ستوكهولم – الناس نيوز
عندما اجتاح الفيروس التاجي الدول الإسكندنافية، سارعت النرويج والدنمارك لوضع قيود واسعة النطاق على حدودهما لوقف انتشار المرض. ولكن السويد، جارتهما، اتخذت مسارًا مختلفًا تمامًا.
في حين أغلقت الدنمارك والنرويج حدودهما ومطاعمهما ومنحدرات التزلج وأخبرا جميع الطلاب بالبقاء في منازلهم هذا الشهر، أغلقت السويد فقط مدارسها الثانوية وكلياتها، وأبقت مدارسها التمهيدية ومدارسها الابتدائية وحاناتها ومطاعمها وحدودها مفتوحة – ولم تضع أي قيود على منحدرات.
ووفق كاتبين عربيين مقيمين في السويد، ظلت السويد مفتوحة للعمل بينما هاجمت دول أخرى خارج الدول الإسكندنافية تفشي المرض من خلال تدابير مختلفة طموحة في نطاقها ومدى وصولها.
وقال الكاتب السوري منصور المنصور للناس نيوز إن نهج السويد أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تلعب القمار مع وباء كوفيد-19، الذي ليس له علاج أو لقاح، أو ما إذا كان تكتيكها سيُنظر إليه على أنه استراتيجية ذكية لمحاربة آفة تسببت في هدر الملايين من الوظائف ودفعت إلى العالمية عمليات الإغلاق غير المسبوقة في وقت السلم.
تنتهج السويد مسارا مختلفا عن المسار الذي تتبعه أغلب دول العالم. فحتى اليوم، لم تأخذ السويد قرارا بإغلاق الأعمال وإلزام المواطنين السويديين البقاء في بيوتهم.
وتعتقد الحكومة السويدية، كما يقول كاتب سوري مقيم في السويد إن الحكومة تعتقد أن هناك خطرا في فرض إجراءات وقيود صارمة بسرعة كبيرة كما أن هناك خوفا من ألا يمكن المحافظة عليها لفترة كافية إذا تم فرضها مبكرا.
وقال منصور المنصور للناس نيوز، إن الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد وإنما أيضا بالمدى الذي تستطيع فيه إجبار الناس على إجراء تغييرات كبيرة في حياتهم.
ويرى المنصور، وهو كاتب سوري لجأ إلى السويد بعد انتفاضة 2011، أن التحدي هو أن تفرض الإجراء الصحيح في الوقت المناسب.
وبين استطلاع بين ان غالبية السويديين يؤيدون سياسة رئيس الوزراء السويدي. ويرى 80% من السويديين أن آخر خطاب له كان جيدا.
واظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “سيفو” السويدية للاستطلاعات ان 75% من السويديين يثقون بالمؤسسات الرسمية و 90% يثقون بالعلماء والباحثين.
وتقول الحكومة انها تبني قراراتها على رأي الباحثين والعلماء في المجال الطبي.
ورأي 52% من السويديين أن إجراءات الحكومة توازن بين الصحة العامة والاقتصاد. وهناك تباين كبير بين الكبار والشباب وكذلك على مستوى الأحزاب.
ولا تريد الحكومة اتخاذ قرارات صارمة يصعب على الشعب التمسك بها لفترة طويلة. لذلك تتخذ إجراءات تدريجية يتناسب مع تطور انتشار الفيروس ومقدرة الكادر الصحي على الاستمرار.
وهناك اهتمام إعلامي توعوي واسع شارك فيه رئيس الوزراء بكلمة متلفزة، وهي المرة الأولى التي يتوجه فيها رئيس وزراء بكلمة مباشرة للشعب منذ اغتيال وزيرة الخارجية آنّا ليند عام 2003.
ويترافق الاهتمام التوعوي مع بطء أو برود في الإجراءات والتجهيزات العملية المتعلقة بالمشافي وغرف العناية المركزة وترميم النقص الموجود أصلاً في الحالات الاعتيادية.
ورأى الشاعر العربي-السويدي فرج بيرقدار أن السويد متوازنة في تعاطيها مع كورونا .
وأضاف بيرقدار في تصريح خاص للناس نيوز أن “السويديين عموماً يثقون بحكوماتهم وبمنتجاتهم الوطنية.”
وأضاف الشاعر الذي بات يحتل موقع متقدما في المشهد الثقافي السويدي والأوروبي أنه على عكس الدول العربية “في السويد الصورة مقلوبة فالوطني دائماً أغلى والسويديون لا يترددون في اقتنائه مهما بلغ فارق السعر. كيلو اللحمة السويدية ثلاثة أضعاف سعر اللحمة غير السويدية. السوريون المتنورون يعرفون ويقدرون ذلك. أما غير المتنورين فهم في الغالب متذمرون في المراكز الصحية وفي السوبرماركيتات وفي مكاتب العمل أو مكاتب تعويض البطالة. منذ أيام توجه وزير الداخلية بكلمة إلى من هم من أصول غير سويدية يحثهم فيها على التخلّي في هذه الفترة عن عاداتهم وتقاليدهم التي تهتم باجتماع عدد كبير من فروع العائلة، وإذا كان ولا بد فينبغي أن ينتبهوا إلى ضرورة حماية كبار السن وتحييدهم عن تلك اللقاءات الموسعة. في الأيام القليلة الماضية بلغ عدد الوفيات في ستوكهولم 15 أغلبها لسويديين من أصول صومالية.”
ويتفق المنصور مع بيرقدار في الرأي.
ويرى المنصور أن الإجراءات المتخذة تتناسب مع طبيعة الحياة الاجتماعية السويدية.
وقال المنصور إن السوريين هنا لا يختلفون عنهم في سوريا، “لا يثقون بالحكومة لأنهم لم يدركوا انهم في بلد آخر ومجتمع آخر وثقافة أخرى. ما تغير بالنسبة لهم هو المكان فقط. كل شخص يمكن ان تسمع منه الرأي ونقيضه.”
وأضاف أن السوريين يعتقدون أن “كل الحكومات تكذب. لا يثقون بالطب في السويد ولم يدركوا ان هناك مناهج طبية مختلفة، يريدون، عندما يدخلوا على الطبيب ان يخرجوا محملين بالادوية.”
ولكن المنصور يثق بالمجتمع السويدي والمؤسسات الرسمية بنسبة 70 الى 80 %، ويعتقد أن الحكومة سوف تتخذ إجراءات اشد صرامة مع قادم الأيام.
أما فرج بيرقدار فأضاف “بالنسبة لي فإني أرى أن تعامل الحكومة السويدية مع أزمة كورونا متوازن، أعني لا ينطوي على مبالغة ولا ينطوي على إهمال. وإذا أردت رأيي الشخصي بالفيروس، فإن ما حصده ويمكن أن يحصده في العالم من حيوات، لا يعادل ما تحصده ضحايا حوادث السير، ولا ضحايا أنظمة الاستبداد ضد شعوبها ولا ضحايا الحروب الأهلية أو التي بين الدول، وبالطبع لا مقارنة مع حربين عالميتين وربما نحن الآن في معمعان حرب عالمية ثالثة بدون أن ندري.
====