ميشيل سيروب – الناس نيوز :
تنازعت السودان منذ عام 1899 على اتجاهين مختلفين: أعوان الخديوية في مصر من جهة أولى، وأنصار الإنكليز من جهة أخرى، لكن مياه النيل جرت بعيداً عن رغبة المُتصارعَين. ساد الحكم الثنائي: الإنكليزي- المصري على السودان قرابة نصف قرن. لقد نجحتْ الأحزاب الطائفية بقيادة استقلال السودان: حزب الأمة ومن خلفه الأنصار، وحزب الأشقاء المدعوم من الطريقة الختمية.
في عام 1956تكللتْ نضالات الشعب السوداني بنيل الاستقلال، منذ الأيام الأولى واجه السودان تحديات داخلية وإقليمية. بالرغم من هتاف المحتجين”إلى الثكنات يا حشرات”ص13. اِستولى العسكر على الحكم في العاصمة، ورفعوا شعارات تقدمية أخذت البلاد إلى مصير مجهول لغاية اليوم. الرواية إدانة للعسكر والاِنقلابات المتتالية في السودان.
تتحدث القرية عن مذابح السلطة الجديدة:” دكَّ الطيران جزيرة “أبا” على النيل الأبيض جنوب العاصمة، قُتل إمام أنصار المهدي، تَوحَّشَ النظام”.
يستعرض حمور زيادة في روايته”الغرق” قرن من الزمن من حياة السودانيين، الملكية الزراعية، الزواج، الثأر، الجنس خارج بيت الزوجية، الصراعات القبليَة، والولاء للسلطة المركزية والعسكر.
ام يكن اِنتزاع الولاء سهلاً في السودان بعد الاِنقلابات. نحنُ عُمد حجر نارتي-يقول الحاج بشير- منذ التركية، بيت الناير أقدم من كل سلطة في الخرطوم، بل هم شيوخ وحكام حتى قبل الإنكليز. هل إرسال برقيات التأييد حل منطقي للولاء؟ لا أحد يستطيع أن يكف بلاء العسكر، لا شيء يُرضي العسكر إلا الولاء المطلق. في ظل حكم العسكر يبدو المشهد مأساوياً” جنازة لا يعرف أحد من أين أتت، ومصير مجهول لبلد…يا لها من أيام”ص131.
المعمار الروائي لدى حمور زيادة نابض بالحياة لا يفوته صخب العلاقات الودية والسهرات على ضفاف النيل وقصص الغرق. الزمن والبيئة عنصران يتناوبان للإفصاح عن سحر اللغة وعن بطولات السودان ضد الطليان على أرض إريتيريا في معركة 1940. في الوقت الذي تخاذل فيه الإنكليز وتراجعوا أمام قوات الدوتشي، أبلى السودانيون بلاءً حسناً وهزموا الطليان، ليمتلئ سماء السودان بالزغاريد.
في الرواية فصل عن السادية** كتعويض عن المسكوت عنه، وكتجسيد للعنف الناظم للعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة أو مع طرف آخر لتحرير الألم من تراكمات تسعى للاِنعِتاق من فوضى الحواس”كانت البداية متعثرة، محمد الحسن كان مُتوتراً قلقا. بينما الغافية رابطة الجأش تُدير كل شيء باقتدار. ساعدتْهُ على جلد الغجرية. بل حملتْ عنه السوط وجلدتْها عنه مرات. داعبته وهو يركل بهية بقسوة. نهرتها تأمرها أن تتوجع بصوتٍ. أجبرتها على الصراخ.”ص161.
يتخلل الرواية قصة حُب بين سكينة وبشير. سكينة التي لم تشهد البلاد أجمل منها مُنذ قرن. تتزوج من الضابط بابكر ساتي ومن مُصادفات القدر يموت الزوج بعد أربع سنوات عجاف في حياة بشير، لكنه لا ييأس، ينتصر الحُب على العواء بين القبائل، ويقترب الحلم من التحقق، تَصدُق نبوءة القمر، أخيراً، يُكللُ الحب بالنجاح ضد الأسرتين المُتخاصمتين… ويُزهر الليمون.
يُناصر الروائي النساء ويُنصفهن ويرى بأن جزع النساء على أطفالهن أكبر وأصدق من جزع الرجال. تنتظر الأم فاطمة جثة ابنتها سُعاد عشرين عاماً على ضفاف النيل ، بينما كل ما يُشغلُ الرجل توزيع الأرض والانشغال بالميراث وترميم الخصومات القبلية.
ليالي العُرس في السودان، ليالي سرور تتجاوز القيود. لذلك يُحب الأهالي ذكرها بصيغة”اللعب”. لكن مع طلوع النهار يعود كل شيء إلى أصله. يرجع التحفظ إلى مكانه. والمجاملات إلى حيثُ تنتمي. وتمشي الحكايات يحملها النيل والونس سراً.
*حمور زيادة من مواليد الخرطوم عام 1977 صحفي وكاتب سوداني، رئيس القسم الثقافي لصحيفة”الأخبار” السودانية. كتب حمور زيادة مجموعة قصصية “سيرة أم درمان” ورواية “الكونج” عام 2010 ومجموعة قصصية في عام 2014″النوم عند قدمي الجبل”. فاز بجائزة نجيب محفوظ للأدب عن روايته”شوق الدراويش عام 2014، كما رُشحتْ الرواية لجائزة البوكر العربية عام 2015. رواية الغرق صادرة عن دار العين في القاهرة. صدرتْ لأول مرة عام 2018.
**ماركيز دي ساد(1740-1814)أرستقراطي ثوري وروائي فرنسي من دُعاة السعي للمتعة الشخصية المُطلقة من دون قيود أخلاقية أو دينية. مفهوم السادية مُرادف للعنف والألم والدموية.