حاورته : د . غادة بوشحيط – الناس نيوز ::
عرفت الساحة الفنية الجزائرية مطلع العشرية الثانية في القرن الواحد والعشرين حركية موسيقية متميزة، من خلال بروز مجموعة من الفرق الفنية لشباب في العشرينات من العمر يؤدي معظمهم موسيقى هجينة، خليط بين ألوان موسيقية متنوعة ذات أنغام جزائرية وعالمية، شكلت ما يشبه القطيعة مع الأجيال التي سبقتها، من ناحية الأداء وكذا الإبداع. كما شكل الأداء المعتمد على فرقة كاملة موحدة، وصلت الكثير منها العالمية كفرقة “بابيلون” برائعة “الزينة” التي استعيدت في الكثير من لغات العالم.
عشر سنوات بعد بروز ما سميت بالموجة الجديدة في الموسيقى الجزائرية اختفت معظم الفرق، وتحول مغنوها نحو كاريير فردية، عدا فرقة ناجية وحيدة “كاميليون” (وتعني حرباء)، التي وإن تراجع حضورها وقل إنتاجها، إلا أنها لا تزال محافظة على الخط الإبداعي الذي انطلقت منه، تحصد ملايين المشاهدات على مختلف المنصات، وتمثل لحظة مفصلية في تطور الساحة الموسيقية الجزائرية.
جريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية حاورت مغني الفرقة وأحد أعضائها المؤسسين حسن أغران.
س1- سيد حسن حدثنا عن فرقة “كاميليون” بداية.
ج1- “كاميليون” مغامرة بدأت سنة 2009، حين قمت أنا وأخي حسين أغران بتسجيل أغاني متفرقة شكلت ما أصبح بعدها ألبومنا الأول، كما بتوزيع موسيقاها. انطلاقتنا سبقت ظهور ألبومنا الذي لم ير النور حتى سنة 2011 على أقراص ليزرية، سبقه قيامنا بالعديد من الحفلات بداية من واحدة بالمعهد العالي للفنون الجميلة في العاصمة الجزائرية، ثم آخر برعاية “راديو البهجة” على مسرح “عيسى مسعودي”، مسرح الإذاعة الوطنية في العاصمة أيضا.
طالبنا الجمهور بعدها بألبوم بعد مشاركتنا لفيديوهات حفلاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي. وجدنا في البداية صعوبة بإيجاد منتج، ولكن في النهاية تمكنا من إصدار الألبوم مع شركة “باديدو”، ليصدر ألبومنا الأول شهر أبريل/ نيسان 2011. لقي نجاحاً كبيراً، كما عرفت موسيقانا انتشاراً واسعاً، الأمر الذي أفرحنا كثيراً، تلته سلسلة حفلات بكل أقاليم البلاد، وحتى خارجها حيث شاركنا في مهرجان “أرتغنزا” بهولندا، ومهرجان “العالم العربي” بكندا، إضافة لمهرجان في دولة صربيا، دون أن ننسى مشاركتنا في مهرجان “تيمقاد” الدولي الجزائري.
موسيقى “كامليون” منذ بداية كانت مزيجاً بين الكثير من الألوان الموسيقية الجزائرية باعتبارها مرجعيتنا الأولى، لكن تأثرت كثيراً بموسيقى الفلامنكو التي أحبها، إضافة للبلوز والموسيقى الغربية كما الشرقية، إضافة للطبوع الأفريقية. لا أملك لونا موسيقياً مفضلاً، أحب كل الموسيقى الجميلة، لا أحاول تقليد أحد، ولكن أن أصنع شيئاً يشبهني، شيئاً يصدر عني، كنتيجة لتشربي لكل الألوان الموسيقية لأصيغ موسيقاي الخاصة.
س2- تبدون أكثر تأثراً بموسيقى الروك وتحديداً الروك بروغريسيف أو “البروغ”. لماذا؟
طبعا تأثرنا بموسيقى الروك كالكثير من الأنواع الأخرى. فعلا بصمتها جلية جداً في أغانينا، من خلال الآلات التي نستخدمها كالغيتار الكهربائي. كما أن الروك مصدر إلهام كبير لنا: موسيقى “مايك دافنر”، “داي ستريت”، إضافة للبوب-روك، من خلال ألبومات “ذا بوليس”، “ستينغ”، “كولد بلاي” و”غرين داي”، لا يسعني ذكرها جميعا لذا أفضل وضعها تحت مسمى “الموسيقى الغربية”. أحب “بوب مارلي” كذلك وموسيقى “الريغي” أيضا، وهي من أجمل الموسيقى بالنسبة لي. فرقة “أوازيس” من الفرق التي صقلت ذوقي الفني كذلك، إضافة لموسيقى الميتال، والقائمة تطول. أغاني كـ “سلي همومك” كما اعادتنا لأغنية “بختى” بدت ضمن موسيقى الروك فعلا.
ما أقوم به أنا هو الذهاب نحو موسيقى الروك أو أي موسيقى أخرى لأجذبها نحوي. لا أحاول تقليد ما هو موجود، بل أن أصنع موسيقى ولدت هنا في الجزائر سواء “روك”، “ريغي” أو “بلوز” جزائري حتى تصبح أغاني شعبية أصيلة.
س3- برزتم بين سنوات 2011 و2012 برفقة فرق أخرى كـ “بابيلون” و”فريكلان”، كلكم كنتم شباب هاوي موسيقى ومثقف وجامعي. ما الذي حدث وتسبب في حدوث تلك الطفرة على الساحة الموسيقية الجزائرية؟
ج3- فعلا كانت تلك الفترة مرحلة ظهور ما سمي وقتها “بالساحة الفنية الجديدة في الجزائر”، حيث برزت مجموعة من الفرق الموسيقية تقدم موسيقى جيدة ومتميزة. لماذا؟ لا يوجد سبب وحيد أظن، بل عدة عوامل. قبل ظهورنا سيطرت الأغنية التجارية لفترة على الساحة الجزائرية، ما دفع الناس ربما للبحث عن أمور أكثر أصالة. ربما انتشار استخدام الإنترنت أيضاً سهل مهمة البحث للمستمعين، فيمكن العثور على موسيقى مناسبة من خلال البحث لبضعة دقائق، عكس ما كان سائداً قبلها، حين كان الأفراد مضطرين للتوجه نحو متاجر الأشرطة، شراءها ثم الاستماع لها.
ساهم هذا التنوع في خلق سوق لكل الفرق الموسيقية. ثم ظهور مواقع التواصل الاجتماعي ساعد كثيراً كما كان الأمر بالنسبة لنا أيضاً، حيث تعرف الناس على موسيقانا على هذه المنصات الجديدة، وقتها قبل أن يصدر الألبوم، وبالتالي فعلا الإنترنت كان سبباً بحدوث تلك الطفرة في الموسيقى الجزائرية.
س4- كل الفرق التي شكلت جزءاً من تلك الموجة الجديدة في الجزائر اليوم تفرقت، وراح مغنوها يؤدون فردياً، إلا “كاميليون” لا تزالون مستمرين. ما السر؟
ج4-لا أدري ولكن ربما يعود ذلك لظروف تأسيس فرقتنا، ففي حين ربما التقى أعضاء باقي الفرق صدفة، تأسست فرقتنا بعد تفكير عميق مني أنا وتوأمي، حسين، حيث اتفقنا منذ البداية على الستايل الذي يجب أن تتخذه موسيقانا والخط النغمي الذي نسير عليه، ما جعل باقي الفرق ربما تنهار مع أي خلاف أول، لترحل قطع البازل الواحدة تلو الأخرى، والتي تكون قد صنعت أغاني جماعية نتيجة تواجد جماعي لحظي. نحن كما فرقة “أوازيس” تشكلت من أخوين، لكن للأسف تفرقت هي الأخرى، أتمنى ألا نفعل نحن.
س5-“كاميليون” ليست فقط “حسن وحسين أغران”؟
ج5-فعلاً، نحن مجموعة أكبر، أسسناها أنا وأخي ويشاركنا الأداء موسيقيون آخرون، اضطر البعض منهم للمغادرة لأسباب عائلية أحيانا وأخرى خاصة. انضم إلينا آخرون أمثال الصديق الكبير خير الدين ميكاشيش وزينو قندور، لكن المغني أنا وأخي حسين لاعب الغيتار الكهربائي لم نتغير. رافقنا خلال مسيرتنا كل من حسين ضحار ورضا صايب كما عيجة أنيس وهم لاعبو آلات موسيقية. لكن الاختلاف يكمن في النواة التي كانت منذ البداية جد منظمة من طرف العضوين المؤسسين، الأخوين أغران وكذلك ظل التصور الموسيقي لأغانينا الذي نتحكم فيه، أما باقي الموسيقيين فوظيفتهم تنشيط الركح، لذلك ربما لم نتأثر برحيل بعض العناصر.
س6-كثيراً ما تحدثتم عن تأثركم العميق بكمال مسعودي، هل ما يزال مؤثراً في مسيرتكم؟
ج6-طبعا، ما يزال مؤثراً فينا وسيبقى. هو مصدر إلهام كبير لنا. إنه عبقري جزائري. لو حاولنا تحليل صوته تقنيا فهو لا يتعدى الأوكتافات السبعة، ولكن يمتلك أداءً متميزاً جداً، كيفية خروج كلمات الأغاني مع صوته، ينطق الكلمة الواحدة بشكل مختلف في كل أغنية بما يناسب معناها ضمن ذلك النص.
لست أدري إن كنت الوحيد الذي أحس ذلك. هو عبقري في الأداء، فنان فريد. أثر فينا كثيراً، أداؤه يتجاوز الموسيقى ليصبح حياة كاملة، نعيشها عوض أن نكتفي بسماعها، لست أدري كيف أشرح الأمر.
س7- لم تتغير بصمتكم الموسيقية منذ البداية، هل تمتلكون استراتيجية أو رؤية لمنافسة وتجاوز موسيقاكم وأنفسكم؟
ج7-أدينا الكثير من الأغاني ضمن طابع الراي كأغاني “ندمت” و”حبابي”، كلها أغاني راي ولكن بطريقة “كاميليون”، الطريقة هي الجوهر. لا أفضل لونا موسيقياً على آخر، ولكن المختلف أني اخترع وأؤدي كل نغمة لكل آلة موسيقية، نحن من نقوم بإنتاج موسيقانا، نكتب الصولفاج الذي يتوجب لكل آلة موسيقية أن تؤديه، لذا فالموسيقي يطبق رؤيتنا لكل آلة وكل نوتة.
بالنسبة للمستقبل أريد أن أبدع أكثر وأترك بصمتي، أن أغير لوني دون تغيير ستايلي أو العكس، أن نتغير ونبقى في انسجام مع أنفسنا وهي الفكرة الأساسية في “كاميلون”، فهناك دائما شيء ما يجمع جميع الأغاني دون أن يجعلها متشابهة.
هذه طريقة عملنا، لذلك فالأغاني تكون من إنتاجنا الخاص الخالص. لا أكتفي بكتابة الكلمات وأحول العمل لشخص آخر يشرف على الشكل النهائي وبالتالي يقدم عملاً بالطريقة التي يريد هو، بالوجهة التي يقصدها. ذلك ربما ما يجعلنا مختلفين عن باقي الفرق التي تظهر للمستمعين أنهم غيروا اللون، فهم لا يتحكمون تماماً في الشكل النهائي للموسيقى.
س8- بعد ألبومين، لم تقدموا شيئاً سوى أغاني متفرقة أحياناً على منصات رقمية لماذا هذا الغياب؟
ج8- فعلا ريتمنا ثقيل جداً في الإنتاج، هناك أسباب كثيرة.. ظروف الحياة حتماً. أريد أن أقدم شيئاً وهو أمر يأخذ مني الكثير من الوقت. قد أغير ذلك مستقبلاً، قد تتغير الأمور. لكن بالمطلق لا يوجد سبب معين لهذا الإيقاع في الإنتاج الذي يستوجب منا تسريعه. قد نقوم بديوهات مع فنانين مغاربة وتونسيين، لن نخرج من أفريقيا.