ميديا – الناس نيوز ::
درج – رنا صباغ – ثمة مؤشرات ومعلومات على بدء الرئيس السوري بشار الأسد بـ”تحجيم” الحاشية الاقتصادية لشقيقه ماهر الأسد، قائد القوات النخبوية في الجيش السوري (الفرقة الرابعة)، والمشرف على الاقتصاد الأسود في سوريا (تجارة حواجز، كبتاغون، ابتزاز أهالي المعتقلين، تهريب السلاح…).
في خلفية مشهد الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، واستهداف الطيران الإسرائيلي لسوريا، تبرز ملامح صراع بين بشار الأسد، رئيس النظام، وماهر الأسد، شقيقه، وقائد الفرقة الرابعة في الجيش، والمسؤول عن اقتصاد الظلّ في سوريا. يدور الصراع حول التقرب من روسيا لحماية النظام المهدّد على حساب تحجيم دور إيران وحزب الله.
انتقال بشار التدريجي نحو روسيا على حساب إيران تجلّى بوضوح بعدما بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والآن على لبنان، إذ بات هو ونظامه مهدّدين، خصوصاً في ظل أقاويل واتهامات تطاول الأسد بتسهيل استهداف القوات الإيرانيّة في سوريا.
الانقلاب في موقف بشار الأسد، يجعله هدفاً مباشراً لإيران التي تشعر بـ”الغدر” بعدما وقفت إلى جانبه مع بدء الثورة في سوريا، وساهمت عبر المال والميليشيات المسلّحة في الحفاظ على مكانه في السلطة، في حين تحوّل ماهر الأسد الى هدف إسرائيلي، لأنه لا يريد تحجيم النفوذ الإيراني ووقف مدّ حزب الله بالعتاد، وهذا ما اتضح في استهداف إسرائيل للفيلا الخاصة به، كنوع من أنواع التهديد بحسب مراقبين.
في المقابل، يرى آخرون أن ما بدأ يظهر علناً هو صراع بين تيار الرئيس وتيار شقيقه، وشبّه أحد المقربين من ماهر ذلك بـ”العلاك المصدي”، وقال إن علاقتهما ممتازة، وأن ما يدور بينهما لا يتعدى حدود لعبة البقاء على الحياة أمام المراقبين حتى تمرّ أزمة المنطقة.
رفع الحصانة عن محمد حمشو
ماهر الأسد، المسؤول عن الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة المدرّعة سيئة الصيت والخاضعة للعقوبات الدولية، حوّل فرقته منذ بداية الثورة لا فقط إلى أداة للقمع والاقتتال مع الفصائل المسلّحة، بل أيضاً إلى “مؤسسة اقتصاديّة”، إذ جنت الواجهات الاقتصادية التي يتصدرها ماهر الأسد مليارات الدولارات.
ناهيك أيضاً، بأن الفرقة الرابعة تُيسّر النشاطات غير المشروعة كافة في سوريا، مثل تهريب النفط والكبتاغون وتبييض الأموال، بعضها يكون بالمشاركة مع حزب الله، إضافة الى خدمات مرافقة/ حماية الشاحنات والإتجار بالخردة وفرض الإتاوات على المعابر والحواجز بحسب اقتصاديين عرب وأجانب.
إقصاء رجال الأعمال التابعين لماهر الأسد خيار متاح لبشار الأسد، لتجفيف منابع التمويل والنفوذ الذي يتمتع به شقيقه، وذلك ليس بجديد على العائلة التي تحكم سوريا منذ السبعينات، فهناك سابقة في العقل الجمعي السوري وموثقة تاريخيّاً، تجلّت في الصراع حول وجهة النظام، الذي دار لسنوات بين والد الرئيس، الراحل حافظ الأسد، وشقيقه رفعت الذي كان يمسك بالملف الأمني.
انتهى الصراع ومحاولة الانقلاب التي قادها رفعت الأسد، بنفي الأخير الى الخارج ووقف نشاطاته الاقتصادية داخل سوريا. ويذكر اقتصاديون أن مغادرة رفعت الأسد تمت بعد صفقة ماليّة بين الأسدين، حصل إثرها رفعت على مبلغ كبير من المال والذهب من خزينة الدولة السوريّة، في حين أن نص محاكمة رفعت الأسد في فرنسا بتهمة التهرب الضريبي يحوي إنكاراً لهذا الادعاء، والتأكيد أن مصدر الأموال هو شيك بقيمة 10 ملايين دولار حصل عليه الأسد من السعوديّة.
كل واجهة من واجهات ماهر الاقتصادية مسؤولة عن قطاع معين في الاقتصاد الموازي في سوريا، بحسب خمسة رجال أعمال سوريين تحدثوا معي بشرط عدم ذكر أسمائهم لكي لا تتضرر مصالحهم المتبقية في سوريا أو عائلاتهم التي بقيت هناك.
كل هؤلاء حالهم كحال الرئيس وزوجته وابنه وماهر وأسرته وفرقته الرابعة والواجهات الاقتصادية لرجال النظام، مدرجون على لائحة العقوبات الأوروبية أو الأميركية أو غيرها.
تسيطر على الاقتصاد غير المشروع لصالح ماهر وفرقته شبكة ذات هرمية إدارية تشكلها حفنة من الرجال المقربين منه، وصولاً الى رجال أعمال مرتبطين بالنظام تُستخدم أسماؤهم للتغطية على استثماراته.
الضحية الأولى لـ”قصقصة أذرع” ماهر الأسد الاقتصادية، كانت رجل الأعمال محمد حمشو المقرب من إيران، وإحدى أهم واجهات ماهر الاقتصادية، والخاضع للعقوبات منذ عام 2011، والذي صوت مجلس الشعب بالإجماع على إسقاط عضويته، بعدما اكتشفت جهة ما تعمل في الخفاء، أنه يحمل الجواز التركي في مخالفة للقانون، ما يعني أيضاً سقوط الحصانة التي يتمتع بها كعضو مجلس شعب.
يمنع المجلس أو المؤسسات السيادية حمشو من الترشح في جولات انتخابية سابقة عدة، ناهيك بأنه سبق وأن تعرض لحملة مشابهة عام 2006، بسبب تصدره المشهد السوري، إذ عمد بشار الأسد إلى تحجيم دوره واسمه، والحجز على بعض الشركات التابعة له ولأخوته.
المفارقة أن هذه الإجراءات لم تُتخذ بحق عدد آخر من نواب مجلس الشعب السوري، ممن اشتروا جوازات سفر جزيرة دومينيكا أو سانت كيتس لكي يستطيعوا التنقل بحرية خارج البلاد بعد الحرب وفتح شركات، بحسب رجال الأعمال.
بعد إسقاط العضوية عن حمشو بيومين، صوت مجلس الشعب على منح الإذن بالملاحقة القانونية بحق عضوي المجلس وكلاهما من “عظام رقبة” شقيق الرئيس، وهما مجاهد إسماعيل رجل الأعمال وخالد الزبيدي.
إعادة ترسيم حدود الفرقة الرابعة
مجاهد إسماعيل قائد الميليشيات التي انبثقت من حزب البعث الحاكم لدعم الفرقة الرابعة خلال الحرب، الميليشيات التي تحمل اسم “كتائب البعث” ارتكبت أفعالاً شنيعة بحق السوريين المعارضين للنظام.
يرتبط اسماعيل بماهر عبر اللواء غسان بلال الذي يشرف على الملفات العسكرية والأمنية في مكتب شقيق الرئيس بحسب مصادر أمنية في سوريا. وأظهرت تحقيقات استقصائية أجنبية الدور الذي يلعبه اللواء في تجارة المخدرات عبر الموانئ السورية، والتي باتت مصدر تمويل رئيسياً للنظام وأزلامه.
يرأس خالد الزبيدي مجلس الأعمال السوري – الجزائري بحسب قرار صادر عن وزير الاقتصاد، وهو مُدرج على لائحة العقوبات الأوروبية، وورد اسمه في إحدى شركاته واستثماراته في الحزمة الأولى من قانون قيصر قبل خمس سنوات، ويقال أإه بديل عن سامر فوز الذي اختفى عن الساحة الاقتصاديّة.
بدأ الزبيدي منذ عام 2018 بتنفيذ مشروع “غراند تاون” السياحي ضمن محيط مدينة المعارض وقصر المؤتمرات على طريق “مطار دمشق الدولي”، إلى جانب استثمارات في مشاريع عمرانية، أطلقت ضمن استراتيجية إعادة الإعمار، أبرزها مدينة “ماروتا سيتي”، التي حسب وسائل إعلام مقربة من النظام بلغت “نسبة التنفيذ في نهاية 2023 أي بعد 12 عاماً على صدور المرسوم 66 الناظم لعمل ماروتا سيتي، حدود الـ30 في المئة”.
مصادر مطلعة على مزاج القصر الرئاسي السوري” أن يستهدف بشار الأسد آخرين من رجال ماهر، من بينهم رجل الأعمال خالد قدور، نجل ناصر قدور، وزير الدولة للشؤون الخارجية الأسبق وصديق العائلة، وصلة وصل محمد حمشو مع شقيق الرئيس، وهو المسؤول عن أعماله.
استطاع قدور مراكمة ملايين الدولارات من خلال احتكار سوق السجائر بعد الحرب عبر استحواذه على وكالات أجنبية وسوق السجائر المحلية. ينتج قدور من معامل أقامها داخل منطقة جبل علي الحرة في إمارة دبي والمطلة على أحد موانئها، أنواعاً رديئة من الدخان تهرّب الى سوريا وتباع للمواطنين بلا رقيب أو حسيب بحسب رجال الأعمال الخمسة.
يتم تهريب السجائر في حاويات بحرية للموانئ السورية أو جواً من خلال طائرات شحن تطفئ أجهزة اللاسلكي لعدم انكشاف أمرها. قدور استطاع استخدام نفوذه مراراً داخل الحكومة للتلاعب بأسعار بيع السجائر ونسب الضرائب المفروضة عليها.
حمشو وقدور و أيمن جابر شاركوا ابن خال الرئيس رامي مخلوف الذي أُخرج من المشهد الاقتصادي قبل أربع سنوات بعد خلاف مع الرئيس، في دعم “القوات الرديفة” التي تم تأسيسها تحت اسم “اللجان الشعبية”، والتي تحوّلت لاحقاً الى ميليشيات “الدفاع الوطني”.
كما ساعد قدور حمشو في محاولة الأخير اختراق صفوف الثورة وفصائلها بريف دمشق عبر تسليم عدد من مقاتلي الجيش الحر للأجهزة الأمنية أو تجهيز كمائن لهم، بحسب من خاضوا هذه التجربة داخلياً.
رئيف القوتلي أيضاً من بين الأسماء المتوقع إخراجها من حلبة ماهر الاقتصادية بحسب المعلومات المتداولة في الأوساط المقربة من الأسد. قوتلي الذي كان يدير ملف تجارة السلع المهربة وسوق الغذائيات أصبح مسؤولاً عن جمع الإتاوات ورسوم العبور على المعابر بين مناطق النظام والمعارضة والعبور إلى لبنان والحواجز الداخلية، من خلال نشر رجاله الذين يجمعون الأموال لصالح الفرقة الرابعة.
في نهاية آذار/ مارس من العام الحالي، شرعن القوتلي عملية جني رسوم العبور للفرقة الرابعة بموجب الإعلان عن رسوم عبور معدلة للسيارات والشاحنات والبضائع على المعابر والحواجز في لوائح أرسلت للتجار وأصحاب المنشآت الاقتصادية والصناعية والزراعية.
وذيلت أسفل صفحة جداول التعرفة الجديدة بـ”مكتب رئيف قوتلي”، وطلب من أي شخص يحتاج الى مساعدة للعبور التواصل عبر أرقام فاكس وهاتف أرضي وآخر خليوي للمكتب وُضعت في إطار. شارك قوتلي أيضا بريده الإلكتروني الخاص ومعلومات صندوق البريد خاصته.
بعدها أصدر تعليمات جديدة معدّلة ضمت نموذجاً لضبط حركة الشاحنات من خلال تعبئة اسم السائق ونوع الشاحنة ورقمها ونوع البضاعة وتاريخ الوصول والمغادرة من الوجه الأخيرة وإليها.
الشاحنات التي تتلاعب بأوزان البضاعة تصادَر لثلاثة شهور أو إذا ثبت أن صاحبها أو سائقها حاول إدخال أغراض لم يصرح عنها. المعابر بين مناطق النظام والمعارضة تعمل من السابعة صباحاً ولغاية الثالثة عصراً.
وعلق رجل أعمال قابلناه على هذه “التعليمات” قائلاً: “وبذلك تكون الفرقة الرابعة قد رسمت حدودها داخل حدود الدولة السورية من خلال شرعنة فرض رسوم غير الرسوم الجمركية التي تتقاضاها الدولة عبر الجمارك”.
ارتفعت الأسعار على اللائحة المعدلة والمكونة من صفحات عدة بالمقارنة مع التعرفة السابقة بحسب مراجعتي للجداول التي حصلت عليها لصالح موقع “درج”.
جاء في القوائم أن رسم العبور الجديد لكل 170 طناً من البرغل الخشن أو الناعم، حُدد بـ 98 مليون ليرة سورية بدلاً من 75 مليون ليرة سورية سابقاً. رسوم عبور كل تنكة زيت زيتون رُفعت الى 240 ألف ليرة بدلاً من 150 ألف ليرة سابقاً.
تولى القوتلي مهمة الجباية على المعابر والحواجز لصالح الفرقة الرابعة من خضر طاهر المعروف بـ” أبو علي خضر” نسبة إلى اسم والده أو “أبو علي جاجة” لأن بدايات عمله كانت في مطعم يبيع الفراريج.
أُبعد خضر طاهر من المسرح الاقتصادي بسبب خلافات مع ماهر وزوجة شقيقه أسماء الأسد التي تدير مع بشار نحو ثلثي الاقتصاد النظامي عبر هرمية إدارية متشابة تعمل من خلال واجهات اقتصادية مكونة من رجال أعمال ظهروا بعد الحرب وغير معروفين لنخب رجال المال والأعمال السابقة.
بدايات طاهر كانت متواضعة، لكنه تحول الى رجل أعمال ثري ومؤثر بحكم قربه من ماهر وبدعم الفرقة الرابعة. فتح شركات عدة منها أمن وحماية ودعاية وإعلان، وسياحة، واحتكار سوق بيع الهواتف الخلوية. صار أيضاً شريكاً في قطاع المعادن وقام بتبييض الأموال القادمة من الترفيق والإتاوات بإشراف رجاله.
مسرحيّة أم تغيير لقواعد اللعبة؟
الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ساهمت ولو مرحلياً بإضعاف حركة “حماس” و”حزب الله” عبر اغتيال غالبية قادتهما العسكريين والسياسيين. وحسنت استدارة الرئيس الأسد صوب روسيا من علاقات دمشق بدول خليجية وأوروبية تسعى الىى المطالبة بتخفيف العقوبات السياسية والاقتصادية التي فرضها على النظام الاتحاد الأوروبي بعد الحرب، إذ أعيد افتتاح السفارة السعودية في دمشق، كذلك إيطاليا التي عينت سفيراً لها في سوريا واعدة باقتراب موعد افتتاح السفارةا.
ستظهر الأيام المقبلة ما إذا كانت حملة بشار الأسد على حاشية ماهر الأسد الاقتصادية حقيقية للضغط عليه لتغيير مساره صوب روسيا أو مسرحية سمجة لإسكات روسيا وإسرائيل وأميركا لحين تبيان معالم شرق أوسط جديد يتشكل على وقع التصعيد العسكري في المنطقة وإضعاف نفوذ إيران وأذرعها.