ميشيل سيروب – الناس نيوز :
قبل 700 عام من الميلاد، قال النبي إيليا للاوي: لماذا لا يوفر الله المعاناة على الذين يُحبونه؟ لماذا لا يُنقذهم بدلاً من منح أعدائهم العظمة والقوة؟ .
هذا ما نستدل عليه في شهادات هيفاء بيطار ونحن ننتقل من مأساة إلى أخرى كقدر لا خلاص منه لمنع الجريمة والموت اليومي. أبطال القصص مُتمردون ومتمردات خلعوا وخلعن رداء الخوف.
تتردد مفردات القسوة والدمار والقتل والذل في شهادات: أم كفاح وهلال ورُلى وأمير… تبحث تلك الشخصيات عن الكرامة والحرية والعدالة في سوريا التي سعتْ قوتان لاعتقال بريق الأمل في وطن الجمال.
هيفاء بيطار طبيبة العيون السورية ، فهي إلى جانب سعيها مُعالجة البصر، تسعى لإنارة بصيرة أولئك الذين ما زالوا يرون القمر حطاماً وركاماً. من مفارقات القدر،ثمة طبيب عيون في سوريا يحز الرقاب! تتحول الحياة إلى مجرد تحمّل لألٍم لا يُطاق، وكلمة “وحشية” ستبدو شديدة العذوبة واللطف والإنسانية في وطن لم يعد يحتمل أغنية عن الحرية، بل على العكس من ذلك، لقد باتت أغنية “أنا سوري آه يا نيالي” التي صدّع رؤوسنا بها النظام، ممجوجة ومكررة كوجبة فقدت طعمها ولونها.
في قصة”وجهان” يكيل كل طرف أقذع التهم للطرف الآخر، صراع بين الإرهابيين وأبناء الشهداء. مَنْ هو الإرهابي؟ ومَنْ هو الشهيد؟ في بحثها عن القاتل الحقيقي، تكتشف الروائية هيفاء بيطار أن الخاسر الأكبر هم: نحن، أبناء الشعب، وتتساءل: هل كل من حمل السلاح ومات هو شهيد؟ ” كانت نظرتهما إلى بعضهما البعض تعكس ذهولاً متناهياً، ذهولاً يفوق بما لا يُقاس أقسى درجات الألم”.
الروائية هيفاء البيطار ، تُحسب على جيل الروائيين الذين جددوا في تقنيات السرد، فهي من جيل ما بعد حنا مينه وخيري الذهبي وحيدر حيدر. انشغلت الروائية بوصف معاناة المرأة ردحاً طويلاً من الزمن، وكونها أماً وطبيبة وكاتبة تغوص في عوالم الشخصيات النسائية ومعاناتهن من آثام الرجل الشرقي وريث السلطة الأبوية المتمثلة بالزوج والأب والأخ الأكبر.
في “وجوه من سوريا” انعطفت الروائية صوب الهم العام الذي سيقودنا نحو درب الآلام، اعترافات سيقف العالم مشدوهاً من تلك المشاهد. تتخلل الشهادات اعترافات عن الخوف والحزن والخطف والفدية والابتزاز من قبل جهات معروفة، إلى جانب وصف دقيق لبشر مسكونين بالموت في بحيرة من دماء يعوم فيها المواطن أمام العالم المتحضر الشريك بالدم السوري.
في شهادة رُلى تندمج صورة الزوج بصورة النظام، كلاهما واحد، تسعى رُلى للتحرر من قيود الزوج والضابط الفاسد رمز القمع والتعذيب. تتوق رُلى على وقع ثورات الربيع العربي إلى التحرر من قيودها، تنشد العيش الكريم والحرية التي تفتقدها في منزلها الذي تحول بدوره إلى سجن. إنها تجربة امرأة على حافة الحياة، رغبة أكيدة بالتحرر من سطوة الزوج، رُلى لم تعدْ رهينة، لقد تحررتْ على وقع أنغام انتفاضات تونس ومصر وليبيا وهجرها الخوف إلى غير رجعة.
الحرية قدر الشعوب وليس الموت: شهادة رُلى بيان ضد طبائع الاستبداد. وهي أيضاً شهادة هيفاء البيطار من أجل حياة كريمة.
الرجل الصرخة .
أليس من سخرية القدر أن يحمل مواطن اسم أمير في سوريا؟ هذا ما يستنكره صاحب الاسم، ويصل إلى تساؤل غريب: هل أنتَ إنسان يا أمير؟ إنه فراغ الروح والعدم، إنه العبث الذي دفع آلاف الشباب المجندين وغير المجندين على حمل السلاح وامتطاء الدبابات والتحليق بالطائرات، تُرى من المسؤول؟! .
تتحول الحياة إلى مُجرد تراكم رقمي لتعاقب الليل والنهار، ويُصاب الوطن بالاكتئاب ويرتمي مُتحسراً في ظلام الليل. تستخدم البيطار مفردات من عالم الأقبية الرطبة ومن عوالم كافكا لتضعنا في مواجهة الحسرة اليومية التي يعيشها أبطال”وجوه من سوريا”.
في قصة “الرجل الصرخة” تتجسد خسة القاتل بمفردات يعجز المرء تفسيرها إلا في عالم محاكم التفتيش من القرون الوسطى:” وحشٌ يسكن قصراً ويملك كلاب حراسة، شكلهم بشري يحملون بنادق، يأمر بالخطف ويطلب فدية بالملايين والمليارات حسب المخطوف، وحشٌ مطلق الصلاحيات يسكن قصراً يشعُّ بالكهرباء حين تنقطع الكهرباء لساعات طويلة عن المدينة، وحشٌ هرّبَ زوجته وأولادهُ إلى أوربا السافلة الزاعقة بحقوق الشعب السوري، كما يمارس جرائمه وسرقاته بضمير ميت مرتاح”ص130. يدعو الرجل الصرخة الناس إلى قتل الوحش….. يُعانق السماء ويتحول إلى بخور إنها صرخة ستُردد صداها قمم الجبال وسهول القمح.
*هيفاء بيطار: طبيبة عيون من مدينة اللاذقية السورية، روائية وكاتبة. للروائية: امرأة من طابقين، المُطلِّقة، امرأة من هذا العصر، نساء بأقفال، فضاء كالقفص، كومبارس، امرأة في الخمسين، ضجيج الجسد: قصص قصيرة، وللروائية رواية “هوى” تحققت في السينما كفيلم سينمائي على يد المخرجة المبدعة واحة الراهب، مُنع عرض الفيلم في سوريا،”وجوه من سوريا” صادرة عن دار الساقي- بيروت.