أعلم أن الشعور بالأمان الشخصي والأمان الوطني أحد أهم أنماط الشعور الباعثة على السعادة والباعثة على التفاؤل، وعكس الشعور بالأمان هو الشعور بالخوف. كل إنسان خبر في حياته الفردية آثار الشعور بالخوف على الحياة، قلق وترقب وتوتر وتغير في السلوك. الخوف شعور قاس يبعث على الانزواء والتردد والعيش في الجحيم.
ومصدر الخوف شيوع ثقافة في المجتمع نطلق عليها ثقافة الخوف، الثقافة هنا مأخوذة بوصفها خلفية للسلوك وأساساً له، ولا يحسبنّ أحد أن ثقافة الخوف وقف على سلطة سياسية مخيفة فقط، بل هي محصلة لجملة سلطات تبعث على الخوف.
أنّى اتجهت ثمة ما يخيف، أب يحمل إرث أبوة لا تناقش، معلم يحمل عصاه أمام الأطفال، حارة مليئة بالأوامر والنواهي، مجتمع يرصد حركاتك وسكناتك، سلطة دينية ترصد شكّك وتمردك على كل ما هو مسبق، سلطة إدارية تمارس السادية المطلقة إن أغضبتها، سلطة سياسية لا تكترث بأي حق من حقوق المواطن العربي ولها أقبية وزنازين، ومقاصل، سلطة معروفة مسبقة من أساطير وأوهام الويل لك إن اقتربت منها ناقداً، سلطة خطاب كاذب وزائف والحذر الحذر من أن تبرز كذبه وزيفه، سلطة قيم معنّدة تجاوزها التاريخ، وتجاوزتها النفوس التي لا تطيق العيش خلف القضبان، تحمل سيفها ضد كل من يحاول اختراقها، الجوع يحاصرك من كل مكان يزرع في نفسك الخوف.
سلط الخوف ثقافة الخوف أنى اتجهت فثمة ما يخيف، لكن عليك إن تتذكر دائماً أن لا حرية من ثقافة الخوف إلا بالهجوم على قلاعها، على هياكلها، على حراسها، وليس من سبيل لشن الحرب على ثقافة الخوف إلا بالمغامرة.
المغامرة ثقافة الشجاعة، وشجاعة الوجود أن يكون لديك وجود كما تريده لا كما يريده الأخرون.
لا يتحقق عالم مأمول وأنت غارق في ثقافة الخوف، وتذكر أيها العربي أن سلطة الخوف هي نفسها خائفة منك وإلا لما حشدت كل هذه الجيوش لإخافتك. أجل تخاف منك فأرادت إخافتك منها.
وحين تطمئن هذه السلطات جميعها إلى أنك نائم في حظائر الخوف، تخرج من جحورها مختالة في الهواء الطلق. إن لم تستطع أن تنتصر عليها بالمطلق اعمل على إبقائها في جحورها، أبقها خائفة منك حتى لو كنت خائفاً منها، دعها تعيش في أقبية الأمان حتى تتعفن وتتفسخ، أبقِ عدوك خائفاً منك، دعه يراكم أسلحة لتحقيق أمنه الذي لن يهنأ به طالما أنت موجود وتخاطبه باللاء الواضحة الصارخة.
فالتاريخ في النهاية أنت، لا تاريخ إلا أنت.