ميشيل سيروب – الناس نيوز
قصة حب بين روائي مصري مُبدع، وفنانة مكسيكية ذات حضور عالمي، يتداخل فيها نزوات الشباب وواقع مرير يقف عائقاً أمام ازدهار العلاقة بين ثقافتين مُختلفتين، تهجر الزوجة المكسيكية حبيبها بعد مُعاناة من وطأة المزاج وتقلبات الحياة السياسية في منتصف القرن العشرين. الرواية عن حركة كفاية ونشاط الأحزاب في مصر الأمس واليوم. من الصعب أن تنجح قصة حب في وجه كل تلك التقلبات والعواصف السياسية.
عن مفاعيل ثورة يوليو(1952-1954) الحاضرة لغاية اليوم، ليس في مصر فحسب، بل في عموم الوطن العربي. لقد ارَّخت حركة الضباط الأحرار لإلغاء النظام الملكي ولانتقام الريف من المدينة، وتعطيل الدستور، ومُصادرة الصحافة، وحل الأحزاب، وإعدامات للعمال (خميس والبقري)، ومعاناة السجناء السياسيين سنوات بلا محاكم، واِزدهار المحسوبية والفساد في العهد الجمهوري قياساً للعهد الملكي. بالمقابل تم توزيع الأراضي على الفلاحين وبناء السد العالي، وتم تعبئة الجماهير لطرد الإنكليز. كل تلك الإنجازات والخيبات كانت تُمرر تحت يافطة العداء للغرب الإمبريالي ولمصلحة الطبقات الشعبية! وأصبح هذا النهج نموذجاً! وبانقلاب يوليو، (هل كانت انقلاباً أم ثورة؟) شُيِّعتْ الحياة البرلمانية الوليدة حديثاً في مصر، وهيمنتْ عبادة الفرد والحزب الواحد كمحاكاة للستالينية التي كانت نصيراً لشعوب إفريقيا وآسيا.
في ظل هذه الظرف الساخنة والمعقدة تأخذنا رواية إيمان يحيى إلى مصر، نغوص في تفاصيل قصة الحُب تلك بين طبيب مصري” الروائي يوسف إدريس 1927-1991″ وفتاة مكسيكية، الفنانة المعمارية روث (1927-1969). هل الرواية واقعية أم خيالية؟ الحكايات المتتالية هي إحياء لتلك المرحلة الغنية بدلالاتها والتي تُكرر نفسها بأدوات مُختلفة لكن بذات الأسلوب: نظام شمولي لقتل روح المدينة وإعلاء من شأن العسكر تارة باسم الدين وأخرى باسم الوطن.
عوالم الرواية تنقلنا بين فيينا والمكسيك والقاهرة في ذروة الحرب الباردة بين القطبين. تشهد عاصمة النمسا مؤتمراً عالمياً للسلام عام 1952، تلك المناسبة كانت فرصة للقاء الحضارتين المكسيكية والمصرية للتنديد بالحرب والدعوة للسلام. هل سيُكتب النجاح لروث بالعيش في المدينة التي أحبَّتها؟ تقول روث الفنانة والمعمارية “للمدن وجه، وبدن، ورائحة، القاهرة لها ألف ألف وجه وألف روح” ص130. بالرغم من ذلك التنوع الجميل تبدو إقامة روث في مصر مستحيلة! الرواية روايتان مُتقابلتان كالمرآة: رواية يوسف إدريس* ” البيضاء”. ورواية إيمان يحيى عن الصراع السياسي والعلاقات الاِجتماعية والخلفيات الثقافية لرجال تلك المرحلة. يعترض دييغو ريفييرا(فنان الجداريات العالمي1886-1957) على مشروع زواج ابنته روث من إدريس، كانت مخاوفه تنصب على أن القارتين مُختلفتان والشعبين مُتباعدان، سيُكتب للعاشقين النجاحُ كما كانت تحلم روث لأشهر معدودة فقط وبطريقة درامية تنتهي لاختلاف الثقافتين، وستصطدم العلاقة بالإرث الفرعوني والقبطي والإسلامي والشعبي في مصر، وبحساسية بطل الرواية من المرأة المتحررة وحضورها الجذاب. ثلاثية الحب والسياسة والفن تتناوب في تفاصيل العلاقة الحميمة والمستحيلة بين يوسف إدريس وروث. من أسرار الرواية غير القابلة للتفسير: هل كانت روث حاملا عندما تركتْ إدريس؟ أم أن إدريس أنكر أبوة ابنته، فأصبحت الرواية تحمل بعضاً من جوانب السرد البوليسي؟ حياة الروائي يوسف إدريس حافلة بالأحداث والتناقضات، ناصرَ الثورة ثُمَّ أنكرها ثُمَّ عاد لِأحضانها كمثقف تنويري ومُبدع. أجزمُ بأن ثورة يوليو هي إحدى التواءات التاريخ الصادمة في العصر الحديث، لذا مازالت الناصرية لغاية اليوم من أكبر القضايا الخلافية بين المثقفين العرب. لقد انعكست تلك المرحلة سلباً على الحياة الشخصية للروائي يوسف إدريس، وهو ما أبدع إيمان يحيى بتسليط الضوء على تلك المرحلة.
——————————-
الزوجة المكسيكية رواية صادرة عن دار الشروق في القاهرة. دخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2019 المعروفة باسم(البوكر)
إيمان يحيى روائي ومترجم مصري، له رواية بعنوان “الكتابة بالمشرط” صدرت عام 2013.
*يوسف إدريس: طبيب وروائي مصري معروف، تحولت معظم رواياته لأفلام سينمائية للكاتب أيضاً: الحرام، العيب، العسكري الأسود، وجمهورية فرحات. مازالت رواية “البيضاء” مثار جدل بين المثقفين المصريين بدلالاتها النفسية والثورية، وعن عزوفه عن العمل السياسي بعد اعتقاله وتوقيفه كناشط ثوري. للإمعان بإهانة الأديب الكبير يوسف إدريس، نُشرت الرواية على حلقات في جريدة الجمهورية عام 1960وبزاوية مُهملة.