسكري.
قال ذلك بنبرة تشكيك في معلوماتي توحي بأنه يتهمني بالكذب، أما أنا فانتبهت أن على الأوراق التي بين يديه والتي يبدو أنها نسخة فوتوكوبي لرسالة من رسائلي احتوت على طرف مظروف بريدي يبدو أنه لجهة العنوان، فقمت بمد رقبتي الى الأمام بحركة آلية محاولا استطلاع ما هو مكتوب على الأوراق، ما دفعه لإبعاد المظروف إلى صدره قائلاً بارتباك:
– نحن لا نفتح الرسائل.. نحن لدينا أجهزة تمكننا من قراءة مضمون الرسالة دون فتحها.
– طمأنتني والله..، قلت له في داخلي، فقد كنت أخشى أنكم تقومون بفض بكارات الرسائل التي تأتي إلينا.
ثم تابعت الاستماع لبقية أسئلته التي كانت عن كل شيء، ولم تكن عن شيء، وبعد أسبوع استملت رسالة من ديمتري فيكتورفيتش يعلمني فيها بأنه قد انتقل من مستشفى الإسعاف إلى المستشفى العسكري.