بيروت – الناس نيوز
ترك الفنان والمعمار العراقي رفعة الجادرجي وصية يطلب فيها بإحراق جثمانه بعد وفاته. وقال الجادرجي “كتبت وصيتي وهي في إنكلترا، أريد أن أحرق، لا أدفن، كي لا أدنّس الأرض”.
وسبق للفنان المعماري الأشهر أن قرر وزوجته الامتناع علن الإنجاب، لأنه كما قال مرة، “أنا وزوجتي قررنا ألا ننجب أطفالاً لأن البشر يخرّبون الأرض”.
توفي عرّاب العمارة العراقية والعربية الحديثة رفعت الجادرجي مساء الجمعة في العاصمة البريطانية لندن عن 94 عاما بعد إصابته بفيروس كورونا.
اشتهر الجادرجي بتصميم بعض المباني الأكثر شهرة في العراق، بما في ذلك المشاركة في تصميم قاعدة “نصب الحرية” العريق الذي صار رمزا في وسط العاصمة وسمّيت ساحته باسمه، وصارت مركزا للاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة.
وتوفي الجادرجي في لندن في 12 أبريل الحالي عن عمر يناهز 94 عاما، بعد إصابته بفيروس كورونا.
ونعى كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، الجادرجي السبت.
وقال صالح في تغريدة على تويتر إنه “بوفاة الجادرجي يفقد فن العمارة في العراق والعالم رئته الحديثة التي تنفست حداثة وجمالا”.
وحازت وصية الجادرجي باهتمام وسائل الاعلام فحسب وعدد المثقفين أو الفنانين. وكتب الفنان التشكيلي العراقي محمود شوبر، في صفحته على فيسبوك، “أغلب الظن ان ما أكتبه الآن سوف يزعج الكثيرين، وكذلك سيجعلني في نظرهم في الدرك الاسفل من التخلف ومخالفة التقدمية بالطروحات والثقافة المعاصرة التي تستوجب مسايرة كل الأمزجة والآراء وحتى ما كان منها عفناً ومسموماً”.
ونقلت جريدة المدن الإلكترونية عن شوبير قوله إن قول الجادرجي قد صدمه. “تسمرت وقتها أمام شاشة التلفاز مسائلاً نفسي أسئلة كثيرة، هل إن مرحلة الوعي التي أملكها لا تؤهلني أن أكون في مصاف تفكير هؤلاء الكبار! أم أن النصف الإيماني الذي بداخلي يقيدني ان اتوصل لهكذا حقائق عظيمة، ام ماذا؟”
وقال الكاتب والطبيب الأردني محمد حجيري إن من حق شوبير أن يكون له رأيه، كما أن من حق الجاردجي وصيته وتفكراته ومعتقداته وهي تخصّه وحده، ووصيته مجرد تفصيل لا ينبغي التوقّف كثيراً عندها في مقابل إنجازاته المعمارية الجديرة بالاهتمام، وكتبه الغنية التي تستحق أكثر من دراسة… هذا لا يمنع السؤال: لماذا يوصي بعض المثقفين والسياسيين والفنانين بحرق جثامينهم؟ لنقل أن الجادرجي قال إنه لا يؤمن بالدفن، فماذا عن غيره؟
اشتهر الجادرجي بتصميم بعض المباني الأكثر شهرة في العراق، بما في ذلك المشاركة في تصميم قاعدة “نصب الحرية” العريق الذي صار رمزا في وسط العاصمة وسمّيت ساحته باسمه، وصارت مركزا للاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة.
الجادرجي
ولد الجادرجي في بغداد عم 1926، وهو نجل السياسي كامل الجادرجي (1897-1968) الذي كان له دور محوري في الحياة السياسية العراقية إبّان العهد الملكي، وفي تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي المعارض.
وصفت المعمارية الفرنسية، سيسيليا بييري، الجادرجي بأنه “أحد عمالقة العراق في القرن العشرين””السياسي، ونشره في عدة كتب. أكمل دراسته في مدرسة هامر سميث للحرف والفنون، البريطانية، وعاد ليعمل في مكتب استشاري للعمارة أنشأه في 1951 وتابع فيه عمله حتى 1977.
تقلّد منصب رئاسة قسم المباني في مديرية الأوقاف العامة، ثم مديراً عاماً في وزارة التخطيط نهاية الخمسينيات، ورئيسا لهيئة التخطيط في وزارة الإسكان. وبقي طوال حياته يبلور أسلوباً معمارياً عرف به. اعتقل عام 1977 إثر تهمة كيدية تافهة، وحكمت عليه محكمة الثورة في 1978 بالسجن المؤبد مدى الحياة، مع مصادرة جميع أمواله، وبقي في سجن أبي غريب 20 شهراً، ثم أطلق سراحه، لتكليفه بإعادة التنظيم العمراني لبعض الأماكن في بغداد.
وشرحت زوجته محنة اعتقاله في كتاب “جدار بين ظلمتين”، وسجلت تاريخ مأساته التي عاشها مسجوناً. غادر العراق في الثمانينيات نحو بيروت ثم انتقل إلى لندن، وعاد إلى بغداد عام 2009، وصدم بشدّة لهول ما رآه. وقال: “لا أصدق ما الذي جرى. لقد تحوّل كلّ شيء إلى خراب تقريباً، لقد تعرّض العراق لغزوات، ولم يستقر منذ فترات طويلة، وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية”.
ليس الوحيد
وليس الجادرجي الوحيد الذي طلب بحرق جثمانه.
الكاتب الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد، أوصى بحرق جثته ونثر ودفن رماده في لبنان، وهو ما تم في 30 أكتوبر 2003، فنقل رماده إلى مقبرة برمّانا الإنجيلية في ضهور الشوير، وكتب تفسيرات كثيرة متناقضة حول الحرق والدفن والمعنى والمعزى والسبب، وبعضهم أدخل المسألة في بوابة التأويلات الأسطورية، وبدأ يفسر النار والرماد فكرياً…
أيضاً، أوصى الروائي غابرييل غارثيا ماركيز، بحرق جثته لتتحول ذرات من الرماد المتناثر على أرض كولومبيا والمكسيك. وكان ماركيز في كتابه “قصص ضائعة”، قد كتب مقالًا بعنوان “أبهة الموت”، عن الروتين، ومأساة البيروقراطية في وكالة لدفن الموتى. بفعل الاعتياد والتعامل اليومي مع الموت، يفقد الموت هيبته، ويُعامل الموظفون الموتى وذويهم معاملة آلية باهتة. يذهب ماركيز ليشهد مراسم حرق جثة صديقه، فيجد التوابيت المشتراة من عائلات الموتى لتضم جثامين أحبتهم، وقد صارت بلا جدوى بعد انتهاء مراسم الدفن، فتعمد الوكالة إلى بيعها من جديد لعائلات موتى آخرين.
وأوصت فريدا كاهلو بحرق جسدها كي تتخلص من الجسد الذي آلمها كثيراً، ونُثر رماده وحُفظ المتبقي منه في جرة داخل “البيت الأزرق” الذي تحول في ما بعد إلى متحف يضم لوحاتها ليحكي قصة المواجع التي لم تنته. كانت فريدا قد سجلت في مذكراتها، قبل وفاتها بأيام قليلة، عبارة حزينة تقول فيها “أتمنى أن يكون الخروج من هذه الحياة ممتعًا، كما أتمنى ألا أعود ثانية”.
وكشفت وصية المغني الراحل ديفيد بوي، نجم موسيقى الروك البريطاني، رغبته في نثر رماده في جزيرة بالي الإندونيسية وفقاً للطقوس البوذية. وأوصى بإشراف شخصين على تنفيذ الوصية، المؤلفة من 20 صفحة، والتي أُعدّت العام 2004 بالاسم القانوني للمغني الراحل ديفيد روبرت جونز…
هذه بعض النماذج عن موضوع نكتبه باختصار، حول حرق الجثث في العالم، وهي قضية شخصية ذاتية ولا ينبغي وضعها في موضع النظرة الهذيانية، ولا ينبغي الحكم عليها انطلاقاً من ولاء ديني..