جوزيف وردان – الناس نيوز:
يبدو أن ما تنبأ به الكاتب الهولندي الدكتور نيقولاوس فان دام، قبل 41عاماً تحقق اليوم، فقد توقع فان دام في كتابه “الصراع على السلطة في سوريا ودور الطائفية والإقليمية والعشائرية” أن أيّ محاولة لإسقاط النظام ستكون دموية للغاية، وهذا ما حصل بالفعل بعد اندلاع الثورة السورية مطلع 2011 للمطالبة بإسقاط النظام.
وقتها انفرد فان دام في كتابه الشهير:”The Struggle for power in Syria” بمناقشة و تحليل مواضيع كانت تُعتبر حينها نوعاً من /التابوه/حيث قدم الكتاب بيانات ومعلومات لتكون مؤهلة لتصبح مرجعاً للسياسيين والدبلوماسيين والباحثين الذين استندوا على معلومات كتاب فان دام التي وُصفت بأنها أكاديمية ودقيقة.
بقي كتاب الصراع على السلطة في سوريا إلى يومنا هذا ضمن دائرة الضوء، بعد مرور زمن طويل على نشره فقد بات من الممكن عمل مقارناتبين وضع حكم البعث سابقاً وحالياً في إدارة سوريا، خاصةً بعد الصراع الدائر حالياً منذ عام 2011 والمستمر إلى الآن.
كانت البداية حين رغب الأكاديمي الهولندي في عام 1970 كتابة أطروحة حول تاريخ وأيديولوجية حزب البعث وكان مهتماً بدور الأقليات في تاريخ حزب البعث حيث سبق أن عمل كمساعد لأستاذه في جامعة أمستردام الذي كتب أطروحة دكتوراه حول “دور الأقليات في الشرق الأوسط”.
هدفت فكرة فان دام في الكتابة عن سوريا ليوضح من خلالها قضية حساسة جداً وهي ” الطائفية والإقليمية والعشائرية “، لأن العديد من المنشورات والكتب التي تحدثت عن تلك المواضيع لم تكن على حياد بل كانت دائماً منحازة إلى فريق ضد الفريق الثاني، فأراد توضيح كيفية استغلال هذه العوامل بهدف تطوير سوريا مع كيفية تصفية هذه الرواسب التقليدية، وقد استفاد من البعثيين السوريين المنفيين إلى العراق في جمع معلوماته وأيضاً من أصدقائه المقيمين في سوريا، والتي نتج عنها أطروحة الدكتوراه الخاصة بالكاتب نيقولاوس فان دام في عام 1977 ، ثم إصداركتابه: الصراع على السلطة في سوريا، الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1979 ( باللغة الإنكليزية)، وأعقبتها طبعات مطولة في 1981 و 1996 و 2011.
وصدرت الطبعات العربية لأول مرة في القاهرة في عامي 1995 و 1996 بعد أن تمت إضافة أربعة فصول جديدة تغطي الفترة بين أعوام 1979-1995 . وتبع ذلك طبعة تركية في عام 2000، وحينها لم يلق فان دام من مسؤولي البعث في سوريا أي مساعدة بل اعتبروا أن موضوع الأقليات هو موضوع محظور، بينما بقيت تلك الدراسة ومن ثم الكتاب تحت الأضواء بسبب استمرار حكم البعث والرئيس حافظ الأسد بحيث بقيت مواضيع الكتاب متجددة ومواكبة.
وبحسب وجهة نظر الكاتب فان دام فإن القيادة العسكرية المثقفة لسوريا حينها كانت ضد الطائفية، بينما كان عليها الاعتماد على أناس عسكريين غير مثقفين، فكانوا أناساً لهم صلات عائلية و إقليمية وعشائرية، حيث لاحظ فان دام أن كل الأقليات في سوريا كانت تتواجد في مناطق جغرافية معينة (تتركز في المناطق والأقاليم)، وبالتالي فعلاقات القُربى وزمالة الدراسة أو المصاهرة هي التي كانت تجمع الناس بعضهم ببعض لتوافر الثقة، ولهذا الرأي فقد انفرد المؤلف حينها بنفي الادعاء القائل: إن سبب العلاقات التي كانت سائدة بسبب الطائفية التي لا دور لها، بينما عزا المعارضون السبب إلى الطائفية.
وأوضح المؤلف أنه كان تحت رقابة الأجهزة الأمنية طيلة فترة مكوثه في سوريا لا بل اكتشفَ لاحقاً أن جميع رسائله إلى أسرته في هولندا قد تم فتحها ومراقبتها من قبل الأمن السوري، ولكنه اعترف بأنهم لم يضايقوه، بل اكتفوا بمنع نشر الكتاب ولكن سرعان ما انتشر الكتاب في سوريا بطريقة غير مباشرة وتم توزيعه بشكل كبير، بينما أرادت بعض الأطراف استغلال القضية لمصلحتهم فوصفت الكتاب بأنه تُعبير عن وجهة نظر الحكومة، رغم أن الكتاب ذكر كيف كان الضباط والحكومة والبعثيون ضد الطائفية، ولكن لأسباب تاريخية اعتمد البعث على عدد كبير من أهل الريف الذي تعيش فيه الأقليات والطوائف أو العشائر عادةً، ورصد الكاتب فان دام توسع دور وحضور حزب البعث بأفكاره الاشتراكية القومية وتغلغله في الريف السوري المكون من أبناء الطبقة الفقيرة الذين يتكونون عادة من أبناء الأقليات الدينية في سوريا، مما استدعى أن تقوم القيادات الحزبية بقبول العديد من الأعضاء دون مراعاة للمعايير الحزبية للبعثي, ولكن هؤلاء أحبوا العلمانية أيضاً.
ألمح فان دام في مقدمة كتابه عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سوريا ثم قدم دراسة عن دور الصراعات والتمايز بين أبناء المدن والطبقة البرجوازية السنية وبين أبناء الريف بما فيهم الأقليات ( العلويون والإسماعيليون والدروز) التي يُرجع فان دام ظهورها في الجيش لعوامل مثل الاستعمار الفرنسي الذي اعتمد على الأقليات لضعف نزعة الاستقلال لديها واستخدام هذه الأقليات في قمع الأكثرية السنيةوأيضاً لضعف الدخل الاقتصادي لأبناء الريف السوري ( الأقليات) مما شكل انتسابهم إلى الجيش هدفاً لتأمين دخل ثابت ومفيد إضافة
إلى ممارسة السلطة والقوة كوسيلة للارتقاء الاجتماعي والانتفاع المادي في حين زاد انحسار انتساب أبناء المدن للجيش والحياة العسكرية غير الآمنة وغير المستقرة ولحظ فان دام في كتابه ظهور فكرة الصراع داخل الجيش وأخذه شكلاً طائفياً بعد انقلاب البعث عام 1963 حيث كان سابقاً الدور الأكبر للضباط السنّة الذين أنهكتهم الصراعات والانقلابات المتتالية بينهم وتسريح الكثيرين منهم بعد انقلاب البعث وظهور صراع جديد داخل الحزب بين كتلة أمين الحافظ السنية وكتلة صلاح جديد المدعومة من ضباط علويين التي فازت بعد انقلاب شباط 1966، إضافة الى شعارات الأحزاب اليسارية كحزب البعث الذي رفع شعار الاشتراكية ومَنح الفلاحين دوراً هاماً ومكانة أكبر في كل المجالات والمناصب.
وأيضا كشف الكاتب في كتابه أن الفريق العسكري لحزب البعث هو الذي أنشأ الفريق المدني للحزب وليس العكس، ولم يكن فريق الحزب المدني هو من حرض على الانقلاب.
ويعزو الكاتب فان دام أن حزب البعث اضطر إلى تنسيب أعداد كبيرة للحزب وإدخالهم إلى مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية وبالتالي ظهر إلى العلن البعد الطائفي العشائري الإقليمي بسبب علاقة القربى أو المعرفة بأعضاء البعث وقتها، كما يذكر الكتاب تصفية وجود الأقليات الأخرى ضمن تشكيلات البعث من الدروز كانقلاب سليم حاطوم وتسريح الضباط السنة من حوران مما أدى إلى تفرد الضباط العلويين في السلطة الذي انتهى بانتصار حافظ الأسد برئاسة الحزب والدولة.
ويطرح كتاب الصراع على السلطة انتشار المحسوبيات والرشوة وفساد السلطة بالإضافة إلى النزعة الطائفية والتي كانت مدار نقد المعارضة التي اعتبرتها سياسة موجهة ومقصودة بغرض استدامة التسلط والفساد المستشري.
ويأتي الكاتب فان دام على ذكر الاغتيالات المتتالية لرموز السلطة والشخصيات العلوية انتهاء بحادثة مدرسة المدفعية في حلب وانتقال الصراع إلى مرحلة جديدة أشد عنفاً ودموية انتهت بمجزرة حماة.
يشار إلى أن نيقولاوس فان دام، حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية عام 1973، وأيضاً دكتوراه ثانية في الآداب عام 1977، وعمل سفيراً لهولندا في تركيا ومصر والعراق وألمانيا وإندونيسيا.
ويتقن فان دام عدة لغات أجنبية كالإنكليزية، والألمانية، والفرنسية، والعربية، والإندونيسية والإسبانية، إلى جانب لغته الأم الهولندية.
وأنهى مؤخرا تأليف كتاب “تدمير وطن… الحرب الأهلية في سوريا” عام 2018، وشغل منصب المبعوث الخاص للمملكة الهولندية في سوريا خلال عامي 2015-2016.
الكتاب بات متوفرا على شبكة الانترنت .