الناس نيوز – حسام حميدي
“لا أحد يرغب في أن يسرق تعبه، ولكن للضرورة أحكام”، هكذا يبرر “رامي” الشاب السوري اللاجئ في ألمانيا، اتجاهه للعمل غير القانوني في ألمانيا والتهرب من الضرائب، لافتاً إلى أن حاجته الماسة للمال هي من أوقعته في شرك ذلك النوع من العمل، خاصةً لكونه المعيل الوحيد لعائلته المقيمة في لبنان.
يضيف “رامي”: “والدي ووالدتي وشقيقي، ثلاثتهم يقيمون في لبنان، ولا يملكون أي دخل لينفقوا على معيشتهم، صحيح أن الحكومة هنا تؤمن لي مساعدة مالية، ولكنها لا تكفي كي أسد بها نفقاتي وأرسل ما يُمَّكن أهلي من تدبر حياتهم”، مشيراً إلى أن كل العالم يشاهد ما يحدث في لبنان والأزمة الاقتصادية وحالة الفقر هناك.
الضرورات لا تبيح المحظورات
الحديث عن العمل غير القانوني في ألمانيا، أو ما يعرف بالعمل الأسود، كثيراً ما يرتبط بالطمع والرغبة بجني المزيد من المال، وهو ما يرفضه “رامي”، خلال حديثه لجريدة “الناس نيوز ” الاسترالية الالكترونية ، مشدداً على أنه كان يرغب في إجراء تدريب مهني في مجال ميكانيك السيارات، والبحث عن عمل قانوني، إلا أن حاجة عائلته الماسة للمال أجبرته على سلوك أقصر الطرق، المتمثلة بالعمل غير القانوني.
وتمنح الحكومة الألمانية اللاجئين المقيمين على أراضيها، مساعدات مالية نقدية شهرية تصل إلى 430 يورو للشخص الواحد، يضاف إليها البدل الشهري لإيجار المنزل وتكاليف التأمين الصحي والمعاش التقاعدي ، بحيث يتجاوز المبلغ 1100 يورو (التفاصيل تشير الى ان الحكومة تدفع للذين دخلهم نحو 850 يورو حتى يصل المبلغ نحو 1100 ) يورو .
ويبرر “رامي” ووضع عائلته بالوضع الانساني ، إلا أنه قوبل برفض مسؤولة العمل السابقة في إحدى المؤسسات المهتمة باللاجئين، “رزان عوض”، التي أكدت بأن فرص العمل القانوني منتشرة في كافة أنحاء ألمانيا، وأن الحكومة الألمانية تبقي على جانب من المساعدات في حال كان دخل العمل منحفضاً، مضيفةً: “حتى لو سلمنا بالحالة الإنسانية، التي يتحدث عنها الشاب رامي، فإن هذا لا يعني أن الضرورات تبيح المحظورات”.
بحسب القانون الألماني، فإن الحكومة تكون ملزمة بدفع جانب من المساعدات للاجئ بحال أن عمله لا يكفي للحد الأدنى للمعيشة في ألمانيا، والذي يختلف بحسب عدد أفراد الأسرة، عن طريق ما يعرف بمساعدة السكن أو الأموال الخاصة بالأطفال ورعايتهم.
إصابات عمل وحقوق ضائعة
الحديث عن العمل غير القانوني، يعني الحديث عن جملة من الانتهاكات لحقوق العاملين فيه، كما يصفها الشاب، “محمد”، الذي سبق له وأن خاض تجربة العمل الأسود في أحد مطاعم مدينته، لافتاً إلى أنه ونتيجة المواد، المستخدمة في التنظيف وتعقيم الطعام أصيب بعد فترة قصيرة من العمل بمرض جلدي، طُرِدَ على إثره من العمل دون أي تعويضات أو حقوق، على حد قوله، مضيفاً: “صحيح أن رب العمل أعطاني الاتفاق المالي بيننا إلا أنه حرمني من حقوق إصابة العمل”.
في هذا السياق، يوضح المستشار القانوني، “باسم سالم” أن القانون الأوروبي عموماً، يمكن العامل من تقديم شكوى على رب العمل، سواء أكان العمل قانونياً أو غير قانوني، وبكلا الحالتين في حال تم إثبات أن الإصابة تمت في مكان العمل فإن التعويض قد يصل إلى 100 ألف يورو، لافتاً إلى وجود بعض التبعات القانونية التي ستطارد العامل أيضاً .
الجانب الثاني من الانتهاكات، التي يتعرض لها العاملون غير القانونيين في أوروبا، يعبر عنه الشاب، “رائد”، من خلال عمليات النصب، التي يتعرضون لها وظروف العمل التي وصفها بالأقرب إلى العبودية، مؤكداً أنه عمل في إحدى ورشات البناء دون عقد، لمدة ثلاثة أشهر متتالية، إلا أنه لم يحصل إلا على ثلث المبلغ المتفق عليه، لافتاً إلى أن صاحب العمل امتنع عن تسديد بقية المستحقات، التي بلغت 2200 يورو بحسب الاتفاق الشفهي بينهما.
هنا تضيف، المسؤولة السابقة في مجال مساعدة وتوظيف اللاجئين، “رزان عوض” أن مسألة النصب والاحتيال من قبل أرباب العمل، تمتد أيضاً إلى الأجر الذي يتقاضاه العامل في الساعة، لافتة إلى أن ساعة العامل في العقود النظامية لا تقل في مجملها عن 11 يورو للساعة، في حين أن ساعة العمل دون عقد، قد تصل إلى 3 يوروهات أو 5 يوروهات، بحسب طبيعة العمل المطلوب.
وتشير بيانات تقرير المعهد الألماني لحقوق الإنسان، إلى أن معظم حالات العمل الأسود التي تم ضبطها خلال السنوات الماضية، كانت في قطاعات المطاعم والخدمات والإنشاءات.
حالة إجماع وظروف متشابهة
على اختلاف قصص اللاجئين الثلاث، إلا أنها تقاطعت في نقاط عدة من ناحية الظروف العامة، التي دفعتهم إلى العمل غير القانوني، كعدم إتقان اللغة، وعدم معرفتهم بطرق البحث عن العمل في المؤسسات الألمانية، وهو ما ترد عليه “العوض” باعتباره مجرد مبررات، موضحةً: “اللغة لا تشكل عائقاً أمام العمل، فالكثير من المهن التي يعمل بها اللاجئون أو غيرهم ضمن نطاق العمل غير القانوني، هي مهن لا تحتاج مستويات لغة عالية، كالعمل في المطاعم أو قطاع الخدمات، كما أن هناك الكثير من المؤسسات الألمانية المختصة بمساعدة الباحثين عن عمل، وإيجاد الفرص المناسبة لهم، خاصةً وأن سوق العمل الألماني مفتوح بشكل واسع”.
بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة نهاية 2019، فقد حصل نحو 430 ألف لاجئ في ألمانيا خلال السنوات الأربع الأخيرة على فرص عمل، بينهم أكثر من 40 ألفاً من المتدربين، في حين لا تزال السوق الألمانية بحاجة إلى 250 ألف عامل
بلغة القانون، هو سارق
بعيداً عن الاقتصاد والعقوبات المالية ، يوضح المستشار القانوني “السالم” إلى أن خطورة ممارسة العمل غير القانوني في أوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً، على مستقبل اللاجئ فيها، تتمثل في ان القانون ينظر للعامل بالأسود، على أنه “سارق” لأموال الحكومة ، اي الاموال العامة .
كما يشير “السالم” إلى أن القانون الأوروبي يميز بين حالتين من العقوبات في هذه القضية، الأولى إذ كان العامل لاجئاً ويتلقى الأموال من المساعدات الاجتماعية فإنه سيعاقب بإعادة كافة أموال المساعدات، التي تلقاها خلال فترة عمله، إلى جانب التاثير القانوني على مسألة حصوله على الإقامة الدائمة أو الجنسية، لافتاً إلى أنه في هذه الحال لا يتعرض للسجن أو الترحيل.
أما الحالة الثانية، التي يتحدث عنها “السالم”، فهي بالنسبة لمن لا يحمل أوراقاً أوروبية ولا تصريح إقامة، وهنا يلفت المستشار القانوني إلى أنه سيتم ترحيل العامل فوراً إلى بلده، مضيفاً: “قد تختلف الأمور قليلاً في هذه الحالة، ففي حال أثبت العامل غير القانوني أنه عمل لمدة 24 شهراً وتقاضى أموالاً عنها ولم ينل أي مساعدات من الحكومة، فقد يحصل على تصريح إقامة بحسب قانون بعض الدول، التي تأخذ في بعض الأحيان اعتباراتٍ إنسانية لهذه الشريحة من المهاجرين، وهذا كله يتوقف على قوة المحامي ومعرفته بالقانون”.
كما تذهب “رزان عوض” إلى التأكيد في ختام حديثها إلى أن العمل دون عقود يفقد العامل الكثير من الحقوق الأخرى، بينها الحصول على قروض قد تصل إلى 50 ألف يورو، بالإضافة إلى إمكانية شراء منزل عبر الأقساط البنكية، وغيرها من الامتيازات المتعلقة بسرعة الحصول على الإقامة الدائمة في ألمانيا أو الجنسية الألمانية، التي تشترط وجود عمل للحصول عليها.