تونس – القاهرة – الرياض عواصم – الناس نيوز ::
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تجد عائلات كثيرة نفسها عاجزة عن توفير كلفة موائد الإفطار الغنية بأطباقها، بعدما فاقم غزو روسيا لأوكرانيا أزمات الغذاء الموجودة أساساً في دول عدة في المنطقة العربية وغيرها ورفع أسعار منتجات وسلع رئيسية.
من تونس حتى الصومال، يكافح السكان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل تأمين قوتهم اليومي والحدّ الأدنى من احتياجاتهم الأساسية على وقع أزمات اقتصادية أو نزاعات تلقي بثقلها على يومياتهم. وزاد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود في الأسابيع الأخيرة الوضع سوءاً مع اقتراب شهر رمضان.
وتقول صباح فطوم (45 عاما)، الفلسطينية المقيمة في تل الهوى في غرب قطاع غزة لوكالة فرانس برس، “يؤثر غلاء الأسعار على الناس ويُفسد أجواء رمضان”.
وتسأل “كيف سيعدّ الصائمون مائدة رمضان؟ فالطحين والخبز ارتفع ثمنهما، وكلفة زيت الطهي والسكر والحلويات مرتفعة”.
وارتفعت الأسعار، وفق السلطات في القطاع، بنسبة تصل حتى 11 في المئة، ما جعل السكان يشعرون “بحالة من الإحباط” قبيل رمضان، على ما يقول مدير الجمعية الزراعية للحوم والدواجن في قطاع غزة ماجد جرادة.
وتوفّر روسيا وأوكرانيا نحو ثلاثين في المئة من صادرات القمح عالميا. وبعد الغزو، ارتفعت أسعار الحبوب وزيوت دوار الشمس والذرة، وأوكرانيا هي المصدّرة الأولى للأول، والرابعة للثاني، عالميا. كما ارتفعت أسعار النفط والغاز بشكل حاد وبلغت مستويات لم تعهدها منذ أعوام، نظراً لدور روسيا الوازن في مجال الطاقة.
وحذّرت منظمات دولية من تداعيات الغزو على صعيد نظام الغذاء العالمي والجوع. ودقّ صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر، مشدداً على أنّ النزاع في أوكرانيا سيعني “مجاعة في إفريقيا”.
وتبدو تداعيات ذلك واضحة في دول تشهد نزاعات على رأسها اليمن، البلد العربي الأكثر فقراً والذي أسفرت حرب تمزّقه منذ العام 2014 عن واحدة من أسوأ الازمات الإنسانية في العالم.
وتنتج أوكرانيا نحو ثلث إمدادات القمح إلى اليمن، ما يثير خشية من اتساع هوة الجوع في بلد ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف منذ العام الماضي، وفق الأمم المتحدة، وباتت غالبية السكان، بطريقة أو بأخرى، غير قادرين على إعالة أنفسهم.
ويقول محسن صالح (43 عاماً) المقيم في صنعاء لفرانس برس، إن السكان اعتادوا ارتفاع الأسعار قبل رمضان، “لكن هذه السنة ارتفعت بشكل جنوني والناس لم يعودوا قادرين على التحمّل”.
ويضيف “هناك وضع اقتصادي صعب جداً. معظم الناس في اليمن فقراء لا يجدون قوت يومهم”.
– “وجبة واحدة” –
في سوريا حيث دخل النزاع عامه الحادي عشر، لا يبدو الوضع أفضل بينما يعاني قرابة ستين في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
وعلى وقع الحرب في أوكرانيا، باتت بعض المواد التموينية شبه مفقودة لا سيما زيت الطهي الذي تضاعف ثمنه. وتزعم حكومة النظام في سورية التي تعتمد على حليفتها روسيا في توفير القمح، إنها تقنن توزيع سلع محددة خصوصاً الطحين والسكر وسط خشية من شحهما.
وتقول ربّة المنزل باسمة شباني (62 عاماً) لفرانس برس من دمشق “اعتقدتُ أن مائدتنا الرمضانية في السنة الماضية ستكون الأفقر على الإطلاق، لكن يبدو أن هذه السنة سوف نشطب أصنافا إضافية من مائدتنا اليومية”.
وتتابع “ليس باستطاعتنا توفير أكثر من وجبة واحدة في اليوم، وأخشى أن نعجز في المستقبل عن تأمينها حتى”.
في تونس، وعلى غرار عادتها كل عام، استبقت الجمعيات الخيرية شهر رمضان ببدء جمع التبرّعات للعائلات الفقيرة، عبر نشر متطوعين أمام المحال التجارية مع قوائم بالمواد الغذائية الأساسية المطلوبة.
لكنّ وتيرة جمع التبرعات مختلفة هذا العام، على وقع تدهور الوضع الاقتصادي وانخفاض القدرة الشرائية وتسجيل نقص في العديد من المواد الغذائية الأساسية كالأرز والسكر والدقيق خلال الأسابيع الأخيرة.
ويقول محمّد مالك (20 عاماً)، وهو طالب يتطوع منذ سنوات لجمع المساعدات، لفرانس برس “عادة تمتلئ عربة التسوّق بعد ساعة، لكن الحال مختلف هذا العام”، مشيرا الى أن بعض الأشخاص “يقولون لنا +دعونا نجد ما نحتاجه أولاً+”.
في لبنان، اعتادت المنظمات الخيرية تكثيف مساعداتها للمحتاجين خلال شهر رمضان، لكن الأزمة الاقتصادية التي تغرق بها البلاد قلبت الوضع رأساً على عقب، خصوصاً بعدما بات ثمانون في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وبينما يصعب العثور على الدقيق في المحال التجارية وتندر أصناف زيت الطهي المتوفرة، تسجل أسعار الخضار ارتفاعاً غير مسبوق بات معه إعداد الفتوش، وهو سلطة أساسية على مائدة رمضان، ترفاً لا يقوى كثر على تحمّله.
ويرى مدير منظمة “كاير انترناشونال” بوجار خوجة أن “التضامن المتين” المعتاد خلال رمضان “قيد الاختبار” هذا العام.
ويوضح لفرانس برس أن “التضخّم المفرط وارتفاع أسعار المواد الغذائية” سيجعلان شهر رمضان الذي تنتظره عائلات كثيرة بمثابة “تحدّ”، إذ “سيكافح كثر من أجل إحضار وجبات الإفطار إلى المائدة”.
– “مشكلة كبيرة” –
في مصر، وللمرة الأولى منذ توليه السلطة، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بتسعير الخبز غير المدعوم، بعدما ارتفع ثمنه بأكثر من خمسين في المئة منذ بدء الغزو الروسي. وفقدت العملة المحلية 17 في المئة من قيمتها خلال الشهر الحالي، علماً أن مصر تُُعدّ مستورداً رئيسياً للقمح من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وتقول أم بدرية، وهي بائعة خضار متجولة في غرب القاهرة، لفرانس برس، “من اعتاد شراء ثلاثة كيلوغرامات من الخضار، بات يشتري كيلوغراماً واحداً”.
أما في الصومال التي تشهد أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً، مع استجابة دولية خجولة للاحتياجات بسبب أزمات أخرى آخرها الحرب في أوكرانيا، يبدو المشهد الرمضاني قاتماً. ويتسبّب ارتفاع الأسعار بانخفاض القدرة الشرائية للسكان البالغ عددهم 15 مليوناً.
وتقول عدلا نور المقيمة في مقديشو لفرانس برس “سيكون رمضان مختلفاً للغاية”.
حتى في المملكة العربية السعودية، الدولة النفطية الغنية، يشعر بعض السكان بالضيق جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ويقول أحمد الأسد (38 عاماً)، وهو موظف في القطاع الخاص، “ارتفعت أسعار كل شيء مؤخراً. في كل مرة أدفع عشرين أو ثلاثين ريال إضافية على السلعة ذاتها”.
واستبقت قطر، الدولة الخليجية الثرية، بدء شهر رمضان بإقدام وزارة التجارة والصناعة على تخفيض ثمن أكثر من 800 سلعة استهلاكية أساسية، في مبادرة تستمر حتى نهاية الشهر المبارك.