إسطنبول – الناس نيوز ::
أعلن الناشر السعودي نواف القديمي ، صاحب مكتبة الشبكة العربية، أضخم مكتبة عربية في تركيا أن الشرطة في مدينة إسطنبول صادرت عشرات آلاف الكتب من المكتبة لسبب واه.
وقال القديمي إنه في ثنايا أيام المعرض الأخير، وتحديداً يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، اتصل بي مثقف وكاتب صديق وقال لي إنه في المعرض الآن وسمع من موظفين يعملون في الجناح التابع لإدارة المعرض أن الشرطة أتت إلى مكتبة الشبكة العربية لعمل إجراء ما.
ويكمل القديمي بيانه وما نشره على وسائل التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين ، وكان يسأل لعل الأمر خير؟ قلت له لم يأتِ أحدٌ منهم إلى المكتبة. فأضاف ضاحكاً: “الإشاعات في إسطنبول كثيرة فلا تهتم”.. بعد ذلك ببعض الوقت اتصل صديقان آخران وقالا إنهما في المعرض وسمعا الخبر نفسه من ذات الجناح. قلت لهما أيضاً: أنا في المكتبة ولم يأتِ أحد، وأن الأمر، فيما يبدو، مجرد إشاعة.
بعد ذلك بثلاثة أيام، وكنتُ خارج إسطنبول، وإذ يتصل بي الشباب العاملون في المكتبة ليبلغوني بقدوم ستة عناصر من الشرطة مع ضابط، ومعهم قرار من النائب العام بمصادرة كتب المكتبة بحجة عدم وجود ما يُسمى “العلامة المائية أو الستيكر أو البندرول”، الذي يجب أن يوضع خلف كل كتاب، وأن هذا القرار تم بناءً على ورود شكوى من “أحدٍ ما” يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر.
وقد قام الضابط بالتأكد من سلامة الرخص والأوراق وأذونات العمل للموظفين والفواتير والتأمينات، ووجد كل شيء سليماً وكما يجب.
في أربع ساعات، تمت مصادرة 26700 كتاب من المكتبة، تم حملها في ثلاث حاويات نقل كبيرة، قيمتها تُقدر بـ 200 ألف دولار، وغادروا المكان.
أي متجوِّل على أكثر من 15 مكتبة عربية في إسطنبول سيعرف مباشرة أن معظم كتب هذه المكتبات بلا “ستيكر/بندرول”، وأنه إجراء شكلي لا يهتم به أحدٌ منهم، لذلك بعد مصادرة كتب مكتبة الشبكة العربية، أغلقت جميع المكتبات العربية في إسطنبول بسبب رعبها مما جرى، وكذلك لتصحيح أوضاع كتبها، لأنها أيضاً بلا بندرول.
ومن تجوّل في معرض الكتاب الأخير سيجد أن جميع الكتب في الأجنحة تقريباً بلا بندرول. شخصياً اشتريت عشرين كتاباً من ست أجنحة جميعها بلا بندرول. وتم تزويد مكتبة الشبكة بأكثر من 200 كتاب تم شراؤها من المعرض، وجميعها أيضاً بلا بندرول.
لا يحتاج الأمر إلى كثير استنتاج، فالشخص نفسه/المؤسسة المُشرفة نفسها على المعرض، تعمل منذ مدة على احتكار كل ما يخص سوق الكتاب العربي في تركيا، ومن يقبل من الناشرين والمكتبات العربية العمل معها وفق تعليماتها وهيمنتها، وينضم إلى الجمعية التي أسستها وتسيطر عليها سيُتاح له العمل، ومن لا يرغب بالانضمام والعمل تحت طوعهم سيتم تدميره عبر شكاوى كيدية.
لذلك، قام صاحب تلك المؤسسة بدفع شخص من طرفه إلى عمل الشكوى على مكتبة الشبكة العربية في أثناء أيام المعرض، حتى يتم تنفيذها قُبيل نهاية المعرض، كيلا يكون هناك وقت للتساؤل عن كتب المعرض لأنها جميعها تقريباً بلا ستيكر/بندرول.
لكنه تسرّع في نشر الخبر وترويجه ظناً منه أن الشرطة قد قامت بالإجراء عقب الشكوى مباشرة، ولم يدرِ أنها تأخرت قرابة الأسبوع.
قبل ثلاثة أعوام، قررت جمعية خيرية سورية في غازي عنتاب عمل معرض كتاب خيري مُصغّر، في المدينة بهدف تحفيز السوريين والعرب المقيمين فيها على القراءة وعمل فعاليات للأطفال وورش رسم، وخلق بيئة ثقافية محفزة لهم.
وشارك في المعرض أربعون ناشراً عربياً، لم يدفعوا رسوماً مقابل المشاركة، لأنه معرض خيري، وعرضوا كتبهم بأسعار مخفضة. لكن هذا النشاط الثقافي البسيط والجميل، دفع الشخص نفسه/المؤسسة نفسها إلى القيام بإجراء مماثل، لأنه يُفكر بمنطق: كيف تجرؤ جهة عربية في تركيا على عمل نشاط يخص الكتب والقراءة والنشر من دون موافقته والعمل تحت طوعه؟! فقام بالفعل نفسه: شكوى، تبعتها مداهمة للشرطة ومصادرة الكتب وإنهاء المعرض!
هذا الشخص/المؤسسة يقوم حالياً بالتواصل مع جهات رسمية لمحاولة تعقيد إجراءات شحن الكتب العربية إلى تركيا، وذلك بهدف الوصول إلى نتيجة: ألا يتم شحن أي كتب عربية من خارج تركيا إليها سوى عبره هو ومؤسسته وجمعيته.
يحاول هذا الشخص، عبر مؤسسته وعبر الجمعية التي أسسها “هي جمعية أهلية للناشرين والكتاب العرب” ويديرها، بالطبع من دون انتخابات، وجعل مقرّها، للمفارقة، في غرفة داخل مؤسسته، أن يحتكر كل ما يخص سوق الكتاب العربي في تركيا.
فهو الوحيد الذي يحق له إقامة معرض كتاب عربي في تركيا، ويحصل على صالة العرض بالمجان أو بقيمة رمزية، عبر إقناع جهات رسمية أنه عمل ثقافي عربي يهدف إلى إدماج العرب في المجتمع التركي، ثم يقوم بتأجير جميع الأجنحة للناشرين بقيم مرتفعة.
ومن يجرؤ على عمل أي نشاط ثقافي عربي يخص الكتاب من دون إذنه والعمل تحت طوعه فسيقوم بالقضاء عليه عبر شكاوى كيدية. وقد حفز المكتبات والناشرين العرب على الانضمام إلى الجمعية بوعود حصولهم على الجنسية التركية وأمور أخرى عديدة لم يحصل أي شيءٍ منها.
وحين ظن أحد الناشرين المشاركين في الجمعية أنه ينضم إلى جمعية حقيقية، وطالب بإجراء انتخابات، فوجئ بإقصائه ومنع نشاطاته ومنعه من المشاركة في معرض الكتاب.
وعندما كلمه أحدهم مستفسراً عما حصل لمكتبة الشبكة العربية، ردّ عليه “لائماً”: “لمَ لا يشاركون معنا في الجمعية والمعرض”؟
هل تعرف وزارة الثقافة في تركيا أن هناك طرفاً يسعى لاحتكار سوق الكتاب العربي وضرب كل المنافسين؟ وكيف سينعكس ذلك على سمعة الاستثمار في تركيا؟ حين يدفع مستثمر ما يقارب المليون دولار على شراء مبنى وترميمه وتجهيزه وملئه، باختيارات نوعية، بكتب من أكثر من 14 دولة عربية، وصادرة عن أكثر من 350 ناشراً عربياً، ثم تقوم شكوى كيدية من شخص يعمل في المجال نفسه بتقويض كل ذلك في لحظة، ومن دون مُقدمات ولا إنذار ولا غرامات ولا مُطالبة بتدارك الوضع وتصحيحه! هل هذه هي البيئة الاستثمارية المُحفزة والآمنة التي تحرص الحكومة التركية على ترويجها؟
ما قيمة هذا الستيكر/البندرول الذي كان السبب المُعلن لمصادرة الكتب؟ وما الهدف من استخدامه؟ هل له علاقة بالضريبة مثلاً؟
لا، فتصدير الكتب إلى تركيا معفىً من الضرائب. أي ليس هناك أي ضرائب على تصدير الكتب إلى تركيا.
هل هو يخص رقابة الكتب والتأكد من مضمونها ومن ثَم ترخيص بيعها في تركيا؟
لا، فدخول الكتب إلى تركيا يتم من دون رقابة ولا رخصة، وكل ما عليك، كشركة شحن، أن تقدم الفواتير وقوائم الكتب إلى وزارة الثقافة وتحصل على لصقات البندرول على شكل لفافات، لتقوم المكتبات بلصقها على الكتب بناءً على تصنيف الموضوعات.
هذا يعني أن وضع البندرول إجراء شكلي لا علاقة له بالضرائب، ولا بترخيص الكتب، وقيمة البندرول الواحد 0.09 ليرة تركية، أي أن الليرة الواحدة تجلب لك 11 لصقة بندرول.
فتخيل أن تتم مصادرة 26700 كتاب من مكتبة بقيمة 200 ألف دولار من أجل إجراء شكلي كان سيكلف المكتبة للحصول عليه، لتغطية كل كتبها، فقط 120 دولاراً! ثم يتم هذا الإجراء بلا مقدمات ولا إنذار ولا حتى غرامات جزائية ودعوة إلى تصحيح الوضع! ويعرف الجميع أن سبب عدم وضع المكتبات للبندرول هو عدم معرفة الإجراءات، ولأنه إجراء غير موجود في جميع الدول العربية، وأظنه ليس موجوداً في أي دولة بالعالم، وليس تعمّد عمل إجراء غير قانوني، هو أصلاً لا يكلف أي شيء يُذكر.
منذ بدأت الشبكة العربية نشاطها في 2008 ونحن نُغلِّب مبدأ التعاون على التنافس، وأن هذا النشاط هو ميدان للعمل الثقافي والفكر يقبل أن يكون عملاً تجارياً. وفتحت الشبكة مكتبتها في إسطنبول بهذه الروح، وكنا نعلن ونروّج لكل مكتبة جديدة تفتح بالفاتح مع تمنياتنا لهم بالتوفيق، وأن نجاح أي مكتبة جديدة هو إضافة إلى الوجود العربي في إسطنبول. وعندما زارني صاحب المؤسسة المعنية قبل ثلاثة أعوام، وسألني لم لا نشارك معهم في معرض الكتاب، قلت له إن السبب مرتبط فقط بالجدوى، وأننا شاركنا مرة وكانت التجربة غير ناجحة، فمن سيأتي إلى معرض الكتاب لشراء كتب الشبكة العربية وهي متوفرة على مدار العام في مكتبتنا في إسطنبول؟ وعندنا طلب مني بعض الموظفين في المكتبة أن نُعلن عن خصومات عالية على الكتب تزامناً مع المعرض، وذلك تفادياً لانخفاض طبيعي ومُعتاد في المبيعات. كان رأيي أننا لا نريد أن تصل رسالة إلى إدارة المعرض بأننا نخوض منافسة معهم، أو نهدف إلى سحب شريحة من زبائنهم.
وإضافة إلى كل مبادرات حسن النية السابقة، قمنا خلال العام الماضي بشحن كتبنا من بيروت إلى إسطنبول ثماني مرات مع هذه الجمعية نفسها ومع أحد الناشرين العاملين في إدارتها، وهم لم يقدموا لنا في أي شحنة منها كميات البندرول اللازمة على الرغم من استلامهم لها من الجهات الرسمية. وعندما حصلت مصادرة الكتب، تم التواصل معهم لتزويدنا بالفواتير والبندرول عن الشحنات التي تمت معهم، وهذا أمر مُستحق لا نقاش فيه وليس طلباً لمساعدة مثلاً، ولكنهم رفضوا وتنصلوا من ذلك.
عاصرنا ورأينا في الأعمال التجارية نماذج للتعاون والتراحم بين التجار وأصحاب المصالح، وكيف أن البائع يرشد الزبون إلى جاره لأن لديه بضاعة أجود، وكيف يأتمن الجار جاره على دكانه ليبيع بدلاً منه حين يضطر إلى الغياب، وكيف يتعامل الناس بالثقة والأمانة وحسن الظن، وأن رزقك مقسومٌ ولو كان في حواصل الطير. لكن بتنا اليوم في زمن يبدو أن الأصل فيه هو الصراع والمكائد والخصومات والنكايات.
تعرضت الشبكة العربية في تاريخها القصير في الدول العربية لإجراءات قمعية كثيرة، منع من معارض كتب، تحقيقات وإيقاف لعاملين فيها، مضايقات أمنية متعددة، ولكنها لم تتعرض من قبل لمصادرة الكتب، لأن هناك حُرمة للملكية الخاصة، خصوصاً مع دخول الكتب بشكل نظامي، وعدم وجود “شُبهة” تهرب ضريبي، في بلدٍ لا توجد فيه ضرائب على الكتب.
تم عمل الإجراءات اللازمة لاستعادة الكتب، وتم التواصل مع مسؤولين لشرح خلفيات الموضوع ودوافعه، وسمعنا منهم اندهاشهم واستغرابهم مما حصل من إجراء، وأن الكتب المصادرة ستعود قريباً، بإذن الله.
تمت إعادة افتتاح المكتبة قبل ثلاثة أسابيع، ووصلت إليها قبل شهر شحنة كبيرة تزيد على المئة وخمسين كرتونة فيها كل الجديد الصادر في العالم العربي، وهي معروضة في المكتبة. كما وصلت البارحة شحنة جديدة تزيد على المئتي كرتونة وسيتم تجهيزها لعرضها خلال مدة وجيزة..
كما ستُعلن الشبكة العربية إقامة معرض كبير للكتاب العربي في إسطنبول بالتنسيق مع وزارة الثقافة، وستقدِّم فيه أجنحة العرض للناشرين بالمجان، يرافقه إقامة فعاليات ثقافية متنوعة. وقامت كذلك بتأسيس شركة شحن لتتولى شحن الكتب من بيروت والقاهرة وسواهما إلى إسطنبول إلى مكتبة الشبكة العربية وبقية الناشرين العرب بقيم مُخفضة، وهي من قامت بإجراءات الشحنة الأخيرة إلى المكتبة.
أكثر تساؤل شغلني: ماذا لو حصل ذلك لواحدة من المكتبات العربية الصغيرة في إسطنبول، والتي تكون معظم كتبها، عادة، بالأمانة، لم تُسدد قيمتها بعد، ولا تملك القدرة على إعادة بناء مخزون المكتبة ولا معرفة الطريق اللازم لاستعادة الكتب المُصادرة؟ هل ستكون الجهة التي تقف خلف هذه الشكاوى سعيدة بتدمير عمل ومصدر رزق إنسان وإغراقِه بالديون لسنين عديدة من أجل مغانم رخيصة؟
ما سبق كان إجابة عن سؤال: ماذا حصل لمكتبة الشبكة العربية في إسطنبول؟ ولماذا أغلقت لمدة شهر ونصف؟