د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز ::
يرى بعض المحللين أن جذور الفقر موجودة غالباً في الهياكل والبنى والمؤسسات الاجتماعية التي تستبعد الفقراء. ويتم هذا الاستبعاد الاجتماعي، من خلال عدم المساواة في التنمية البشرية التي تضر بالمجتمعات، إذ تقوض التماسك الاجتماعي، وتزعزع ثقة الناس بالحكومات وبالمؤسسات، وعندما يضيق الناس ذرعاً، ينزلون إلى الشارع (1).
في اليمن كان الفقر مستوطناً، زادته الحرب حدة ومأساوية. فريق من خبراء صندوق النقد الدولي أعد تقريراً عن آفاق التحديات السياسية والاقتصادية في اليمن 2021، خلاصته أن الحرب في اليمن على مدار الأعوام الماضية تسببت في تعويق الاقتصاد، وتقسيم البلاد وانهيار منظومة البنية التحتية من كهرباء ومياه وموانئ واتصالات، وتدهور التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وجاءت جائحة كوفيد 19 لتفاقم تلك الأزمات.
وتقلصت هبات المانحين، ونفذت احتياطات النقد الأجنبي (2).
الحرب في اليمن أدت إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 70 في المئة خلال الفترة 2014-2019، وقدرت الخسائر في الناتج المحلي بحوالي 93 مليار دولار، ارتفعت إلى 126 مليار دولار في عام 2020.(3)
أدت الحرب إلى تراجع الموارد المحلية في اليمن وانقسام الإدارة المالية، وتراجع إيرادات الضرائب، كما توقف إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتم تجميد البرنامج الاستثماري، ولم تعد هناك موازنة عامة ولا برنامج عام للحكومات اليمنية.
أدت الحرب إلى تعرض سعر الصرف لصدمات وتقلبات عنيفة، أفضت إلى فقدان العملة الوطنية (الريال اليمني) قوتها الشرائية، وبلغ معدل التدهور 500 في المئة مقارنة بالعام 2014، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. وانعدم الأمن الغذائي. وشارفت البلاد الوصول إلى مجاعة محققة.
تراجع اليمن في مؤشرات تقرير التنمية البشرية، وبات تصنيف اليمن ضمن فئة التنمية البشرية المنخفضة ضمن أدنى 10 دول في العالم، في المرتبة 179 من أصل 189 دولة عام 2020.(4)
وتفاقمت الأزمة الإنسانية، وتزايد العوز لدى شريحة واسعة من السكان تقدر ب 24.1 مليون شخص تحت خط الفقر. واتخذت الأزمة الإنسانية في اليمن أبعاداً مختلفة، فمن ناحية هناك 4 مليون شخص نازح داخلياً، و 2 مليون نازح خارجيا. وارتفاع معدلات الفقر من 48.5 في المئة من حجم السكان عام 2014 لتصل إلى 80 في المئة عام 2016.
المانحون يشترطون شفافية أكثر، وآليات أكثر صرامة في مكافحة الفساد لتحصل الحكومة اليمنية على مساعدات إضافية لإجراء إصلاحات اقتصادية. في الوقت الذي تجابه الحكومة تحديات داخلية أولها عدم الاستقرار السياسي الذي أثر على هيبة قرار الحكومة، ثانيها تغول الفساد في مفاصل الدولة الاقتصادية، أنشأت مراكز نفوذ مرتبطة بقوى سياسية حزبية أو مناطقية. أطرافاً يمنية عدة وجدت مصالحها في وضع اللادولة، ولا تريد أن يكون للحكومة دوراً قوياً، وترى في استعادة هذا الدور ما يتعارض مع شبكة مصالح كبيرة أنشأت وتضخمت في سنوات الحرب.
لا أجد هنا كلمات للاستدلال على معاناة البسطاء في اليمن أبلغ من كلمات قالها د. معين عبد الملك رئيس الحكومة اليمنية في لقاء أجرته معه قناة الشرق منذ أيام. “التحديات صعبة، والإحباط لدى المواطنين لأنهم لم يروا تحسناً في معيشتهم، نحن لا نتكلم عن إنجازات كبيرة. البلد في حالة حرب لنكن واقعيين. أقصى طموحات الناس بسيطة فيما يتعلق بتحسين الخدمات. في إشكالية الغاز المنزلي، في إشكالية الوقود. صمود اليمنيين خلال هذه السنوات صمود أسطوري”.
1- البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. دليل التنمية البشرية 2019.ص.13
2- تقرير فريق خبراء صندوق النقد الدولي. واشنطن. 2021.
3- دراسة أعدها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. 2021.
4- البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. دليل التنمية البشرية 2020. ص.30