أيمن العاسمي – الناس نيوز ::
من موقع الحرص على المصلحة السورية الوطنية العليا وانطلاقاً من مسؤوليتي لإنجاح نتائج ثورة ناضلت من أجلها 14 عاماً ، مع أهلنا السوريين من كل الأطياف ، وفي لحظة دقيقة يمر بها وطننا ، وبعد سنوات من الحرب وفي ظل تحولات داخلية وخارجية تفرض التعامل بوعي وسرعة مع الملفات الحساسة.
يأتي في مقدّمة هذه الملفات ملف محافظة السويداء ( جنوب العاصمة السورية دمشق نحو 110 كلم ) الذي بات التأخير في معالجته عبئاً سياسياً وأمنياً لا يمكن تجاهله خاصة في ظل المستجدات الأخيرة التي شهدتها المنطقة ، والتي كلفت آلاف الضحايا من كل الأطراف ، وحرق مئات المنازل والمحال التجارية وتهجير عشرات الآلاف من قراهم وبيوتهم ، والتداعيات المحتملة على وحدة سوريا واستقلال قرارها….
قبل هذه التطورات كان الجمود في السويداء مقبولاً نسبياً وسمح للحكومة الحالية بالتركيز على أولويات ملحّة تتعلق بإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحسين الواقع المعيشي والاقتصادي والخدمي.
لكن اليوم تغيّرت المعادلات فالأحداث الأخيرة في الجنوب والمعلومات المتوفرة ، وأنا من أهالي محافظة درعا المجاورة للسويداء بضلوع عناصر من النظام الأسدي البائد في تأجيج التوترات لتفتح الباب أمام محاولات إعادة تدويل الملف السوري مجدداً وتحديداً عبر القرار الأممي 2254 الذي بدأت بعض الأطراف تتحدث عنه مجدداً بصيغته القديمة.
الرئيس أحمد الشرع في أكثر من مناسبة أبدى استعداداً للتعاطي الواقعي مع بعض بنود القرار المذكور انطلاقاً من قناعته بأن المعطيات قد تغيّرت بعد سقوط النظام السابق وأن سوريا اليوم ليست كسوريا ما قبل عام 2011.
لكن ما يُخشى منه الآن هو أن تتحوّل السويداء إلى منصة لإعادة فرض القرار الدولي كاملاً ووفق تفسيرات دولية سابقة لا تراعي الواقع السوري الجديد الذي نشأ بعد التحرير في 8 ديسمبر 2024
بل وقد تستهدف بنية الحكم وما تبقى من “السيادة الوطنية”( على أعتبار أن الجزء الأكبر من القرار الوطني شبه مشلول أو مصادر بفعل القوى والتجاذبات الداخلية والخارجية ) .

تزداد هذه المخاطر تعقيداً عندما نضع في الحسبان هشاشة الوضع في شرق الفرات الذي وجد فيه بعض الحالمين فرصة لفرض أجندتهم وتصاعد نبرة بعض أفراد التيارات السياسية التي قد تصبح معارضة شرسة لاحقاً والتي باتت تنتقد الحكومة علناً لأبسط الأسباب وأعقدها ، بل وتفتح المجال أمام خيارات خارجية بحجّة الإصلاح أو التغيير أو المشاركة في كعكة الحكم وليس فقط الحكومة .
وهنا تبرز أدوار دخول أطراف دولية على خط الأزمة سواء عبر الضغط أو التفاوض أو حتى التوظيف السياسي.
فروسيا رغم دعمها الظاهري والمعلن للحكومة قد تستخدم ملف الجنوب كورقة ضمن ترتيبات إقليمية أوسع.
أما إسرائيل التي تراقب الوضع عن كثب فقد تسعى لاستثمار اضطرابات الجنوب لخلق واقع أمني وسياسي يخدم مصالحها المباشرة سواء عبر زعزعة الاستقرار المنشود أو تكريس واقع فيدرالي .
من هنا فإن التحرك فوراً وبحكمة وتفاهمات وطنية سورية كأولوية مطلقة من قبل كل الأطراف ، نحو حل سياسي – اجتماعي شامل في السويداء يتجاوز المعالجات الأمنية التقليدية ويضع أولوية لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع وبين محافظات الجنوب عموماً فيما بينها .
يجب فتح قنوات حوار سوري سوري جاد مع القوى الفاعلة على الأرض لتحييد الطامحين للمساعدة الخارجية وتأكيد التزام الدولة بالاحتواء لا الإقصاء وبضمان الحقوق دون التفريط بالثوابت.
المشكلة في السويداء ليست أمنية فقط رغم أهمية الأمن الذي لا يمكن انكاره بل لها جذور اجتماعية وسياسية تستحق المعالجة بأدوات سياسية رشيدة.
إن ترك الملف دون حل سريع قد يمنح الخصوم الفرصة لفرض حلول جاهزة على سوريا وقد يُفضي إلى تغييرات تمس جوهر النظام الوليد وتوازناته.
أما التحرك المبكر فهو الضامن لتثبيت الاستقرار ومنع التدخل الخارجي وحماية ما أنجزه السوريون خلال السنوات الماضية “الثورة “من نضال وتضحيات.
أيمن العاسمي – المتحدث السابق باسم وفد المعارضة لمباحثات أستانا .

الأكثر شعبية

سوريا في العقل الأمريكي.. دولة تُدار كي لا تُحسم



