رفيق قوشحة – الناس نيوز ::
منع نظام الأسد بواجهته حزب البعث في سوريا تثبيت الفكر العلماني في المجتمع المدني ، مع أن الأدبيات العامة للبعث تتضمن بعضاً من الثوابت العلمانية الفكرية، مثل حرية الأديان والاعتقاد وعدم التمييز على الهوية أو الجنس أو العرق أو الدين والمساواة في الحقوق والواجبات .
ولقناعة مفادها أن تجذير الفكر المدني العلماني في الممارسة الاجتماعية المدنية والرسمية في الدولة سوف تقود بالضرورة الى الوصول للمطالبة باعتماد الديمقراطية السياسية والانتخابات الحرة النزيهة وحق تشكيل الأحزاب السياسية، ومن ثم البند الأكثر خطورة وهو ما يتعلق بالتداول السلمي للسلطة بحكم سيادة القانون عندما تتوفر .
جاء انقلاب حافظ الأسد عام 1970 باعتماد صيغة الجبهة الوطنية التقدمية، التي دعي إليها في التأسيس مجموعة من الأحزاب السياسية في مقدمتها الحزب الشيوعي السوري البكداشي ، بضغط من السوفييت الذين أيدوا حينها قيام الجبهة تضامناً وتشجيعا لانقلاب الأسد، كما دعي الدكتور جمال الأتاسي المعارض العروبي الناصري الأبرز للأسد في ذلك الوقت، وقوى أخرى قومية صغيرة وتشكلت الجبهة حينها بغلبة مطلقة للبعث، بحيث لا ينجح أي قرار لا يوافق عليه البعث!
باختصار كانت جبهة مجردة من اي صلاحيات ومسؤولي احزابها يأخذون رواتبهم كل شهر من محاسب القصر الرئاسي ، وهي عبارة عن ” لوحة أسمية ” وفق أدق وصف لأحد الدبلوماسيين الغربيين .
كان جمال الأتاسي لا يخفي معارضته للقيادة الأسدية ، بالرغم من عضويته في قيادة الجبهة ، لكنه انسحب من الجبهة وعاش عمره في سوريا محاصراً وملاحقا، أما أمين عام الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش فاستمر بأوامر سوفييتية في قيادة الجبهة وسرعان ما ساعد ذلك في عزل الحزب الشيوعي السوري عن جماهيره.
في المحصلة نرى أن الأحزاب التي كانت تنادي بقيم التحرر والمساواة والعلمانية في سوريا أصبحت شريكة الأسد ، اليسارية منها ، الاحزاب والقومية ، وبحجة المقاومة تحالفت مع قوى ظلامية كحركة حماس وحزب الله ، وتم تكريس الديكتاتورية الأسدية البعثية أولاً ثم الديكتاتورية العسكرية المنبثقة عن البعث إلى الديكتاتورية الأمنية ثم إلى ديكتاتورية واستبداد العائلة التي وظفت الحزب القائد وجيش البلاد والدولة وأجهزة الأمن، لإدارة طاحونة فساد إداري ودولاتي ومالي مافيوية أكلت الدولة والمجتمع السوري والكرامة الإنسانية للشعب
مئات الألوف من أبناء الطائفة العلوية تم إقناعهم بشتى الوسائل بأن مصلحتهم المعيشية والحياتية المباشرة هي مع النظام، وفقط مع هذا النظام وأن سقوط النظام يوماً ما يعني تعرض أبناء هذه الطائفة للتصفية الجماعية من قبل أبناء الطائفة السنية تحديداً، أي تم تغذية مشاعر العداء الطائفي والكراهية داخل الطائفة العلوية تجاه الأغلبية الأكبر من الشعب السوري الذين ينتمون إلى الطائفة السنية، وبدلا من العمل على تثبيت القيم العلمانية اللادينية ، والقيم الوطنية ، فإن ما فعله الأسد هو تحشيد الاستقطابات الاجتماعية على أساس طائفي بدأه في طائفته، الطائفة العلوية.
ثم انتقل لإقناع أبناء بقية الطوائف (الدروز والإسماعيليين)، وكذلك جرى الأمر مع مجمل الطوائف المسيحية التي جرى استقطاب رؤساء الكنائس فيها بشكل مباشر نحو موالاة كاملة للنظام سياسياً وأمنياً واقتصاديا ًواجتماعياً .
وهذا ترك أثراً كبيراً في رعايا الكنائس المسيحية الذين تم جرهم إلى هذا التحالف الكنسي السلطوي غير المقدس، وبالطبع فإن هذا لم يمنع وجود شرائح واسعة من المجتمع المسيحي والإسماعيلي والدرزي والعلوي، حتى من المعارضين للنظام ضمناً بغض النظر عن موقف أرباب طوائفهم، ولكنها كانت معارضات فردية أو ضيقة اجتماعياً بحيث لم تترك أثراً سياسياً يذكر، ولكنها كانت أكثر ميلاً إلى أن تكون معارضات علمانية أو يسارية ، مدنية ، بنسب وأشكال مختلفة في كل المجتمع السوري.
إن البؤس الطائفي العنصري الذي تعيشه سوريا بنسبة معينة الآن، هو المحصلة الطبيعية والنتيجة للممارسة السياسية العنصرية والطائفية لنظام البعث في منع الفكر الوطني المدني والعلماني المتسامح والمحايد تجاه الأديان، من التجذر في المجتمع السوري والدولة السورية.
ساهم ذلك بتمزيق المجتمع السوري طائفياً بطريقة ممنهجة ، كانت الأفضل لخدمة اسرائيل التي دعمت النظام بصمت لانه يؤدي لها أفضل وظيفة في تدمير المجتمع السوري …
أستمر نظام الأسد في نهجه هذا من خلال واجهته حزب البعث وكرس تحشيد السوريين وراء عشائرهم وطوائفهم ومذاهبهم، وخلف رجال الدين المتخلفين .
رمى حزب البعث إلى الوراء نحو مستنقع تنهشه الطائفية المقنعة والتعصب والفساد ، مجتمع ممزق كي يتمكن الأسد من حكمه .