ميديا – الناس نيوز ::
ملحق سورية الجديدة – سمير سعيفان – ما زال الوضع في سورية يحكمه مبدأ اللايقين، ولا سيّما بعد أحداث الساحل والسويداء التي ما زالت مستمرّة، فعلى المستوى الخارجي، تركيا وإسرائيل والسعودية وقطر والولايات المتحدة وروسيا وإيران كلّها لها سياساتها الفاعلة في الداخل السوري.
وعلى المستوى الداخلي، ثمّة عوامل عديدة تلعب أدوارها في التأثير في توجّهات سورية المستقبلية. ثمة سلطة جديدة تملك مجموعة من نقاط القوة، إلى جانب مجموعة من نقاط الضعف التي تتشابك مع بعضها وتتفاعل مع العوامل الخارجية، بما يؤثر في مسارات تطور الأوضاع الداخلية في سورية في المستقبل القريب.
تبقى العقبة الأكبر العقوبات الأميركية القاسية التي تعوق قدوم الاستثمارات، وتعرقل عمل الاقتصاد على النحو الطبيعي، وتمنع التعافي، وتعوق انطلاق إعادة الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين.
ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستقبل سورية خلال السنوات المقبلة: الرفع المتدرج والمشروط للعقوبات. الرفع الكامل للعقوبات.
عدم رفع العقوبات في المدى المنظور؟
يشكّل قانون قيصر عقدة المنشار في الموقف الأميركي، وهو المفرق الذي سيحدد أين ستتجه سورية، مع الجهود والضغوط المبذولة، ولا سيما الجهود السعودية والتركية والقطرية، إلى جانب جهود السوريين من أجل إلغاء قانون قيصر والتأرجح بين إمكانية إلغائه الكامل أو المشروط أو عدم إلغائه. كل هذا يضع سورية على مفترق طرق.
ضمن هذا الوضع المتشابك، داخلياً وإقليمياً ودولياً، يمكن تصوّر ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستقبل سورية خلال السنوات المقبلة: الرفع المتدرج والمشروط للعقوبات. الرفع الكامل للعقوبات. عدم رفع العقوبات في المدى المنظور … .
الأول هو الذي يُتداول حالياً ويُنشر محتواه، غير أنه ما زال قيد الأخذ والرد، في أوساط الكونغرس والبيت الأبيض. ويتلخّص القانون برفع متدرج للعقوبات، مع فرض مجموعة شروط على السلطة السورية للالتزام بها، وسيُقَدّم تقريرٌ دوري للكونغرس وللرئيس كلّ ستة أشهر، مدة أربع سنوات، يبيّن مدى التزام السلطة السورية بهذه الشروط، مع إمكانية إعادة فرض العقوبات، إذا ما فشلت السلطة السورية في الالتزام بتلك الشروط. وإذا ما تحقق هذا السيناريو، ستظهر آثاره الإيجابية سريعاً على السياسة السورية وعلى الأوضاع الداخلية والخارجية.
على الصعيدين الاقتصادي والإداري.

دخول هذا السيناريو حيّز التنفيذ سيفتح الباب أمام تقديم مساعدات سعودية وقطرية أولاً، ومساعدات تركية إلى حد ما، وستتدفق الاستثمارات السورية والخليجية والتركية أولاً، مع بقاء حذرها بسبب خشيتها من عودة فرض العقوبات، ولكنها ستشكّل قوة ضغط بحد ذاتها على السلطة السورية للالتزام بالاشتراطات، والاستجابة لتدخلات أميركية جزئية كثيرة متوقعة في موضوعات عديدة.
ستشكل المساعدات والقروض والاستثمارات رافعةً لمختلف نواحي الحياة، على المستويين، الرسمي والمدني، ويمكن أن تشهد سورية بناء عدد كبير من المساكن والمجمّعات السكنية والمشاريع الصناعية والزراعية والخدمية، ما يُنتج فرص عمل كثيرة، مع تحسّن الأجور وشروط العمل، وإطلاق برنامج لتنمية الكوادر البشرية لتدارك الضعف الشديد الآن، ويبدأ برنامج إعادة الإعمار ويُعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، ويُطلق مشروع لإعادة النازحين والمقيمين في الخيام واللاجئين، وستزداد موارد الخزينة العامة بشكل كبير، وستتحسّن البنية التحتية مع الخدمات، من صحة وتعليم ونقل وكهرباء وغيرها.
ويتوقع أن تضغط الاستثمارات، بالتضافر مع الرقابتين، الأميركية والأوروبية، على السلطة لتطوير البنية التشريعية والتنظيمية، وتنمية سيادة القانون وتطوير النظام القضائي، ولجم التوجّه ذي الصبغة الدينية المتشدّدة، وسيساعد هذا السيناريو في إضعاف الروح الفصائلية، وفي بناء جيش مهني.
وإذا استمرّت السلطة في توجّهها الاقتصادي الليبرالي، مع تقليص دور الدولة، وتغييب الجانب الاجتماعي، فسيؤدّي هذا إلى انقسام طبقي حاد بين قلّة تغتني وتحصد معظم الفوائد، وغالبية عظمى تحصل على مجرد أجور بدون خدمات الدولة. ومن ثم، سيكون موضوع عدالة التنمية وعدالة توزيع الدخل في قلب الصراع الطبقي في المرحلة المقبلة.

إذا استمرّت السلطة في توجهها الاقتصادي الليبرالي، مع تقليص دور الدولة، وتغييب الجانب الاجتماعي، فسيؤدّي هذا إلى انقسام طبقي حاد
على الصعيد السياسي
سيتطلب هذا السيناريو تشكيل حكومة سورية جديدة، فيها تمثيل أوسع لقوى المجتمع ومكوناته ومناطقه، وستقع السلطة تحت ضغوط من أجل الانفتاح، وتخفيف سياسة “التجانس”، وكبح مساعي البعض لفرض مظاهر التشدد والتدخل في حياة الناس اليومية، وتخفيف الطابع السلفي لاختيار كوادر الدولة، وبذل جهود فعلية لتحقيق الاستقرار وضبط الانتهاكات.
يمكن أن يساعد هذا السيناريو القوى الشعبية والليبرالية والديمقراطية في الضغط على السلطة، لتوسيع الحرّيات العامة السياسية والاجتماعية، وليس الاقتصادية فقط، كما يساعدها في النشاط المنتظم، والتبلور في تنظيمات سياسية. وستقع السلطة تحت ضغط للإفساح أكثر أمام المجتمع المدني لتوسيع نشاطاته، وإفساح قدرٍ أكبر من المشاركة السياسية والشفافية، وإصدار قوانين للأحزاب وللانتخابات وللحرّيات عامة.
وسيتطلّب هذا تعديل الإعلان الدستوري. وذلك كله بتأثير ضغوط مختلفة، سيما ضغوط قضايا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والسويداء والساحل السوري، التي ستستفيد من الشروط الأميركية لتحسين موقعها التفاوضي، وسيسهّل ذلك الوصولَ إلى اتفاق عملي، بين “قسد” ودمشق، يكون حلاَ وسطاً بين مطالب دمشق ومطالب “قسد”.
وسيُطبّق اتفاق عمّان الخاص بالسويداء، الذي منحها نوعاً من الحكم الذاتي أمداً قد يمتد إلى أربع سنوات، مع قيام صراع على تفسير محتواه، وسيفتح الاتفاق مع “قسد” والسويداء ترتيبات مشابهة في الساحل، ويمكن أن يترجم هذا كله بتطوير نظام إداري في سورية يشمل جميع محافظاتها، تحت عنوان “لا مركزية إدارية موسّعة”، يمنح السلطات المحلية المنتخبة ديمقراطياً صلاحيات واسعة مدروسة، تتعلق بإدارة شؤون المنطقة/ المحافظة، وهو أمر مطلوب لكل المحافظات السورية.

وهذا يتطلب حرّيات سياسية وقانون أحزاب. وسينعكس كل هذا تحسّناً في أوضاع الأمن والاستقرار، وفي نوعية الحياة، مع تراجع التوتر المجتمعي، وارتفاع شعبية السلطة الانتقالية التي ستقع تحت ضغوط لتقصير الفترة الانتقالية لتكون ثلاث سنوات، من تاريخ نفاد قانون إلغاء العقوبات، ربما بين 2026 – 2028.
من جانب آخر، قد يؤدّي هذا السيناريو إلى بروز الصراعات داخل السلطة على السطح، بين المتطرفين المصمّمين على إقامة دولة إسلامية وفق تصوّرهم، وهم مجموعة صغيرة معزولة، والواقعيين المتحولين إلى الاعتدال الحريصين على البقاء في السلطة، الذين سيتمتعون حينها بدعم شعبي. وسيؤثر هذا الصراع في مدى التزام السلطة الانتقالية بالشروط التي يفرضها القانون الأميركي المذكور.
من جهة أخرى، ستصبح اللعبة السياسية أكثر تعقيداً، وسيكون وضع السلطة الجديدة أصعب، لأنها ستبقى تحت رقابة أربع سنوات، وستضطر إلى اتخاذ إجراءاتٍ لم تكن ترغب فيها، بقصد نيل الرضا والقبول، وستكون المرحلة مرحلة “شدّ حبال”، بين ثلاثة أطراف: السلطة الانتقالية، والولايات المتحدة، وأوروبا التي تراقب أيضاً.
تبقى خلاصة هذه المرحلة غير مؤكّدة، وهي تحتمل جميع الاحتمالات، حول رؤية الأميركان والأوروبيين وتقييمهم مدى نجاح السلطة الانتقالية في الالتزام بالشروط، وأثر ذلك على طبيعة السلطة ومستقبلها.
إلا أن هذا السيناريو يبقى الأكثر احتمالاً، وهو الذي تتمناه السلطة الحالية، لأن الرفع الكامل غير المشروط غير متاح، وهي تعلم أن بإمكانها التهرّب من اشتراطاتٍ لا ترغب فيها، ولا سيّما أن إعادة فرض العقوبات أمرٌ في غاية الصعوبة، وإن كان القرار ينصّ على ذلك.

سيناريو الرفع الكامل للعقوبات:
فرصة تحقق هذا السيناريو صارت أضعف من السيناريو الأول، وقد لعبت تقييمات سياسات السلطة الجديدة الانتقالية في دمشق دوراً في إضعاف فرص هذا السيناريو، بالرغم من ضغوط السعودية وتركيا وقطر وأوروبا، ولا سيّما أحداث الساحل، ثم أحداث السويداء، وصعوبة التوصّل إلى اتفاق مع “قسد”، وبعض سمات السياسة الداخلية.
وتضيف الإدارة الأميركية سبباً آخر، أن مسؤولين في السلطة الجديدة مصنّفون من الولايات المتحدة في قائمة الإرهاب، إضافة إلى تسمية شخصيات أجنبية في قيادات الجيش في القائمة، ولكن الولايات المتحدة يبدو أنها لن تقف عند هاتين المسألتين.
في حال تحقّق هذا السيناريو، يتوقع تدفق مساعدات خليجية كبيرة لتحقيق الاستقرار في سورية، مع مساعدات أوروبية ودولية محدودة، وأن تحصل سورية على قروض من مصادر دولية، وأن تتدفق استثمارات خليجية وتركية وغيرها، والأهمّ دخول استثمارات سورية. وسيؤدّي دخول الاستثمارات إلى انتظام أداء المؤسسات الحكومية وارتفاع مستواها، وانتظام البنية التشريعية والتنظيمية وتنمية مواردها البشرية.
وتبدأ عملية إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي وخلق فرص عمل كثيرة، وسيكون هناك تحسّن مضطرد في الخدمات ونوعية الحياة، وسيعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار سورية، وتطوير برنامج لعودة اللاجئين والمهجرين، وستزداد أعداد اللاجئين السوريين العائدين إلى سورية.
سيضع رفع العقوبات غير المشروط السلطةَ السوريةَ في وضع مريح وقوي، وستكون أكثر تمسّكاً بالاستمرار في سياساتها الحالية، وستتعامل مع اتفاق عمّان بخصوص السويداء من موقع أقوى، وكذلك مع “قسد”، وستتوجه السلطة إلى تطبيق قانون الإدارة المحلية للعام 2012، فهو يمنح صلاحيات محدّدة للمجالس المحلية، بدلاً من سنّ قانون جديد يمنح المناطق صلاحيات أوسع يقوم على فكرة اللامركزية الإدارية الموسعة.
ويتوقع أن تتمسك السلطة حينها بمركزية القرارين، السياسي والاقتصادي، في القصر الرئاسي، وبتقييد العمل السياسي، وحصره بيد الهيئة السياسية (حزب الدولة).
وسيساعد رفع العقوبات في الانتقال من الفصائلية إلى الجيش النظامي، وتنجح السلطة في حصر السلاح بيد مؤسّساتها، ويبدأ التحضير لإنتاج دستور دائم بنظام رئاسي، يكرّس استمرار السلطة الحالية، ويتوقّع أن تبدأ السلطة بالتضييق على حرية النقد السياسي، وتبقيه عالياً في ما يتعلق بنقد الاقتصاد والإدارة.
ويتوقع ألّا تضغط الدولة على نشاطات تنمية مظاهر الأسلمة في سورية، وقد تنشأ احتكاكاتٌ مجتمعيةٌ تُسرع الدولة لضبطها. ويتوقع حينها أن تبدأ نشاطات معارضة للدولة، بأشكال مختلفة، مطالبة بالمشاركة السياسية وبنظام تعددي ديمقراطي يقوم على الحرّيات العامة وقيم المواطنية المتساوية.
وقد يدفع نموّ حالة فرض مظاهر التشدد المجتمعي، تحت مسميات دينية، أعداداً كبيرة من السوريين نحو الهجرة الى الخارج. ويمكن اخذ ذلك بمثابة تذكير لاتخاذ إجراءات لمنع حدوثه.
قد تسهم المساعدات الإغاثية من السعودية وقطر، ومن تركيا إلى حد ما، في تحقيق تحسّن محدود، لكنها لن تكون كافية لإحداث فرق كبير
سيناريو عدم رفع العقوبات في المدى المنظور.
يبدو أنه أبعد السيناريوهات احتمالاً، وقد يتحقق رغم حماس الرئيس الأميركي ترامب لرفع العقوبات، حين تفشل كل جهود الضغط على الكونغرس للموافقة على رفع العقوبات، وفي الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني) تنتهي فترة تجميدها (ستة شهور) التي قرّرها الرئيس ترامب، فتعود العقوبات ثانية.
وحتى في حال تمديد التجميد ستة أشهر أخرى، لن يكون أثرها أكثر إيجابية من التجميد الحالي، إذ لم يؤدِ إلى تحسّن يُذكر في الأوضاع المعيشية أو الاجتماعية أو السياسية، ولم تأتِ أي استثمارات ذات قيمة إلى سورية، وبالرغم من تأسيس شركاتٍ كثيرة برؤوس أموال صغيرة، لن يتحقق تحسّن ملموس في فرص العمل وفي الخدمات وفي نوعية الحياة. وقد تسهم المساعدات الإغاثية من السعودية وقطر، ومن تركيا إلى حد ما، في تحقيق تحسّن محدود، لكنها لن تكون كافية لإحداث فرق كبير، ولا يتوقّع أن تستمرّ قطر في تقديم منحة الرواتب الشهرية وتسديد ثمن الغاز.
وستسعى السلطة الانتقالية إلى تحريك الاقتصاد داخلياً، ولكن نتائج ذلك ستكون محدودة، وستبقى منطقتا شرق الفرات والسويداء من دون الوصول إلى حلّ، وقد يؤدّي عدم تحسّن الأوضاع وعدم الانفتاح وعدم المشاركة في السلطة إلى انتشار احتجاجات في الشارع السوري، وإلى تشكّل مناخ مناسب لانتظام النشاطات المعارضة للسلطة، حيث سيكون الاستقطاب الطائفي قد تراجع خلال عام، وستميل السلطة حينها إلى القمع، وستشدّد قبضتها أكثر على حركة المجتمع، وستقيّد الحريات العامة لمنع الاحتجاج، ولن يصدر مع هذا السيناريو قانون أحزاب ولا قانون انتخابات. وقد تلجأ السلطة إلى استخدام الدِّين، فتزداد مظاهر التديّن في الحياة العامة.
ولن يكتمل الانتقال من الفصيل إلى الدولة، وقد تبرُز خلافاتٌ بين الفصائل حول توجهات الدولة السورية. وفي العموم، يصعُب التكهّن بنهايات هذه المرحلة، ولا سيما إذا امتدّت أكثر من عام آخر.
ضمن هذه السيناريوهات الثلاث، يبدو سيناريو الرفع المشروط للعقوبات الأقرب إلى التحقّق. وبالطبع، كلّ ما ذُكِر آنفاً فرضيات مستنتجة من قراءة الواقع الحالي في السياق العام، وقد تكون هناك مسارات أخرى.



الأكثر شعبية


السيناريو الأكثر ترجيحاً… الرفع المتدرّج للعقوبات على سوريا ؟

بسبب صحفي سوري.. نيكولا ساركوزي يدخل السجن في سابقة لرئيس فرنسي
