ميديا – الناس نيوز :
غيب الموت قبل أيام (7 أغسطس) الفيلسوف المغربي محمد وقيدي عن أربعة وسبعين عاما أمضى معظمها في البحث التأليف والتدريس.
يعتبر وقيدي أحد أبرز من عمل في مجال “الأبستمولوجيا” للقراء العرب. وارتبط اسمه بكتابه “فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار”.
وقد قرّب هذا الكاتب المغاربة والقارئين بالعربية من الأبستمولوجيا، منذ ثمانينيات القرن الماضي، بكتب من بينها على سبيل المثال لا الحصر “ما هي الأبستمولوجيا؟”، وهو الهمّ البحثيّ الذي ظلّ حاضرا في مؤلَّفاتِه المتأخّرة “الأبستمولوجيا التكوينية في فلسفة العلوم”، والأبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجيه”.
وبقي حتى قبيل وفاته أحد الباحثين والفلاسفة الناشطين في مجال المعرفة.
تميّز وقيدي بغزارة في الكتابة، و”كان يكتب بسهولة، كما يقول الأكاديمي سعيد بنسعيد العلوي لموقع هسبريس المغربي، و”كان يكتب بسهولة، ودبّج بين مرحلة السلك الثالث والدكتوراه عددا كبيرا من المقالات والدّراسات التي ستُجمَع وتصير كتبا”.
“مكتبة إبستمولوجية متكاملة”
ويذكر محمد المصباحي، أكاديميّ مفكّر مغربي، أنّ الفقيد محمدا وقيدي قد خلّف “كثيرا من الأعمال الأبستمولوجية، التي يمكن القول إنّه دشّن القول فيها في العالَم العربيّ”، ويزيد: “بالنسبة للمغرب، فقد اهتمّ وقيدي بتاريخه، واهتمّ بإبستمولوجية هذا التاريخ، وأبستمولوجيا الممارسة السياسية”.
ولم يكتف وقيدي بحمل الهمّ الفلسفي النّظري، بل كانت له مجموعة من المؤلّفات عن قضايا المغرب، وتاريخه، ومعيقات النّهضة العربية، ومشاكل العالَم اليوم، ومقالات تُتابع وتُشرّح شؤون المغرب، والعالم العربي، والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والعالم المعاصر.
وفي سنوات عيشه الأخيرة، ظلّ الأكاديمي وقيدي حاضرا محاضِرا، ومتدخّلا، وكاتبا، ومعرّفا بمحطّات حياته الأكاديمية، وإنتاجاته، ومجموعة من المؤلّفات التي أثارت انتباهه في المشهد البحثيّ، ومسار مجموعة من الشخصيات الثقافية البارزة التي عرفها.
كان محمد وقيدي، وفق مقال للأكاديمي المصري محمود عبد الغني، كثير التداول رفقة فلاسفة وأساتذة من جيله، وجلهم درس بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، منهم: محمد سبيلا، عبد السلام بنعبد العالي، سالم يفوت، كمال عبد اللطيف، سالم حميش، علي أومليل… وقد نالوا كلهم شهرة عربية منقطعة النظير، بعد معلمهم الأول محمد عابد الجابري، لأنهم يميلون إلى طريقة في التفكير، والتدريس، والتأليف، قريبة من زمن الفلاسفة الكبار، بفضل ما يمكن أن نسميه سلامة العقل، وسلامة الموهبة والمنهج. كانوا يشكلون حلقة، لكن يمكن تخيل أنهم لا يشكلون دائرة بل محورًا فقط لا محيط له، لذلك أمكن للمحور أن يتسع، ويتمدد، ويتخذ الشكل الذي يريد.
يظهر وقيدي يوما في صورة الفيلسوف الذي لا يستطيع أن يضبط نفسه، دومًا ينزلق انزلاقات لا يستطيع آخرون القيام بها، كأنه شخصية في رواية “الفيلسوف وقشرة الموز”. إنه جوهر له أبعاد كثيرة: اختفاء، تدريس، الكتابة للصحافة، الولوج إلى النوادي، كأس في يد الفيلسوف، ضحك صاخب… إنه “صوت عتيق” عجز الكثيرون عن سماعه.