ميديا – الناس نيوز ::
ميديا – حوار : ريتا بولس شهوان – LBC – الشعر في عالمنا العربي، وكل إنزياحات الكلمات والمعاني، تتطلب جرأة. فحتى الشهرة عن طريق الإبداع والكفاءة، مكلف.
تفاوت الثقافة، الذي تعرض فيه الكاتبة والشاعرة اليمنية نينا عامر في كتابها “أسلحة أنثوية عديمة النفع”، الذي صدر مؤخرًا عن “مرفأ للثقافة والنشر”، فيه من كسر للصور الذهنية التقليدية الكثير، يتخطى في بعض الأحيان، زملائها في مهنة كسر التقليد وتحدي الحداثة. المميز بكتابها هو السياق العربي التقليدي الذي تنبثق منه في كلماتها وأفكارها الهدامة للموروثات وحرمات الجسد.
تطرح نينا أسئلة ستكون صادمة، للقارئ الذي لم يعتد مسبقا أن يرد ذكر أي عضو جنسي في سياق قصيدة، في البلدان العربية. الغرب سبق الشرق في هذه المسألة، كما الكثير من المسائل الهامة . ونينا من القلة التي تتحدى في هذا السباق.
في سياق اجتماعي يعبق بالظلمة والظلم وقهر المرأة وجسدها، تجسدين هذه العلاقة الجدلية بين العالم الخارجي والعالم الداخلي الذي يعيش صراعًا مع الحرية، العولمة، والذات. يتم تقديم هذه القوالب المتصارعة، بكلمات بسيطة غير معقدة، يحتاج إلى ثورة.
سؤالي الأول لك نينا هو من أين تأتين بثورتك وأفكارك؟ وهل من تأثير للانفتاح التكنولوجي على انغلاقنا العربي على موروثاتنا؟
بسؤالك هذا ريتا تسلطين الضوء على التحديات التي تواجهها المرأة في مجتمعنا، سواء كانت ظاهرة أو خفية. حرية المرأة كإنسان ما زالت محدودة على الرغم من التطور الكبير الذي وصلت إليه البلدان العربية.
نرى العديد من الكاتبات العربيات يشعرن بالخوف من التعبير بحرية عن مشاعرهن ورغباتهن وحتى مناقشة المشكلات العائلية غير التقليدية ؟ .
الثورة الكتابية ( أزعم ذلك ) التي أقوم بها هي تجسيد للواقع المرير والقاسي الذي أعيشه وأشاهده. ديواني “أسلحة أنثوية عديمة النفع” قد يُعتبر مادة إيروتيكية، لكنه في الحقيقة يمثل واقعاً مريراً أعيشه في عوالم متعددة وبأكثر من شخصية. بالنسبة لتأثير التكنولوجيا على انفتاحنا العربي على موروثاتنا، فقد كانت تجربتي الشخصية مع التكنولوجيا إيجابية للغاية. دخول التكنولوجيا إلى حياتي ساهم في تطوري على عدة مستويات، وساعدني في اكتشاف نفسي وفهم حقي كإنسانة يحق لها العيش بحرية واختيار مسار حياتها. هذا الانفتاح التكنولوجي أتاح لي الفرصة للتواصل مع ثقافات وأفكار جديدة، مما أثر بشكل إيجابي على شخصيتي وأفكاري، وساهم في تعزيز حريتي وتحرري من القيود التقليدية.
أسلحتك الأنثوية تتوجه أحياناً نحو نفسك وأحياناً نحو العائلة وأحياناً نحو الرجل. كيف يواجه قلمك بهذه الأسلحة، وعلى من هي موجهة بالتحديد برسائلك التي تعبق بالثورة الأنثوية على الأنماط، سواء كانت غربية أو شرقية؟ وهل تستهدف كسر هذه الأنماط؟
ديواني”أسلحة أنثوية عديمة النفع” هي تجربة شخصية جداً، مستمدة من علاقة حب معقدة. كتبتها بهذا الأسلوب لكسر نمط الكتابة السائد والتماشي مع سوق الأدب الحديث، خاصة بعدما تراجع الكثير من الناشرين عن الالتفات لكتب الشعر. ديواني بأسلوبه المميز والمختلف أشبه بيوميات يحرص القارئ على اقتنائها. قلمي يواجه هذه الأسلحة الأنثوية برؤية واضحة تستهدف الجميع: نفسي، العائلة، والرجل. رسائلي موجهة إلى كل من يؤمن بضرورة التغيير والتحرر من القيود التقليدية، سواء كانت غربية أو شرقية. هدفي هو كسر الأنماط والقيود التي تُفرض علينا، سواء من المجتمع أو من داخلنا. أسعى لإبراز قوة المرأة وقدرتها على التعبير عن ذاتها بحرية، وتحقيق التوازن بين العاطفة والعقل، بين الحرية والمسؤولية.
نينا أنت تركزين على العلاقة الحميمة ، الجنس بشكل خاص مع الرجل، المادية، كيف تدسين خصال علاقة المودة في نصوصك، وألا تعتبرينها سلاحاً، خصوصاً أنها بمكان، نقطة مشتركة وانتهى، تترك خارج عالم الشغف. هل الشغف متقطع في شعرك الذي يبدو مسلطاً الضوء على التابو الجسدي؟
في كتاباتي، أسعى إلى استكشاف مختلف أبعاد العلاقات الإنسانية، بما في ذلك الجانب الجسدي والمادي الذي يتجلى في الجنس وتفاصيله .
أرى أن العلاقة الحميمة ليست مجرد تفاعل جسدي، بل هي تجسيد للتواصل العميق بين الشريكين ، بمعنى تغليب الحب المادي على العذري إن صح التعبير ، حيث يتداخل الجانب العاطفي بالمادي.
وعلى سبيل المثال دمج خصال المودة في النصوص يأتي من فهمي الشامل للعلاقة، حيث أُظهر كيف يمكن للحظات الحميمية أن تكون مليئة بالحنان والتفاهم والارتباط العاطفي. هذه الخصال تتجلى من خلال التفاصيل الصغيرة، الإيماءات الرقيقة، والكلمات الصادقة التي تعبر عن الحب والاحترام المتبادل. أما بالنسبة للشغف، فلا أراه متقطعاً في شعري، بل متجددًا ومستمرًا.
حتى عندما أتناول التابوهات الجسدية، أحرص على إبراز الشغف كجزء أساسي من العلاقة. الشغف بالنسبة لي ليس مجرد نزوة، بل هو تعبير عن الحياة المشتركة بين الشريكين، حيث يساهم في تعزيز الترابط العاطفي والروحي بينهما.
في النهاية، التركيز على الجانب المادي للعلاقة الحميمة لا يعني إهمال الجانب العاطفي. بالعكس، يمكن لهذا التركيز أن يسلط الضوء على التعقيدات والعمق الذي تحمله هذه العلاقات، مما يتيح لي كشاعرة تقديم صورة متكاملة وشاملة لتجربة الحب والعشق.
يدور شعرك حول تحرير الجسد، إلا أن “الفعل” الجسدي لا ينفصل عن أفكار تضرب الجبن. لماذا أتت كلها إيحاءات “مثيرة”؟
ديواني “أسلحة أنثوية عديمة النفع” يتناول موضوع تحرير الجسد كجزء من تحرير الذات بشكل عام. القوة التي دفعتني لطرح هذه المسائل جاءت من البيئة العائلية المثقفة والمنفتحة التي نشأت بها ومن الرغبة في كسر القيود والتابوهات التي تحيط بجسد المرأة في مجتمعنا.
الفعل الجسدي في شعري لا ينفصل عن الأفكار التي تضرب الجُبن والخوف، بل هو تعبير عن الشجاعة والحرية. الإيحاءات “المثيرة” ليست هدفًا في حد ذاتها، بل وسيلة لإثارة التفكير والتساؤل، وللتأكيد على أن الجسد ليس مجرد أداة، بل جزء من الهوية والكينونة التي يجب احترامها وتحريرها.
أردتُ من خلال شعري أن أثير النقاش حول قضايا محظورة وأن أظهر أن الحديث عن الجسد والجنس لا يجب أن يكون محرماً، بل يمكن أن يكون جزءاً من الحوار الثقافي والفكري الذي يسعى لتحرير المرأة وإعطائها صوتها الخاص ، تُخرج الحياة من التهميش.
لماذا اخترت تسليط الضوء على الولادة من غير حب؟ وكيف تتوقعين أن تكون ردود أفعال النساء اللواتي لم يعرفن الرغبة ولا الشغف ولا سماء اللذة والرعشة ؟ .
اخترت تسليط الضوء على موضوع الولادة من غير حب لأنه يمثل جانباً مظلماً وغير مُعترف به في حياة العديد من النساء. أردت من خلال ديواني “أسلحة أنثوية عديمة النفع” أن أكشف عن هذا الجانب وأجعله مرئياً، لنعترف بأنه واقع تعيشه الكثير من النساء بصمت. بالنسبة لردة فعل النساء اللواتي لم يعرفن الرغبة والشغف، أتوقع أن تكون متنوعة.
قد تشعر البعض منهن بالصدمة أو الانزعاج، لكني آمل أن يشعرن أيضاً بالإلهام والقوة. أريد لهؤلاء النساء أن يدركن أن لديهن الحق في الشغف واللذة والرعشة ، وأن حياتهن تستحق أن تكون مليئة بالحب والحرية.
رسالتي لهؤلاء النساء هي دعوة للتمرد ( كما فعلت الكثير من النساء في عالمنا ) على القيود المجتمعية والنفسية التي تمنعهن من تحقيق رغباتهن. أطمح لإحداث ثورة فكرية وثقافية تدفع النساء إلى استكشاف ذواتهن بعمق، والاعتراف بحقوقهن في الحب والرغبة والشغف.
أريد أن أكون صوتاً يدعو للتغيير والتجديد، وأن أساهم في خلق بيئة تدعم النساء في سعيهن نحو حياة مليئة بالحياة والمعنى.