سلوى زكزك – الناس نيوز ::
أنا أبكي وهي تشتم، لم يكن ما يجري تبادلاً للأدوار، هل كان من واجبي الرد؟ أم التجاهل؟
هل أشتمها أو أنعتها بالسارقة أو أشي بها لصاحب البسطة؟ أم أن أكتفي بالبكاء، البكاء الذي انهمر من عيني تأثراً بما رأيت وخوفاً منها وخوفاً عليها، وخوفاً مما سيلحق بي وأنا الملاصقة لها والشخص الوحيد الذي يرافقها بالوقوف على أطراف البسطة، أنا لا أعرفها، كنت أمر بالصدفة من ذلك المكان، ورأيتها تسرق علبة البسكويت الكبيرة، تحمل حقيبة سوداء كبيرة ومهترئة، وضعت علبة البسكويت خلف الحقيبة وكأنها غطتها بها، وحجبتها عن عيني البائع الذي لم ينتبه لها وكان يتابع الصراخ معلناً عن أسعار بضاعته ومشت.
لم أجرؤ على تنبيه صاحب البسطة فقد تعودنا أن نرى ونسكت تحت شعار: “الله يستر على من يستر”، كما أن سنوات عمرها التي تتجاوز الستين أفقدتني القدرة على اتخاذ هذا القرار، والأهم أننا في زمن صعب جداً، قد نبرر فيه أن تسرق امرأة علبة بسكويت لأطفالها أو لأحفادها، أو ربما لتقايضها بمادة أخرى تحتاجها ولا تستطيع سرقتها، كنت جبانة ومرتبكة والأهم أنني في لحظة حساسة حسمت أمري وقررت بأنها ليست مهمتي، خاصة وأنني أكره هذا الطوفان غير المنضبط للمواد المعروضة على البسطات، طوفان فائض بلا أية مراعاة للجودة أو للوقاية ولا حتى لحركة الأشخاص العابرين، كل شيء بات ضيقاً وضاغطاً وقابلاً للهدر ولفوضى العبث.
وبمجرد سيرها صرخ بها فتى لم أنتبه لوجوده أبداً، كان واضحا أن الفتى مكلف بمراقبة البسطة من السارقين والسارقات، صرخ بها وهو يمشي بخطى سريعة حتى صار ملاصقاً لها وسحب علبة البسكويت من يدها وقال لها: “يا حرامية ما بتستحي ع حالك”؟ زاد تدفق دموعي على وجنتي، وبدأت هي بالشتم، يا لك من ولد كذاب وقليل الأدب قالت له! وأخوه يقول له فتشها، وأنا أواصل بكائي المضطرب، كيف سيقوم فتى بعمر أحفادها بتفتيشها؟ كيف له أن يتطاول عليها ويفتح حقيبتها ويعبث بجيوب المانطو الكالح الذي ترتديه؟
هي تحاول سحب حقيبتها من بين يديه وهو يفتح سحاب الحقيبة، اترك أغراضي يا لص قالت! ولم يرد عليها، واصل مهمته في نبش الحقيبة وأخرج بكرة مطاط كبيرة وكيسين من المصاص وعبوتين من طلاء الأظافر ذات المقاس الصغير، ومصفى شاي دائري وحقيبة يد صغيرة جداً ومرآة..
اقتربت منه وقلت له: هي بعمر جدتك! لكنه أجاب: أنا وأخي نتكفل بمعيشة جدتينا وأبوينا وأخوة سبعة وأختي الأرملة وأطفالها!! رجوته أن يدقق فيما تحتويه حقيبتها وأن يستعيد أغراضه فقط، فقال نحن متعاهدون على أن نستعيد كل مسروقات أصحاب البسطات في هذا الشارع كلما تعرفنا إلى سارق أو سارقة.
حضر بائع البسطة الملاصقة مسرعاً، كان يرتجف قائلا: “نهبونا والله، كل يوم سرقات”. مطالباً بضربها أو بتسليمها للشرطة.
بلعت لساني وعاودت دموعي السيلان، ذاع الخبر وحضر مندوب عن كل بسطة، عاينوا كل ما أخرجه الفتى من حقيبة السيدة واستعادوا أغراضهم، شتمتهم وقالت لم آخذها من بسطاتكم، ولم يردوا بأي جواب، أقسمت بأن ربطة المطاط اشترتها بحر مالها من سوق الحميدية، فأشار الفتى المراقب بأن أحداً لم يستعدها أصلا لأنها خارج قائمة مبيعات بسطات هذا الشارع، بدا واضحاً أنه لكل مكان قانون خاص به، يسنه ويطبقه أصحاب البسطات، قانون يقضي باستعادة كل ما سرق وفقط، لكن إن كان السارق شاباً أو فتى قد ينال جزاءه ضرباً مبرحاً وشتائم تطال أمه وأخته وكل نساء عائلته..
تبعتها بعد أن عاد الجميع لأشغالهم، لكنها شتمتني، وقالت بأنني من وشى بها، بكيت ولم أدافع عن نفسي أبداً، لكنها عاودت شتمي وقالت هل أرضتك فضيحتي؟ صرخت لا والله أنا لم أفتح فمي بحرف، ولم أملك الوقت أصلا لأشي بك، فقد انقض عليك الفتى المراقب فوراً، كان يراقبها ويجهز الفخ لها، لكنها كانت تداري ذعرها بالشتائم، وكأنها تنتقم من خجلها وغضبها وإهانتهم لها بشتمي، كررت قائلة لقد سرقوني! أجل هم من سرقوني، استعادوا علبة البسكويت ويكفي، الأغراض الباقية صارت ملكي أنا ولم ينتبه أصحابها لفقدانها، فلماذا ينادونهم ويعملوا من الحبة قبة؟؟؟ كان مؤلما لها أن يتجمع أصحاب البسطات والعابرون والمارة ليتفرجوا عليها، قالت لي: أن أكثر ما قهرها هو مرور ابن جيرانها في الحي حيث تسكن، وبكت، هنا فقط سالت دموعها ومضت غاضبة، مشت بضع خطوات قليلة، ثم توقفت وأدارت رأسها اتجاهي وقالت لي: الله لا يسامحك!! أنت من وشى بي وشتمتني من جديد، شتيمة كان علي أن أبتعد بسرعة عن المكان وأن أظهر نكراني الشديد لهذه المرأة ولشتيمتها ولحضورها المؤلم والمخزي في هذا المكان الخانق كسجن، كان علي أن أكفكف دموعي وأطأطئ رأسي في الأرض كي لا يتعرف أحد إلي وهي تشير إلي بيدها وتعاود شتمي بصوت عال وتبكي..

