رومان سكوموروخوف
ترجمة د.علي حافظ – الناس نيوز :
يعتقد غالبية الروس أن دمشق هي أفضل صديق لموسكو، وأن الأسد الابن سيكون مديناً لنا مدى الحياة لإبقائه على العرش.
قدم العسكريون الروس بشكل منهجي ومنتظم تضحيات على مذبح الدولة السورية؛ ومع ذلك – في النتيجة – خلقوا من قطعة أرض غير واضحة حول العاصمة والقاعدة الروسية، دولة خالية من الإرهابيين مرة أخرى، وأنقذوا نظام الأسد فعلياً في آخر لحظة و… وها هو العرفان بالجميل!
نعم، ليس من الأسد نفسه. وإنما “فقط” من مساعد رئيس مجلس الشعب السوري. لكن الحقيقة: السيد النائب خالد العبود، الذي يشغل مثل هذا المنصب المجاني، سمح لنفسه بقذف الشتائم والتهديدات علناً في اتجاهنا، وإعلان روسيا محتلة.
نعم، ليس في بيان رسمي، وليس من المنبر البرلماني، بل من صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”. ومع ذلك، فإن الوقاحة حتى في صفحة “فيسبوك” هي وقاحة!
“لا يستطيع بوتين أن يملي أي شيء على الأسد. لماذا؟ لأن بوتين في حاجة ماسة له… قد يرغب الأسد في سحب البساط من تحت قدمي بوتين في الكرملين نفسه… ماذا لو أعلنا للأمم المتحدة أننا نعتبر الوجود الروسي في سوريا احتلالاً؟! أعزائي، تذكروا أن الاتحاد السوفييتي سقط بعد الهزيمة في أفغانستان.
إذا غضب الأسد من بوتين، فسيرفع شعار محاربة الغزاة الروس ويغطي جبال اللاذقية بعشرات الآلاف من الجنود” (المقال موجود في صفحة خالد العبود الشخصية على موقع “فيسبوك”).
هذا، بالطبع، نقطة خلافية. ماذا أو من منع الأسد “تغطية جبال اللاذقية” بالمقاتلين عندما ضيقوا عليه عملياً في دمشق؟ وأين كان هؤلاء “المقاتلون” عندما احتاج الزعيم إلى مساعدتهم؟
ومع ذلك، الحديث لا يجري حول ذلك على الإطلاق. من الواضح أنه بدون المساعدة الروسية، كان السيد الأسد خلال عدة أشهر سيشارك مصير معمر القذافي في أحسن الأحوال؛ ومصير صدام حسين في أسوأ الأحوال!
السؤال هنا فقط متى وكيف. حقيقة انتهاء زمن الأسد كان واضحاً للجميع، بحيث أصبح التدخل الروسي مفاجئًا للغاية بالنسبة للكثيرين الذين بدأوا رفع شعار “الأسد يجب أن يرحل!”.. هل تذكرون؟ أنا أتذكر؛ ويتذكر العالم كله.
بشكل عام، تم بدء التعبير عن امتنان السلطات السورية.. أنا متأكد من أن الهجوم الأول ستتبعه هجمات أخرى. هناك بعض اليقين بشأن هذا. أي يقين؟ عدم وجود رد فعل كامل على هذا: التلفزيون “لم يلاحظ” مثل هذا السعي الأسدي اللافت جداً، كما قررت وسائل الإعلام المركزية الصمت أيضاً. ماريا زاخاروفا، التي ركلت “الذين أساؤوا لروسيا” لأسباب تافهة وأصغر من هذه بكثير… لم تقل شيئاً أيضاً!
لكن في الوقت نفسه، ما كتبه السيد العبود في بلده لا يمكن وصفه بأنه تافه. هذه وقاحة، وعلاوة على ذلك متغطرسة ومكشوفة تماماً.
في هذه الأثناء، يعتبر خالد العبود في سوريا سياسيًا ذا خبرة كبيرة. مع تجربة، إذا جاز التعبير. لذلك، أولئك الذين يجب أن يهدئوه في سوريا نفسها، يهزون أكتافهم قائلين إنه يملك الحق في التعبير عن رأيه.
نعم، إن الشرق مسألة حساسة للغاية من الناحية السياسية. ومن المعتاد نسج دانتيل الكلمات هناك، وإخفاء الشتائم كمجاملات، والعكس صحيح. ولكن في حالتنا، لا يتم ملاحظة الدانتيل على الإطلاق..
إذاً، استفزاز؟
نعم، هذا ممكن تمامًا. وهذا لأن العبود سياسي مؤيد لإيران؛ وجريء إضافة إلى ذلك. قال بصوت عال منذ فترة طويلة إن دمشق يجب ألا تكون صديقة مقربة لموسكو، بل لطهران!
يجب القول في هذا الصدد إنني أتفق معه تماماً، وأنا شخصياً أفضل موت رجال من الحرس الثوري الإسلامي وليس من الجيش الروسي، في مواجهات الشرق الأوسط.
وحتى في هذه الحالة، فإن الوقاحة والاستفزاز ليست أفضل طريقة للتعبير عن تطلعاتك. علاوة على ذلك، طالب زملاء العبود بحذف الكلمات والاعتذار، لكن النائب رفض… و؟ ولا شيء؛ لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر.. هذا أمر عجيب، لأن أين سوريا وأين حرية التعبير؟ إضافة إلى ذلك، ألقيت الكلمة على أقرب حليف، إذا كان يمكن قول ذلك!
لأنه على الفور يظهر السؤال التالي لدى الأشخاص الذين يفهمون جوهر الوضع: ومن، اعذروني، سمح للعبود بالتصرف هكذا… بتحدٍ؟ ما هي القوى التي تقف وراء هذا السلوك الجريء؟ موقف المرء السياسي شيء، وإهانة الحليف شيء آخر!.
الأسد صامت، وصامتون في موسكو. هل الجميع سعداء بكل شيء؟ عموماً وبطبيعة الحال، لا تتعلق المرونة والصراحة، (والأهم) البصيرة، بالسياسة في الشرق الأوسط. هنا يجدر التذكير بالكثيرين والكثيرين، الذين غرفوا بكلتا اليدين من خزانة الاتحاد السوفييتي الضخمة كل ما هو ضروري: الأسلحة والمعدات.. المهنيين، والمال، والمال، والمال مرة أخرى… وأين النتائج؟
هنا يمكن تذكر حتى الأسد الأب حافظ، وجاره أنور السادات الحاكم المصري؛ الذي نسج رقصة التانغو الأنيقة مع الاتحاد السوفييتي، وعصر كل ما هو ممكن من هذه الرقصات السياسية (الدبابات والطائرات والمستشارين وسد أسوان وما إلى ذلك وفقاً للقائمة).
وضع البلاد أمام مليارات الدولارات من الديون للاتحاد السوفييتي، ثم… ثم تحولت مصر ببساطة إلى الصداقة مع الولايات المتحدة.
بطبيعة الحال، أدرك حافظ الأسد غير الغبي أنه بعد هذه النقرة (السادتية) على أنف الاتحاد السوفييتي، يمكنه أن يختار شريكاً آخر في الشرق الأوسط. وقد لعب البطاقة السورية بمهارة. تلقى الأسد الأب ما يقرب 4 مليارات دولار من الأسلحة وحدها في ذروة الصداقة من 1974 إلى 1978! في الوقت نفسه، قاد الأسد الأب سياسة مستقلة إلى حد ما، مشركاً الاتحاد السوفييتي بانتظام في قصص مختلفة؛ ليست جميلة وممتعة للغاية في كثير من الأحيان.
يجدر التذكير بالحرب عام 1982، التي أطلقتها سوريا في جنوب لبنان، لأنه يعتبر رأس جسر مناسب للحرب مع إسرائيل.. أطلقوا العنان لشيء غير مقيد، لكن الأسد تمكن من التشاجر مع عرفات – الصديق العظيم لموسكو ورئيس الفلسطينيين المضطهدين. وصلت الأمور لدى الفلسطينيين المضطهدين الفقراء إلى حد أخذ رهائن من السفارة السوفييتية في لبنان، ومطالبة موسكو بتهدئة الأسد… وبعد أن أدرك هذا الأخير أنه لا يستطيع فعل أي شيء ضد الجيش الإسرائيلي، طلب أن نرسل له… صحيح، الوحدة العسكرية السوفييتية.
وذهب جيشنا إلى لبنان.
التاريخ يعيد نفسه، في تلك الحرب بلغت خسائرنا 13 قتيلاً ونحو 200 جريح. في الواقع خسر الأسد الحرب بصخب؛ ومع ذلك لم يمنعه هذا من الاستمرار في أن يكون “صديقاً للاتحاد السوفييتي”!
بشكل عام، هذا “الصديق للاتحاد السوفييتي”، و”الصديق لروسيا” في الشرق الأوسط – هو فقط من يريد العيش على حساب طرف آخر بالكامل، ودون إعطاء أي شيء بالمقابل. علاوة على ذلك، فإنهم يقومون بشطب الديون وإعفاء القروض بشكل منهجي ومنتظم لجميع هؤلاء “الأصدقاء” حول العالم.. من المفيد جداً أن تكون غير روسي، وأن تكون مديناً للروس.
لا داعي أن ترجع شيئاً!
إلى جانب السادات، يمكن للمرء أن يتذكر “الأصدقاء” السابقين كحسين والقذافي، الذين عرفوا أيضاً كيف “يكونوا أصدقاء”. ضباط جيش صدام حسين، الذين تعلموا على نفقتنا الخاصة في أكاديمياتنا ومدارسنا العسكرية، يجب اليوم أن يتم دفعهم عبر الرمال السورية. ليس سراً أن نواة تنظيم “داعش” يتكون فقط من حلفائنا السابقين.
بشكل عام لا يوجد شيء مميز. نفس ألعاب الصداقة، نفس الدُمَم العربية. فقط في القرن الماضي، حصل الاتحاد السوفييتي على جبهته، والآن جاء دور روسيا. النتيجة ستكون متشابهة – لا تذهب إلى العرافة؛ فلم يتغير شيء في الشرق الأوسط.
لماذا يجب أن تكون هناك فجأة نتيجة مختلفة؟
الثبات، كما يقولون، هو علامة على الإتقان. ليس من اللطيف جداً إدراك أن الضربة الرنانة التالية بالكف على الجبين ستُسمع قريباً. ستُسمع، بينما سيظل العرب عرباً بمفاهيمهم الغريبة عن الشرف والكرامة والواجب بالمعنى السياسي للكلمة.
كما ذكرت صحافتنا مراراً وتكراراً، فإن روسيا تساعد سوريا بناء على طلب الأخيرة.
رسمياً، عبر المكالمة، إذا جاز التعبير. ولكن بالإضافة إلى توزيع الحصص الغذائية على السكان والحرب ضد معارضي الأسد، فإننا في الواقع نبقيه على العرش. على الحراب. ومع ذلك، نحن لا نفعل ذلك فقط. نفس البريطانيين والأمريكيين لا يفعلون ذلك. يمكنهم، كما تعلمون، السماح بذلك.
حل الأسد الابن مشاكله بشكل مثالي على حسابنا. وتم إبعاد جيش الأعداء وتعرض للضرب (ثلاث مرات دمر بالفعل رسميًا)، وهدأت أيضاً صرخات “الأسد يجب أن يرحل!” تحت النوافذ حتى الآن… وبطبيعة الحال، سيستمر بشار الأسد في كونه “من الأصدقاء”، حيث يستقبل منا الطائرات، وصواريخ S-300 وS-400، والدبابات، وما إلى ذلك. والمال من أجل “استعادة الاقتصاد الذي دمرته الحرب”، والمتخصصين…
العالم اليوم يختلف قليلاً عما كان في عهد والده. وعلى الأرجح سيكون عليك دفع الفواتير!.
كانت هناك أيضاً معاهدات سرية للغاية، والتي بموجبها تدافع روسيا عن الأسد بكل معنى الكلمة وعلى جميع المنصات، لكن الأسد…؟!
أنا متأكد، بمجرد ما يفي الأسد بالتزاماته، سيجري ببساطة إعادة بيعه. هناك الأمريكيون والإيرانيون والصينيون… الشيء الرئيس هو من سيكون قادراً على حمايته وإطعامه أكثر. هذا يعتمد على كيفية تطور وضع السياسة الخارجية.
على ما يبدو، ليس في رأسي مثل هذه الأفكار فحسب.. على ما يبدو في التقارير والتقارير المقابلة على الجداول. هناك… في وزارة الخارجية وليس فقط.
بهذا بالذات يمكنني أن أشرح بسهولة لماذا هذا الصمت.. استفزاز. لقد كان بالتأكيد استفزازاً بأسلوب جيرينوفسكي خاصتنا.
من الممكن أن تكون الإجابة على السؤال أعلاه “من سمح؟” بسيط إلى حد غير ممكن: بشار الأسد.
نعم، من المريح للغاية، كما تعلمون، أن تُستفز مثل هذا الاستفزاز من قبل كلام الآخرين. دع النائب المؤيد لإيران يقول ما يبدو أنه يفكر به، لكن الأسد في الحقيقة هو من يفكر بهذا.
سيفهمون الخلفية الشرقية الماكرة في موسكو – حسناً. لن يفهموا – لا شيء أيضاً. في هذه الحالة، ستطلب موسكو ببساطة اعتذاراً على مستوى زاخاروفا. ومن ثم يمكن للأسد أن يلعب، دون أن يعتذر، ويأخذ دور المهان والمذلول في المسرحية، ويندفع على الفور إلى البكاء في أحضان إيران، وهناك سيستقبلونه…
يبدو أنهم قد فهموا كل شيء بشكل صحيح في موسكو، وبالتالي فهم صامتون. يفكرون ما يجب القيام به بعد ذلك مع الأسد. يبدو أن مواعيد سداد دفعة للحصول على قروض سياسية وعسكرية اقتربت. وهذه ليست سوى بداية لعبة بوكر شرق أوسطية جديدة.
على الرغم من أن قصة “الصداقة” الكاملة بين الاتحاد السوفييتي والدول العربية يمكن وصفها بأنها قصة كيف تم خيانة بلادنا علانية لمصالحها الخاصة. ليست جميلة دائماً، وليست دائماً صادقة وليست دائماً جذابة. لكن هذا هو الشرق… الأمر ليس حساساً هكذا… بقدر ما هو شرقي!