رانس – فرنسا – حاوره مصطفى عباس – الناس نيوز
تكافؤ الفرص في المجتمعات الغربية، التي هاجر إليها مئات آلاف السوريين، جعلت الصعب ممكناً، والنجاح من نصيب كل ساعٍ، أما الجوائز التي يحصل عليها الناجحون في هذا السياق، فما هي إلا رسائل تحفيزية لهم يكملون المسير على هذا الدرب، ولغيرهم من الشباب الذين يستلهمون تجارب هؤلاء الناجحين لاقتفاء أثرهم، لتحقيق النجاح في هذه المجتمعات التي استقبلتهم، وكي يكونوا عناصر فاعلة فيها، فضلاً عن دور هام ينتظرهم في بناء سوريا المستقبل.
عمر الشغري معتقل سابق في سجن صيدنايا بسوريا ركب البحر عام 2016 حتى وصل إلى السويد، ومن هناك بدأ رحلة التحدي… حيث أتقن السويدية والإنكليزية والنرويجية، إضافة إلى لغته الأم العربية. ليبدأ سلسلة من المحاضرات في الجامعات والمراكز الأوروبية للتعريف بالأوضاع اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون في سجون النظام الأسدي، جهوده تكللت بالنجاح والإعجاب، نال مؤخراً جائزة من الملك السويدي، تمنح للذين يتمتعون بصفات قيادية، كالتعاطف والشجاعة والقيم النبيلة. جريدة الناس نيوز الإلكترونية الاسترالية أجرت الحوار الآتي معه .
ماذا يعني لك الفوز بجائزة القيادة من ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف؟ أنا صُنِعت ونشأت في السجون السورية على أيدي معتقلين مثقفين في كافة المجالات، لذلك فإن تكريمي من ملك السويد بجائزة القائد يُعتبر كتكريم واحترام لكل معتقل سياسي، وكل معتقل سابق، ولكل من يعمل لأجل تحرير المعتقلين، كل المعتقلين السياسيين، بغض النظر عن الدولة والمكان الموجودين فيه. وفوزي بالجائزة هو تكريم لوالدتي التي تعبت في تربيتي، وعملت بدأب حتى أخرجتني من السجن. والدي الشهيد كان يريدني أن أكون صاحب مسؤولية وقرار وشخصية قوية وقلب طيب. اليوم أنا حققت جزءاً من أمنيته. أنا فخور جداً، وكأني من خلال هذه الجائزة أقول له “تكرم يا بابا”. والفوز بالجائزة هو رد جميل للسويد التي أعطتني وطناً جديداً وأهلاً جدد، في وقت كنت فيه بأمسّ الحاجة لأهل وبيت.
هذه الجائزة معنوية ومادية ، أين ستنفق المال ؟ بالقسم المادي من الجائزة أريد أن ادعم قضية المعتقلين، كما أريد بالضبط من الناس دعم جهود الناشطين في هذا المجال، كقيصر الذي سرب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب المدنيين في سجون النظام، وغيره من الناشطين والناشطات الذين يرفعون قضايا حقوقية ضد النظام السوري. هؤلاء الناشطون يعيشون ظروفاً صعبة، على صعيد أمنهم الشخصي، ويحتاجون دعمنا. كما أريد أن أجعل بعضاً من مال الجائزة لتصليح أسنان والدتي الرائعة، التي تُسبب لها ألماً في كل كأس ماءٍ تشربه وكل لقمة تأكلها. أنت تحاضر بشكل مستمر في العديد من الجامعات الأمريكية والأوروبية…
ما الرسالة التي تسعى لإيصالها للمجتمع الدولي؟ في محاضراتي أسعى لإيصال فكرة: أن الإنسان يمكنه تحويل الصدمة إلى دافع قوة، تحويل الألم إلى أمل وتفاؤل ، تحويل الضعف إلى قوة، فقط من خلال ابتسامة عريضة رغم الوجع، ومن خلال صديق يقول لك: “أنت ستصبح قائداً عظيماً”رسالتي للمجتمع الدولي: أن التاريخ لا ينسى، والسوريون سيكتبون التاريخ وليس أنتم ولا النظام السوري، فإذا كنتم تريدون البقاء في الصفحات البيضاء فيجب ان تتحركوا، وإلا فستكونون في القسم الأسود من الكتاب، فالشعب السوري صاحب مواهب لا يريد مالاً ولا لجوءاً، إنما يريد الحرية والعدل فقط لا غير.
بدأت محكمة ألمانية محاكمة ضابطين من ضباط النظام الذين ساهموا في جرائم وقتل الشعب السوري هل هي بداية العدالة برأيك ؟ أم أنها العدالة المنقوصة التي تحاسب المجرمين الصغار وتترك الكبار؟طريق العدالة طويل يبدأ بخطوة صغيرة، يجب استخدام المجرمين الصغار كشهود لإسقاط المجرمين الكبار، لأن هؤلاء المجرمين الصغار يمتلكون الأدلة القوية ضد النظام.
عندما خرجت أنت من السجن كنت مصاباً بالسل ، والآن وباء كورونا يغزو العالم ، هل من جهود تقوم بها لإنقاذ المعتقلين من سجون النظام؟ الآن هي فرصة المجتمع الدولي لمساعدة سوريا من خلال استخدام مرض كوفيد-١٩ كفتحة للدخول إلى السجون السورية. وهي فرصة للنظام للإفراج عن المعتقلين بدون الخوف من ظهور آثار التعذيب على أجسادهم لأن انتباه العالم مُركز على الفيروس حاليا. حالياً أعمل بشكل مكثف مع منظمة الطوارىء السورية (syrian Emergency task force) لتسليط الضوء على حالة المعتقلين في حال انتشار فيروس كورونا بالسجون السورية، كما أجريت اتصالات مع وزارة الخارجية الأمريكية لاقتراح بعض الإجراءات والضغوط الممكن اتخاذها ضد النظام من أجل الإفراج عن المعتقلين قبل انتشار الوباء بالسجن. بالإضافة إلى محاولة استغلال أي فرصة ممكنة من خلال المنظمات الدولية لدخول سجون سوريا أو إدخال أدوية للأمراض الكثيرة المنتشرة.
دخل عمر الشغري السجن عام 2012 وهو ابن سبعة عشر عاماً ليقضي فيه ثلاث سنوات، مات فيها العديد من أقربائه وأصدقائه السجناء بين يديه، ورأى الكثير من عمليات التصفية الجسدية. وما كان الشغري ليخرج من هذا الجحيم البشري إلا بعد أن دفعت أمه مبالغ طائلة كرشى لمسؤولي النظام السوري.. خرج مصاباً بمرض السل وفاقداً لأكثر من نصف وزنه، ولكنه لم يفقد الإرادة والتصميم، رغم علمه بعد نيله الحرية أن أباه وإخوته قد تمت تصفيتهم عام 2013 في المجزرة الشهيرة التي ارتكبها النظام في قرية البيضا التي ينحدر الشغري منها في ريف بانياس بمحافظة طرطوس السورية.