محمد برو – الناس نيوز ::
شاع في الآونة الأخيرة ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية التي باتت سمة ظاهرة في العديد من المجتمعات، لا سيما العربية منها، ربما أوضحها وأكثرها انتشارا تلك المجتمعات التي استقبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين، الذين هربوا من بلادهم بسبب تنامي العنف والقتل واستفحال الأزمات الدموية، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان وغيرهم كثير من شعوب حاولت الانقلاب على أنظمتها القمعية، طبعا هذا لا يعني أن حضور او انتقال هؤلاء اللاجئين من بلد إلى آخر هو العلة الحقيقة لتنامي خطاب الكراهية، بل هو مشجب يعلق عليه الموتورون في كثير من الأحيان ما يعيشونه من أزمات، منشأها الطبيعي اختلال التوازن في العدالة وتوزيع الدخل، وتطور أساليب استعباد الشعوب وارهاقها وسرقة مقدراتها، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على تردي حياة البشر.
وليس بعيد عنا ما خلفه فيروس الكورونا من انهيارات لم يتم تلافي عقابيلها حتى يومنا هذا، كذلك الحرب الروسية الأوكرانية وما تستنزفه يوميا من مقدرات أممية، واليوم تمدد الحرب الهمجية من غزة إلى بلدان مجاورة وبعيدة .
تنذر الأمور بفوضى يصعب التكهن بمدى تأثيرها القريب أو البعيد على سكان دول برمتها، ولما كانت معظم الاتجاهات السياسية عاجزة عن مواجهة التحولات الكبيرة التي تعصف بها، فإنها سرعان ما تنحو باللائمة على أضعف الحلقات في تلك السلسلة الممتدة، ألا وهي مجموعات المهاجرين، مع العلم أن غالبية تلك الأزمات الكبرى، جزء أصيل يتولد من بنية النظام العالمي، الذي يحترف إدارة الفساد وتخليقه، والذي سيزداد حدة ما لم يتم تغييره.
لم يعد ارتفاع صوت خطاب الكراهية مقتصراً على توجيه أذية نفسية وتأزم اجتماعي، بل تعداه إلى تنامي شكل مؤلم من اشكال الجريمة المجانية، التي ترتكب بحق أبرياء دون أن يكون لهذه الجريمة رادع يوقفها أو يحصر انتشارها، وبما أن النظائر تجذب أشباهها، وأن الفعل يجذب اليه ردا يشاكله في النوع والشدة.
يتجاوز خطاب الكراهية في كثير من الأحيان، وما ينجم عنه من تجاوزات، حلقة معيبة يصعب ايقافها إلا بسحق الضحية !! ، بحيث يستحيل عليها القيام برد فعل، أو المطالبة بتحقيق العدالة، علاوة على ما يشوهه هذا الخطاب في ذات صاحبه أولا بتحويله من انسان سوي إلى انسان عدواني وربما متوحش.
كل هذا بات معلوما ومشاهدا عبر وسائل الاعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في مشهدية التكوين العام ، التي لم تترك نأمة صغيرة أو كبيرة إلا وسلطت الضوء عليها، لكن للأمر التباسات واختلاطات يحسن المرور عليها بروية، هناك تمييز كبير بين الشعور بالكراهية وهو شعور فردي نادرا ما يتطور إلى فعل الجريمة، وربما لا تكون له أدنى مفاعيل إلا في ذات صاحبها، كمن يكره مطربا معينا أو لونا معينا أو رائحة، انما خطاب الكراهية هو فعل جمعي ينطلق من مجموعة بشرية مهما صغر حجمها إلى مجموعة أخرى تناصبها العداء.
كثيرا ما يتطور هذا الخطاب الى اشعال حالة من الهيجان في أوساط تستجيب له فيتحول إلى فعل جرمي يحرق ويحطم ويقتل، سيما أن وسائل التواصل باتت مركبا سهلا وسريعا ومجانيا لكل من أراد أن يحشد لرأيه أو تحريضه، كذلك بات البعض يخلط بين خطاب الكراهية المدمر للضحية والجاني معاً، وبين الشعور بالشماتة وإظهارها وهذا نلمسه بكثرة في المجتمعات التي تكون فيها حدة الصراع مرتفعة، وأقرب مثال نعيشه، ما يجري في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين .
إن الشماتة أو اظهار الفرح بمقتل قادة ميليشيات طالما شاركت إسرائيل في الحفاظ على نظام الأسد، وأوغلت في الدم السوري بشكل لا يخفى على إنسان ، انما هو فعل او شعور انساني طبيعي، لا يخضع للتعقلن السياسي وموازين القوى، التي يراعيها الميدانيون والسياسيون والقادة في الحرب، ولو جمعنا كل مشاعر الشماتة والادانة والتأييد والرفض مضافا اليها مواقف جميع الأحزاب السياسية في العالم العربي، لكان محصلة هذه القوى صفر، ولن يغير الجميع هذا الأمر ، في معادلة الحرب شعرة واحدة، فلماذا هذه الحرب الضروس على ابتهاج ضحايا هذه الميليشيات التي ما تزال حتى يومنا هذا تستبيح دماء السوريين قتلا وتهجيرا.
ينحو البعض باللائمة على نفسه فيجلدها بعبارات باتت رائجة، كأن يعتقد أننا شعوب لا تحب بعضها، لا توجد مجتمعات أو شعوب افرادها يحبون بعضهم بالعموم، لكن توجد مجتمعات لا تحمل الكراهية، وهذا منبت الخير الذي يمكن له ان يحضن المشاعر والسلوكيات الإيجابية تجاه العام. مجتمعات تنبذ العنف، ولا يمكن تبرير الكراهية بل يمكن تفهم دوافعها وعلة نشوئها.
وكل هذا لا يبرر اشتداد حدتها وديمومتها لأنها بالمحصلة مدمرة بجميع الاتجاهات، وعلى العموم نجد في الفترات التي يشتد فيها الصراع ويكثر القتل وتشيع الجريمة المنفلتة أو المشرعنة كما يحدث الآن، سنجد أن حدة الكراهية وتأجج خطابها متناسبا مع حدة هذا الصراع وتوحشه، ولا يمكن في هذه الحالة النجاة من مفاعيله لكن يمكن العمل على ضبطها وحصارها ما أمكن.