رحاب منصور – الناس نيوز :
لم أتوقع وجود عدد كبير من الشبيحة السوريين في باريس رغم أنني لم أكمل السنة في إقامتي الباريسية ولا يزال الحنين للاذقية في سورية وبحرها ومقاهيها وناسها الطيبة الصامتة يحرق قلبيلكن كان علي أن أجد الحد الأدنى من التأقلم مع باريس التي لا تخصني يوماً ، فالأمكنة أرواح وأنا روحي في سوريا ، لذا كنت أصادق بعض السوريات ومعظمهن طبيبات وحصلن على الجنسية الفرنسية ويعشن في باريس منذ أكثر من ربع قرن وحققن ثروات من عملهن الطبي في باريس.
في الواقع كنت أحس بدفء أو أوهم نفسي أنني أحس بدفء حين ألتقي إنسانة وصديقي من وطني وكان يكفي أن أردد بيني وبين نفسي “صديقتي من سوريا ” حتى أحس بأمان . سأحكي عن زميلتين من سوريا كنت أقضي برفقتهما أوقاتا للتسلية ، لتدخين الأركيلة والكلام دون التطرق إطلاقاً لأي موضوع سياسي ، القمع وانعدام الحرية وسجناء الرأي إلخ . إحدى الطبيبات وكنت أقضي معها وقتاً طويلاً وفعلا كانت مرحة وكريمة ومُحبة للحياة وعازبة ، وكانت هي من تبادر دوماً وتتصل بي ، وكانت باستمرار تزور أسرتها في اللاذقية ، فجأة وبعد حوالي سبعة أشهر من صداقتنا بدأت تبتعد وتتدعي أنها تتصل بي لكن أنا لا أرد على اتصالاتها !!! مع أن الموبايل جهاز كشف الكذب لم يُظهر لي ولا مرة رقمها ، واكتشفت فيما بعد أنها الصديقة الحميمة لموظفة تعمل في السفارة السورية في باريس، موظفة مسؤولة وعالية المرتبة قالت لصديقتي بالحرف الواحد : انصحي رحاب منصور ألا تراجع أو يخطر ببالها القدوم إلى السفارة السورية ، بدت لي هذه العبارة غريبة واإحتجت لأيام كي أستوعبها ، ثم تذكرت كيف كان يتم إستدعائي إلى أفرغ الأمن في اللاذقية ويتم إذلالي بإحتجازي ساعات وحيدة في غرفة أنتظر حتى أكاد أصل إلى حافة الانهيار العصبي عندها يستدعيني ضابط الأمن ، وقرأت ذات يوم مقالاً لأحد الكتاب السوريين الذي يعيش في باريس كيف أنه ( والزمن قبل الثورة السورية بسنوات ) حين راجع السفارة السورية في باريس لتجديد جواز سفره كيف حققوا معه كأنه في فرع أمني في سوريا وكيف استجوبوه عن نشاطاته وكتاباته وإن كان ينوي الرجوع إلى سوريا ، أي أن السفارة السورية في باريس هي تماماً فرع أمني كالأمن العسكري مثلاً في أية مدينة سورية ، صديقتي ادعت أنها تحبني ولا تريد لي الأذى لذا نقلت لي نصيحة الموظفة السورية في السفارة الفرنسية كي تحذرني ولأنها تحبني ، ثم اختفت تماماً من حياتي فضلت أن تكون في صف الموظفة الشبيحة عن أن تخاطر بسمعتها في صداقة كاتبة سورية تكتب مقالات جريئة وخطيرة قد تجرها للاستجواب في فروع الأمن . تمت القطيعة التامة بيني وبين إنسانة قدمت لي نفسها أنها صديقة فخورة بصداقتي .
السورية الشبيحة الثانية وهي طبيبة ثرية جداً من مدينة ساحلية في سوريا ثرية جداً وتزور سوريا أكثر من ثلاث زيارات كل سنة ، في الواقع لم أكن ألتقيها كثيراً ، لكن جمعتنا جمعة لسوريين ( سوريين في منفى باريس ) وكان الحديث تافهاً وعاماً ولم يتحدث أحد عن سوريا ، إلى أن قالت إحدى الحاضرات بأن الجوع في سوريا لم يعد مقبولاً وموجعاً جداً منظر الناس على الطوابير من أجل رغيف خبز ومنظر العديد من الأطفال والكبار ينبشون بالقمامة ( وبالمناسبة بطل مسلسل على صفيح ساخن لسيف السبيعي هو القمامة والنبش في هذه القمامة … او ) ، وصدقاً أحسسنا جميعاً أن ثمة زلزال هز جدران الصالة التي نجتمع بها ، وانفجرت الشبيحة الطبيبة ( التي أقسمت قسم إيبوقراط ) تصرخ حتى خفت أن تتمزق عروق حنجرتها وتقول : لا يوجد جوع في سوريا ، أيوا لا يوجد جوع هذه كلها أقول مُغرضة لتشويه صورة سوريا وإخوتي في سوريا يعيشون أحلى حياة ولا ينقصهم شيء ، فجمعت كل قواي وقلت لها : إخوتك يعيشون أحلى عيشة ولا ينقصهم شيء لأنك تساعدينهم ، أظنك لاحظت طوابير الناس على الأفران من أجل رغيف الخبز وأكيد لاحظت ناس تنبش في الزبالة ، فجعرت : في نيويورك ثمة ناس ينبشون في الزبالة . قلت لها لكن في نيويورك ثمة حياة كريمة لمعظم الناس وديمقراطية وأظنك يجب أن تتابعي محاكمة الشرطي الأبيض الذي قتل جورج فلويد الزنجي ، محاكمة يتابعها كل الأمريكيون وسوف يتم سجنه لأكثر من عشرين عاماً وبتهمة القتل العمد . جعرت : لا يوجد جوع في سوريا كل الناس عايشة أحلى عيشة .
طبعاً يستحيل النقاش مع إنسانة عديمة الضمير والإحساس مثلها ، وصدقاً خفت أن يثقب غشاء الطبل في أذني من شدة جعيرها ، أي انعدام ضمير يجعلها تنكر وجود مجاعة في سوريا ، لو كانت تعيش في الداخل السوري لالتمست لها عذراً أنها تخاف من الأجهزة الأمنية الذين سيلصقون بها تهمة وهن شعور الأمة حين تحكي عن المجاعة في سوريا ، لكنها تعيش في باريس وحاصلة على الجنسية الفرنسية فأي احتقار وكره تكنه للشعب السوري .وكانت صفحتها على فيس بوك متخصصة في شتم كل المعارضين الخونة الذين أوصلوا السوريين إلى ما هم عليه ، وبأنهم ارتهنوا لجهات خارجية لينفذوا أجندتها ، وقبضوا غالياً الثمن . وحين كنت أحرجها وأسألها : لماذا لا تحكي عن ممارسات النظام ؟ لماذا لا تحكي عن آلاف مؤلفة من سجناء الرأي و ..تقاطعني قائلة : لا داعي للحكي النظام ونعرفه !!! عجبي أن يكون كل انتقادها للنظام بعبارة : النظام ونعرفه .
سأنتقل إلى موضوع آخر هو بعض كتاب الداخل السوري تحديداً أعضاء اتحاد الكتاب العرب النشاطات الثقافية تكون مثلاً محاضرة تلقيها إحدى الكاتبات بعنوان : الحرب الكونية على سوريا في الأدب ، والطريف أن مكان إلقاء هذه المحاضرة سيكون في مقر تجمع الشعب النقابية بساحة حلوم مقابل مديرية المخابز ، فرز خيالي صورة السيدة المحاضرة محاضرة عنوانها قد يهدد عقلك بالجنون ( أثر الحرب الكونية على سوريا في الأدب ) وعلى الضفة الأخرى مئات المواطنين السوريين ينتظرون نهاراً كاملاً للحصول على بضعة أرغفة خبز . سوف ينصتون إلى المحاضرة رغماً عنهم لأن مؤسسة الكهرباء التي تذل المواطنين بالعتمة لساعات سوف تسخى بالكهرباء من أجل مكبرات الصوت كي تصل كلمات المحاضرة إلى الشعب السوري الذي يذله الانتظار على باب الأفران ، وربما يخطر ببال الكثيرين من المستمعين المنتظرين على باب الأفران أن ينسفوا المُحاضرة ببعض أرغفة الخبز لكنهم لن يفعلوا لأن أمعاء أطفالهم خاوية .
كااتب آخر في اللاذقية عضو في إتحاد الكتاب العرب يقدم محاضرة بعنوان : كيف نربي جيلاً يستطيع أن يبني وطناً آمناً ومستقراً في ظل ما يطرحه جورج أورويل من جهة ودان براون من جهة !!!!يا إلهي أي هذيان هذا لو كان عنوان المحاضرة باللغة الصينية لما اختلف الأمر علي . قدموا محاضرات عن الجوع والموت وكورونا التي بدل أن تدخل الدولة السورية لقاح كورونا إلى سوريا سمحت بتدخين الأراكيل في كل المقاهي والمطاعم . ومعروف الخطر الكبير للأركيلة في نقل فيروس كورونا . ومعروف الخطر الكبير للأركيلة في نقل فيروس كورونا .
أليس غريباً أنه لا توجد أية محاضرات ثقافية بالمعني الحقيقي للثقافة كما حضرت في عام 1999 مؤتمراً عالمياً في القاهرة ضم حوالي خمسين مثقفا عربيا من كل أنحاء العالم بمناسبة مرور مئة عام على وفاة قاسم أمين ، وحضرت في إهدن في لبنان مؤتمراً عظيماً عن نيتشة ، هذه هي الثقافة ، في سوريا تقدم كاتبة سورية كتاباً بعنوان ( بشار الأسد صاحب الفتوحات في الزمن الصعب ) وتقول بأن هذا الكتاب وصل إلى العالمية ويُدرس في جامعات كاليفورنيا وأستراليا وكندا .سؤالي المشروع : كيف لم نسمع ونرى هذا الكتاب وقد وصل كما قالت كاتبته إلى العالمية . وتقدم نفسها أنها شاركت في مهرجان المقاومة في لبنان وحصلت مع الفنانة جوليا بطرس على جائزة ،وعجبي أنها تقدم أيضاً دراسة نقدية للمطران جورج صليبا مطران بيروت وجبل لبنان !!وهي تجيد اللغة التركية .
كاتب آخر عضو في اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية وهو ضابط سابق في الجيش والقوات المسلحة ويقدم نفسه أنه حاصل على دكتوراه في علم النفس السياسي وكان رئيساً لفرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية وأهم مؤلفاته : دراسات في الأمن القومي العربي ( 4 مجلدات وكل مجلد 800 صفحة ) وهو دراسة حول الأمن الجماعي للعرب عسكرياً وسياسياً وثقافياً . وكتابه الأهم ( القائد الأسد والأمن القومي العربي ) وقال بأن نبيه بري قدم لهذا الكتاب الضخم أكثر من ألف صفحة . وله كتب مثل ( الحرب الإعلامية على سوريا ) وكتاب ( التطبيع مع العدو الإسرائيلي ) أما في مجال الأدب الساخر ( وهو متعدد المواهب ) فله كتب عديدة هي : – إلى أين أيها الحيوان – وكتاب عفواً أيها الحيوان – وكتاب –لماذا أيها الحيوان- وكتاب( ماذا بعد أيها الحيوان ) ولا أنكر أنه أثار فضولي لقراءة كتبه عن الحيوان .
هذا شكل الثقافة في سوريا . وأظن أن ما قدمته من وثائق لا يحتاج لشرح ولا لتحليل .
الثقافة جثة في سوريا . يا للقهر والعار .