معن حيدر – الناس نيوز ::
مقدمة : بدأ المهندس والإعلامي السوري معن حيدر – معاون وزير الإعلام والمدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ، الأسبق ، كتابة ونشر بعض الحقائق التي عايشها من موقعه ، كي يضع النقاط على حروف الواقع آنذاك ، كعهدة للزمن والشعب والتاريخ … جريدة “الناس نيوز الأسترالية” تنشر بعض هذه المواد التي اختار نشرها تزامنا على صفحته ، مع حق القراء في المشاركة بالرأي والمعلومة .

تسارعت وتيرة الأحداث في درعا، منذ منتصف شهر آذار 2011، عندما قام عدد من أطفالها بكتابة عبارات ضد النظام على جدار مدرستهم، واعتقالهم حتى حدث الاعتصام الشهير حول الجامع العمري واكبنا في هيئة الإذاعة والتلفزيون تلك الأحداث دقيقة بدقيقة من خلال ما يردنا من المركز الإذاعي والتلفزيوني في درعا، ومن وكالة الأنباء سانا، وقد اتصل آنذاك صديق ثقة حوراني أصيل، مثقّف يتمتّع برجاحة العقل والرزانة، وأخبرني أنّه ابتداء من الليلة 22/ 23 آذار 2011 ستنتهي الأمور على خير، ووعدني أنْ يروي لي كل شيء لاحقا كانت درجة تفاؤله عالية.
وكالمعتاد سهرتُ الليل كلّه في مكتبي أتابع ما يردنا من أخبار من درعا
في الصباح وصلنا من الإدارة السياسية للجيش شريط فيديو طلبوا بثه مباشرة مع النص من وكالة سانا، كنت حتى هذه اللحظة متفائلا بنسبة كبيرة، لكن انقلب أملي إلى خيبة كبيرة عندما بث الشريط وفيه تمثيلية سخيفة لمخرج سخيف عن اقتحام المسجد وقتل بعض ((الإرهابيين)) واستسلام الآخرين، وصناديق الأسلحة التي لا يزال الشحم عليها مختومة بختم الجيش السوري وملايين الليرات السورية لا تزال برزمها مغلفة بالنايلون وعليها لصاقات البنك التجاري السوري والشاش الطبي الذي اعتبروه مشفى ميداني.
(ما بعرف ليش هالإرهابيين مفوّتين معهن ع الجامع صناديق الأسلحة بشحمها وكمان المصاري بالنايلون وما استخدموها ولا وزّعوها ع الناس برّات الجامع ليدافعوا عنهم)، يا للسخرية.
في وقت لاحق حاولتُ الاتصال بصديقي فلم يردّ. في المساء جاء إلى مكتبي، وكان وجهه حزينا ينمّ عن انكسار واحباط ممّا تعرّض له من غدر
اصطحبته خارج المكتب ونزلنا نتمشّى أمام المبنى، وهو يروي لي كيف اتصل به محمد حمشو، دون سابق معرفة، وطلب منه اللقاء لأجل حلّ موضوع الجامع العمري بسلام … وقال:
((بعد فشل مساعي أهالي درعا للإفراج عن الأطفال المعتقلين بسبب كتابتهم على جدران مدرستهم عبارات ضد النظام ، خرج أهالي محافظة درعا بالكامل يوم الجمعه 18 آذار في مظاهرة حاشدة
كانت هتافاتهم (الشعب يريد إصلاح النظام)، ظنا منهم أنّ بشار الأسد لا يرضى بما يجري.
كان مطلبهم الوحيد الإفراج عن الأطفال، وإنهاء تكليف المرتشي فيصل كلثوم محافظ درعا. وإنهاء تكليف المجرم عاطف نجيب ومعاقبته، نظرا للعنجهية والعبارات غير الأخلاقية التي وجّهها للوجهاء المطالبين بالإفراج عن الأطفال.
أطلق الأمن النار على المتظاهرين وسقط أوّل شهيدين في ثورة سوريا.
وأثناء تشيعهما، أطلق النار على المشيّعين، فأوقع مزيدا من الشهداء،
وأصاب أكثر من 60 جريحا، تم نقلهم إلى الجامع العمري،
الذي اعتصم حوله حوالي 2500 شخصا، فحاصرتْهم قوات الأمن مهدّدة باستخدام القوّة.
وتبيّن أنّ النظام قرّر حينها إنهاء الاعتصام بمزيد من القوّة، لكنّه عمل على خطيّن متوازيين.
الأول الترغيب والوعود كسبا للوقت
والثاني استقدام قوات ضخمة ونخبويّة بالهليكوبتر الى الملعب البلدي بالمحطة)).
ثمّ تابع: ((ذهبتُ إلى مكتب حمشو، فوجدتُ شخصيّتين معروفتين من درعا
ذكر لنا أنّه مكلّف رسميّا من القائد، ويعني ماهر
وافقنا فورا على التوسّط لإيجاد حلّ سلمي يُرضي جميع الأطراف ويخدم أولا وأخيرا أمن سوريا واستقرارها.
وذكر أنّه سيخصّص لكلّ منا سيارة ومبالغ نصرفها على الوجه الذي نراه مناسبا، بحجّة إعانات للناس.
رفضنا تلك العروض مؤكّدين أنّ هدفنا صون الدم السوري وحماية البلد.
وابتدأنا المهمة، بعد أنْ اطمأنينا إلى الثقة التي لمسناها في حديث حمشو
عملنا يوميا على مدار خمسة أيام، كنّا نتواصل فيها مع الوجهاء ونؤكّد لهم أنّ النظام لا يريد بأبناء المحافظة شرا، وأنّه سيحقّق مطالبهم
لكنْه يرغب بإنهاء الاعتصام حول الجامع العمري أولا، حفظا لماء الوجه وحتى لا يكون مبررا لمناطق أخرى.
رحّب الوجهاء بذلك، وتوصّلنا إلى اتفاق وافق عليه الثوار، ووافق عليه (القائد) بعد أن عرضه عليه حمشو
وكان يقضي:
إرسال أدوية وشاش معقّم لمعالجة الجرحى الموجودين داخل الجامع
إنهاء المعتصمون لتواجدهم حول الجامع، مع ترك بعضهم لمساعدة الجرحى داخل الجامع على أن يبدأ خروجهم في صباح اليوم (22 آذار) حيث يسمح الأمن بدخول عدد من الأشخاص إلى المسجد لصلاة الفجر ويسمح لهم بالخروج ومعهم خمسة من الجرحى وهكذا في كل صلاة
إلى أن يخرجوا كلّهم وتعود الأمور طبيعية)).
وتابع بصوت مخنوق: ((وفي ساعة متأخّرة من يوم 22 آذار ذهب كلّ منّا الي بيته لينام مرتاحا بما استطاع تحقيقه من خطوات لحماية أهله وبلده.
بينما كان الطغاة يستعدّون لتنفيذ جريمة جديدة ، وفي فجر يوم 23 آذار تم قطع الاتصالات والنت والكهرباء عن المحافظة، وبدأتْ قوّات النظام بتنفيذ جريمة جديدة بحق أبناء درعا.
وتمّ اقتحام الجامع العمري وقتل وجرح مزيد من الأشخاص وتدمير الجامع.
وصُوّرتْ المسرحية الهزلية … الأسلحة والأموال والأدوية والشاش الذي تمّ إرساله ليلتها وادعاء أنّ في الجامع مشفى ميداني في محاولة لِإلصاق تهمة الإرهاب بالمعتصمين كنتُ اشاهد تلك المسرحية على التلفزيون صباح اليوم ودموعي تملأ وجهي.
نعم لقد قام النظام بخداعنا))
صمت وتابع:
((اقتحام المسجد العمري كان خطوة فاصلة بين مرحلتين، بعد أنْ أسّستْ لجرائم أكبر من قبل النظام، ومهّدتْ لتوسّع التظاهرات على مساحة سوريا:
يا درعا حنّا معاكي للموت وتواصلتْ على مدار 13 عاما حتى استطاعتْ إسقاط الطاغية وتحقيق الانتصار تمهيدا للبدء بمرحلة جديدة من بناء سورية لجميع أبنائها وقدّمتْ المسوّغ في المرحلة التاليه لحمل السلاح من قبل الثوار)).
وبعد أن صمتَ، ودعته وعدتُ لمكتبي.
إلى اللقاء
