واشنطن – الناس نيوز ::
ترفع حكومات كثيرة شعار السيادة الغذائية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، غير أن مفهوم الأمن الغذائي أكثر استجابة من هذا المفهوم الغامض لحاجات الشعوب في الدول التي تواجه أوضاعا صعبة، برأي ديفيد لابورد الباحث في المعهد الدولي للأبحاث حول السياسة الغذائية في واشنطن.
مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وما أثاره من مخاوف من نقص في المنتجات وارتفاع حادّ في أسعار المواد الخام الزراعية، تصدرت السيادة قائمة الأولويات في الكثير من الدول المصدرة، من الهند إلى الأرجنتين.
وأدى ذلك إلى استجابات مختلفة بحسب الدول، تراوحت بين التدابير الحمائية مثل حظر تصدير زيت النخيل في إندونيسيا، إلى قرارات جذرية بقدر ما هي رمزية، مثل معاودة زرع الأراضي البور في الاتحاد الأوروبي.
وأوضح ديفيد لابورد أن “السيادة الغذائية” مفهوم “أصبح شعبيا للغاية” لكنه غالبا ما يكون بمثابة “إعادة صياغة للاكتفاء الذاتي الغذائي”.
واعتبر أن هذا المفهوم الأخير ينطوي على إشكالية لأن “عدم الاستيراد لا يعني أن الشعب يتلقى تغذية جيدة” مشيرا على سبيل المثال إلى أن “بلدا مثل الهند التي تؤكد أنها حققت الاكتفاء الذاتي، تواجه مشكلات سوء تغذية مزمنة”.
– “تدابير حمائية” –
وتساءل الباحث “كم من البلدان في العالم يمكنها القول +أنا قادر على إنتاج كل ما يحتاج إليه شعبي طوال السنة، بكلفة اقتصادية وبيئية منطقية، أي بدون القضاء على احتياطيّ من المياه أو إزالة الأحراش بطريقة عشوائية+؟” معتبرا أن البرازيل وحدها يمكنها ادّعاء ذلك.
وأوضح خبير الاقتصاد أن الخطاب حول السيادة الغذائية الذي يشدد على مسألة التبعية للخارج، غالبا ما ينم عن “شكل من الشعبوية” في حين أنه لا يستجيب مثلا لهدف الصحة الغذائية، مضيفا “يمكننا أن ننعم بالسيادة الغذائية وأن يكون الشعب يعاني من السمنة”.
ورأى من المفارقة أن تخصص دولة مثل فرنسا تعتبر من كبار المنتجين الزراعيين والمستفيد الأول من السياسة الأوروبية المشتركة، “وزارة للسيادة الغذائية” في حين أنها بصورة عامة “سيدة على ما تضعه في أطباق سكانها”.
وحذر بأن التدابير الحمائية التي تتخذ تحت شعار السيادة قد تأتي بنتيجة مضادة. وقال “لن يبدأ مصدرو القمح في الأرجنتين ببيع منتجتهم بأسعار مخفضة لمجرد أن الدولة منعت التصدير، بل سيعمد البعض في السوق المحلية إلى التخزين”.
وأضاف “حين توقفون التصدير، الأكثر تأثرا هم المنتجون الصغار. رأينا في جاكرتا آلاف المنتجين يتظاهرون ضد الحظر على صادرات زيت النخيل. وحين استؤنفت الصادرات، هبطت الاسعار” مؤكدا “هذه التدابير تنحى إلى التضحية بالزراعة”.
– “الأمن الغذائي العالمي” –
في عالم اليوم المترابط، ينطوي “الأمن الغذائي” على “مفهوم واضح … موضع إجماع دولي” أكثر مما هي “السيادة الغذائية”.
ويقوم الأمن الغذائي بحسب التعريف الذي وضعته الأمم المتحدة عام 1996 على أربعة أسس هي “التوافر، أي التثبت من إنتاج ما يكفي من الأغذية، والوصول، أي التثبت من أن الناس لديهم الوسائل الاقتصادية الكافية للحصول عليها، والاستقرار الذي يضمن إمكانية الوصول في أي وقت، ومسألة الاستخدام التي تشمل مفهوم النوعية الغذائية والصحية”.
وتعتمد الدول ذات الأوضاع الهشة على التجارة العالمية لتأمين غذاء سكانها، ومن المتوقع أن تزداد هذه التبعية مع تزايد الصدمات المناخية.
ورأى ديفيد لابورد أن أزمة كوفيد كشفت عن “أداء التجارة الدولية الزراعية” مضيفا “رأينا مبادلات قياسية بين البرازيل والصين رغم أن الناس في شنغهاي كانوا جائعين” لأن العالم كان يواجه أزمة توزيع وليس أزمة عرض.
ومع الحرب في أوكرانيا، طرحت المشكلات ذاتها بالنسبة إلى زيت دوار الشمس في إسبانيا أو الخبز في مصر.
ولفت إلى أن المخاوف في أوروبا تستند إلى حجج فعلية، موضحا أنه “إذا تراجع إنتاج الاتحاد الأوروبي، فستتراجع مساهمته في الأمن الغذائي العالمي”.
وتابع الباحث “لكن إذا دعمتم الزراعة في أوروبا بحيث تبيع لاحقا بأسعار مخفضة في الأسواق العالمية ما سيؤدي إلى تدمير الزراعة في بلدان أخرى، عندها لن تساعدوا هذه البلدان الأخرى على تطوير أمن غذائي”، داعيا إلى الاستثمار في البحث حول الزراعات المحلية.