هدى سليم المحيثاوي – الناس نيوز ::
لطالما كان للحرب كلمتُها، إن رفضنا، إن هُزمنا وإن انتصرنا، فلا بُدَ وأن تخطَ بآثارها على جسد ثقافة المجتمع وروحه، دون أن تأبه بشخوصه، لتكون نحاتةً بصلصال معاناتها، تُعيد تشكيلَ ما بعدها بما لا يشبه ما كان قبلها.
ربما للفن في طبيعته بعضٌ من حرب، فهو يُعيدُ الخَلق والتشكيل والتصوير، فكيف يمكن للأولى أن تخترق الثاني بدون أن تطبع بصمتها عليه، وتنقش أوزارها على نتاجاته.
من الدادائية والسريالية إلى التجريدية، جميعُ هذه الحركات الفنية استخدمت الفن والهجوم على شكله السائد حينها للتعبير عن التغيرات الاجتماعية العنيفة التي نتجت عن الحرب.
ورغم أنَ صوت الدبابات والمدافع والطائرات الحربية هو الطاغي، إلاَ أن التأثيرات العنيفة المُجانبة لها، من هجرة وتهجير وقتل وإبادة وقيود هي من تصنع وجهَ الفنان الجديد، وجهَ أبناء الحرب، لتصبح الراويَ لقصصِ أصحابها بخطوطها وتعرجاتها، ولكم نرى من قساوةٍ في تلك الخطوط..
في الحرب السورية، (الثورة التي حولوها حرباً علينا)، ولسببٍ أو لآخر لم تتبلور ملامحُ مدرسةٍ فنيةٍ جديدة كما حصل مع إنتاج الدادائية بعد الحرب العالمية الأولى، وهي التي انطلقت من مقهى مازال قائماً حتى الآن في زيورخ السويسرية، وبدعوةٍ من مالكه آنذاك الشاعر والكاتب الألماني هوجو بال (1886-1927)، وكانت رسالتُها إطلاقَ قصائدَ غير مفهومة وفنٍ بلا معنى لتوصل رسالةَ، أنَ البلا معنى هو الحرب، ورغم انطلاقها لتُجلي انعدام القيمة، إلاَ أنها استطاعت أن تُعطيَ القيمة من خلال أثرها، الذي تُحدده الرسالةُ النهائية.
في تاريخ الفن السوري الحديث، لطالما ألقت الحرب بظلها وظهرت في نِتاج الفنانين، فالجيل الماضي كان لديهم رداتُ فعلٍ على المجازر التي حصلت خلال تلك الفترات حتى وإن لم تكن في الداخل السوري، فرأينا أعمالاً رداً على أحداث نكسة يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول الأسود وتل الزعتر ظهرت في أعمال كلٍ من الفنانين التشكيليين أمثال لؤي كيالي، فاتح المدرس ونذير نبعة ونعيم اسماعيل، وكذلك الفنانين زهير دباغ- ماهر بارودي- ربيع الأخرس ويوسف عبدلكي وبسيم الريس وسارة شمه وسبهان آدم غيرهم.
هنا حوارات مختصرة وآراء لشرائح مختلفة من اجيال ومدارس الفن التشكيلي السوري .
عام 2011 وماتلاه من أحداثٍ يصعب اختصارُها وإجمالُها كواقعٍ سوري لم ينتهِ في مأساته التي مازالت تتضخم حتى يومنا هذا، نحى الفنانون التشكيليون بالنتيجة وكصيرورة، للتعبير عن الألم السوري، ليُخبروا قصصاً عنه ومنه، بعد أن اختبروا ذلك الألم بأنفسهم.
في إطار ملفٍ عن تأثيرات الثورة ومارافقها من مظاهرَ اجتماعيةٍ عاصفة، كالهجرة والنزوح وعبور البحر والاعتقال والدمار وكذلك أثر المنفى على الفن السوري، ورصد شكل هذا التأثير، قمنا في جريدة “الناس نيوز” بالوقوف على أعمالٍ لعددٍ من الفنانين السوريين، لرصدِ تفاصيل هذه التغييرات التي جلَت تطوراً في أعمالهم، مُتخذةً منحىً جديداً يختلف عما كانت عليه سابقاً في بعض الحالات..
“كما في كل الثورات والحروب عبر التاريخ، كان للفنانين دور، منهم من يقف مع الظالم ومنهم من يُناصر المظلوم ومنهم من يقف على الحياد، وآخرون يعتكفون ويتوقفون عن الإنتاج طوعاً أو خوفاً أو انسحاباً، وبالطبع ذلك كله يتحدد بحسب التكوين الخاص للفرد قبل الفنان.
وفي حالة ثورتنا نحن، وهي استثناء في التاريخ، حولوها إلى بركان دمٍ وقتلٍ وهدم وتهجير، فكان خيارُنا نحن بعض الفنانين التشكيليين السوريين، الذين تربينا على قيم الحرية والديمقراطية والسلام والجمال، أن نرسم الواقع المرير، وأن نُحرِض، ولكن بعقولنا، التي درست التاريخ وفهمته، فلا نكون مُباشرين ولا إعلانيين ولا مُصادمين في العلن، فاخترنا الأساليب الفنية بما يحقق أهدافنا، لنصلَ إلى اثني عشر عاماً ونحن نرسمُ بعقولنا قبل أيدينا وقلوبنا”.
هذا مايقوله التشكيلي السوري عبد الحميد فياض المولود في مدينة الرقة السورية، والموصوف بقدرته على خلق مشاهدَ بصرية، تتراءى فيها أطيافٌ، تبحث عن استرداد اللامألوف، من خلال ألوانه المجبولة بالضوء والمقرونة بحركية، ويُكمل: “رفاقنا، التشكيليين في المنفى، تَطَوَر إنتاجهم وإبداعهم، فالغربة ومعايشة فنون الغرب كذلك ساهمت في بلورة عطائهم بل وحتى في شخصيتهم”.
هذا المنفى الذي توزع عليه الفنانون السوريون، مُجبَرين، استطاعوا تسخيره ليطلقوا أصواتهم من خلاله، ومنه حاورنا وسمعنا أصواتاً عديدة.
فالتشكيلي السوري أسعد فرزات والمولود في مدينة حماه السوريَة والذي أبدع بتجربةٍ صورت الوجع السوري والهجرة عبر البحر، التي استوحى لوحاتها من قصيدة الشاعر نوري الجراح “الخروج من شرق المتوسط”، ابتدأ الحديثَ عن الموضوع بقول المؤرخ والفيلسوف البريطاني روبن كولونجوود (1889-1943) “أنَ الفن لايمكن أن يقف موقف عدم المبالاة للحقيقة”، لذا وبالنسبة لفرزات أنَ هناك عواملُ ثلاث لايمكن فصلها عن بعض وهي:
“الالتزام الأخلاقي والإنساني لما حصل من كارثة، ومن ناحية ثانية طالما بعض الآراء الفلسفية تعتبر أنَ الجمال نتيجة، إذاً فقبحُ ما حصل بنا من تلك المأساة هو نتيجة أيضاً، فالضرورة هنا حتمية سواء على صعيد الفن عموماً والأدب أيضاً.
وطبعاً للمنفى حضوره بغياب المكان، ليُعبر الفنان فرزات عن ذلك فيقول:
“بالنسبة لتأثير المنفى أعود إلى تجربة إدوارد سعيد في تأملاته حول المنفى، حين ربط بين مفهوم المثقف ومفهوم المنفى حين جعله شرطاً تأسيسياً للمثقف، وأنَ الحدود والحواجز التي تُقيدُنا بأمانٍ في مكانٍ نعرفه، يمكنها أيضاً أن تصبح سجناً، والمثقف المنفي له دور سواء بقي الفرد خارج أو داخل حدود الوطن، وبالنسبة لتجربتي، هي نتيجةٌ حتمية على الصعيدين الفكري والإنساني والتقني أيضاً، تجلى ذلك من خلال تجربتين قدمتهما في المنفى، هي تجربة وجوهنا التي غادرتنا إلى العالم الآخر، والتجربة مع الشاعر نوري الجراح، التي جسدت الألم السوري من خلال مشروعٍ مُشترك.
وطبعاً للمنفى حضوره بغياب المكان، ليُعبر الفنان فرزات عن ذلك فيقول لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية :
“بالنسبة لتأثير المنفى أعود إلى تجربة إدوارد سعيد في تأملاته حول المنفى، حين ربط بين مفهوم المثقف ومفهوم المنفى حين جعله شرطاً تأسيسياً للمثقف، وأنَ الحدود والحواجز التي تُقيدُنا بأمانٍ في مكانٍ نعرفه، يمكنها أيضاً أن تصبح سجناً، والمثقف المنفي له دور سواء بقي الفرد خارج أو داخل حدود الوطن، وبالنسبة لتجربتي، هي نتيجةٌ حتمية على الصعيدين الفكري والإنساني والتقني أيضاً، تجلى ذلك من خلال تجربتين قدمتهما في المنفى، هي تجربة وجوهنا التي غادرتنا إلى العالم الآخر، والتجربة مع الشاعر نوري الجراح، التي جسدت الألم السوري من خلال مشروعٍ مُشترك.
ويُتابع، “برأيي كما حصل في العالم بظهور تياراتٍ فنية نتيجة الثورات والحروب التي حصلت كالتعبيرية الألمانية مثلاً، هناك تيارٌ سوري حقيقي يحمل هويةً وبصمةً واضحةً يجول العالم، بكافة أشكال التعبير ليس فقط في مجال التشكيل، إنما بمجال السينما والشعر والأدب عموماً..
والتجارب الفكرية عموماً تتجاوز الحالة التقليدية لما يحصل عادةً بصالات العرض، إذ أنها تتطلب ثقافةً بصريةً عالية من صاحب الصالة كي يغامر بالعرض، وهذا يحصل بشكلٍ نادر، لذلك نلاحظ أنَ مثل هذه الأعمال تستقبلها المتاحف غالباً أكثر، كما حصل مع أنسليم كيفر حين عرض أعمالاً عملاقة تخص الموضوع”.
أصوات الفنانين السوريين وجدَت صداها في عموم الدول الأوروبية، ومنهم الفنان عادل داوود الذي استطاع تحويل الهجرة والغربة لرسالةٍ فنية قيِمة، بعد اختياره العيش بين دفتي الكانفا، ليُحَول الوحوش إلى أصدقاء ينظرون لفنه بتمعن.
وعن تأثير الحرب يتحدث الفنان داوود إلى جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية بقوله: “إنَ أي فعلٍ في الواقع يؤثر على مسار الحركة الفنية بكل مجالاتها، وأحياناً يتحول لانقلابٍ للمفاهيم عندما تُلامَس البشرية. فبعد الحرب تَحول الفن بالنسبة إلَي لقضيةٍ إنسانية بشكلها العام، فبدأتُ البحثَ عن أسبابها البعيدة وابتعدتُ عن المباشرة، لئلا أقعَ نتيجة التحريض في مطب ردة الفعل.
وبالتأكيد لكل فترةٍ زمنية هناك تصنيفات، ولكن عدمَ وجودِ مؤسساتٍ حقيقية تدعم مشاريع مشتركة بين الفنانين السوريين، أنتج نشاطاً فردياً لا أكثر، وللأسف أنَ بعض النقاد مازالوا يتكلمون عن حقبة الستينيات الرومنسية ويتجاهلون الواقع الحالي”.
معظم الفنانين السوريين لا يؤمنون بأنَ هناك حركةً فنيةً جماعية قد ظهرت، لكن ذلك لا يمنع أن هناك صفاتً عامة طغت على أعمالهم وبدت آثار الحرب واضحةً عليها، ومنهم الفنان السوري الرقمي تمام عزام، الذي يُمَكِنُك من استشفاف تفاصيل السوريَة، بأحداثها كاملة ليس فقط من الحرب والدمار، بل من الانتماء والإصرار، من عنوان معرضه الذي أقامه في بيروت ولندن مطلع عام 2014، والذي حمل عنوان “أنا سوري”، وليُعبر عن ذلك الفنان عزام بقوله: “عندما لا يأتي العالم إلى سوريا تذهب سوريا إلى العالم”.
وعن تجربته يتحدث الفنان عزام إلى جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية بقوله: “التغيير الذي يطرأ على إنتاج عملٍ فني ينتمي لأسبابٍ عديدة، منها ما يأتي من تراكم العمل اليومي والأفكار، ومنها ما يستلهم أحداثاً ووقائعَ من المحيط الاجتماعي والطبيعي. والتغيير في تاريخ الحركات الفنية دائماً ماكان ردة فعلٍ على حركاتٍ أو تحولاتٍ اجتماعية كبرى، ويُضيف، الثورة تُغَير المجتمعات، كل الأفراد على السواء، والعمل الفني جزءٌ من شخصية الفنان ومزاجه وانعكاساتٍ للغته الداخلية التي ستَعبُر من خلاله نحو المُتلقي، وأوضح أنه لا يرى تصنيفاتٍ للفن، ولا يمكن أن يُميز حركة سورية أو غيرها من التصنيفات الجغرافية”.
أمَا عاصم الباشا، النحات والكاتب والمترجم، المولود في بيونس آيرس الأرجنتينية، يقول عن نفسه، إنه “وُلِدَ مُتمرداً على كل ما هو قائم، بشكلٍ يجعله لا يأبه للمدارس ولا للاتجاهات، يصنعُ ما يخطر له ولم يعمل يوماً تبعاً لذوق أحد”، وربما هذا ما يعكسه تفرده في أعماله التي رأيناها له، ولا يختزلُ تمثالُ أبي العلاء المعري ذلك التفرد، بل يُجَليه فقط.
أثرُ الحرب لم يميز يوماً بين رجلٍ وامرأة، بين فنانٍ وفنانة، بل لطالما ردت الفنانات كما الفنانين على أصوات المدافع بالرسم والنحت وكتابة الشعر، ليداووا بها جنون العصر، فالاعتقالُ لم يمنع الفنانة عزة أبي ربيعة من الصرخة من داخل زنزانتها لتكون تجربةً فريدةً في الشجاعة والفن، واحتلال الجولان لم يمنع ابنته نهاد الحلبي من رفع الصوت لإيصال معاناة البلد السوري، فكانت لها تجربتها المميزة في طينٍ رطب، وكذلك سخرت ميريام سلامة فنها لتوصل رسالةَ تعبيرٍ عن المعاناة السورية من ملجئها في أستراليا.
وتأتي تجربة الفنانة الدمشقية المولد، ريم يسوف، لتُجَلي خير تجلي عذوبة المرأة وحس الفنانة لمحاكاة الحدث السوري خير محاكاة.
ريم يسوف، التي لم توقفها حوادثُ قاسية حصلت أمام مرسمها، بل زادتها إيماناً بضرورة إيصال الصوت، لتُطلق الحربُ طفلتها الكامنة، لتُعبِر عن قضية الطفل كضحية لأشكال العنف، وخلق عالمه الخاص، برموزه وتفاصيل تحولت إلى صوت الأطفال العالي، إن كانوا معنا أم لم يعودوا، وتحدثنا يسوف عن تجربتها بنفسها بقولها: “رغم تأثُر الفن وحال الفنان السوري بانطلاقة الثورة في سوريا، إلاَ أنَ هذا التأثر كان نتيجةً لانعكاسِ الموقف الشخصي تجاه مسار الحراك منذ البداية، وما واجهه من موتٍ وعنفٍ وتهجير”.
على المستوى الشخصي فقد تأثر نِتاجي الفني بتطورات الحراك الشعبي اليومية. عند مواجهة الحراك السلمي بمظاهر العنف والقتل والتغييب، و لقد تبلور قراري الشخصي بمسح أعمالي السابقة باللون الأبيض، كرد فعلٍ أولى على العنف ورفضه، خاصةً ما مورس ضد الأطفال، فكانت بداية حياة لمفهومٍ مختلف كلياً اتجاه وظيفة الفنان في هذه المرحلة الحساسة، لتتفاوت درجة التأثيرات بين الفعل العاطفي والفعل المنطقي، نتيجة صدماتٍ خلقها العنف والموت والفقد الذي تجلى بكل أشكاله.
في البداية كانت ردة فعل عفوية للتعبير عن حال الوضع الشخصي أو العام كقضية إنسانية ملحة لنا جميعاً للتعبير عنها، لكن مع مرور الوقت توضحت تجربتي بشكلها الواعي على جميع المستويات الشخصية والفنية.
في المرحلة الأولى ظهرت التأثيرات على غالبية أنواع الفنون البصرية وغيرها من الفنون التي أصبح لها أهميتها أغنت أساليب التعبير عند الحاجة لها أو تطوير أدوات الفنانين السوريين، حيث كانت البداية مع ظهور آلية التعبير مرتبطة بالشارع، بشكلٍ مباشر بالحدث، ثم تبلور أكثر هذا التغيير بعد هجرة غالبية الفنانين إلى الخارج، لنرَ انخراطاً مع تجارب الآخرين وأنتجت تجاربَ فنية منفتحة بأدواتها وآلية تفكيرها إلى مستويات لم تكن متاحة أو مسموح بها في الداخل السوري، تحت ظل الديكتاتورية الفكرية والسياسية والاجتماعية.
أمَا وفي ردها على فكرة نشوء حركة فنية سورية، فكان رأيها، أنه من السابق الحديث في الوقت الحالي عن حركةٍ فنية سورية، فالتاريخ هو كفيل بهذا بعد عمل متخصصين بأرشفة الفن السوري لهذه المرحلة وتحليل تطورها وتأثيرها على الفن بالمنطقة عموما، فيمكن اعتبارُه جزءاً من المتغيرات التي وثقت شكل التعبير الفني في الشرق الأوسط، وأنه انخرط بشكل نسبي في حركة الفن العالمي يمكن تمييز انتماء الفنانين في بعض الأحيان، بحسب المواضيع والقضايا الفنية المطروحة لكلٌ منهم”.
تجاربُ غنية احتظت فيها دول الغرب خاصةً، بعد أن ضاقت دول الشرق بفنانيها، كالفنان خالد ضوا وتجربته بنحت الديكتاتور المُتكرش الجالس على الكرسي، وتجربة علام فاخور، ابن مدينة السلمية، الذي عبر من سجن صيدنايا في سوريا! إلى أعرق صالات العرض في سويسرا، وأيضاً غيلان الصفدي وتجربته المهمة واشتهاره بتقديم الشخوص الكرنفالية، وتجربة الفنان نجاح البقاعي التي حاول من خلالها توصيل معاناته شخصياً، والمعاناة عموماً في سجون النظام، ومحمد عمران تتكرر في أعماله الأجساد المسكونة بحالة الانتظار، وعمران يونس الذي لم يصمت حتى مع استمرار وجوده في الداخل، وطبعاً تجارب عديدة أخرى لا مجال لإحصائها بملفٍ واحد، وأيضاً ربما نشهدُ تجارب غنية في المستقبل، فأثر الحرب كأثر الفراشة في ديمومته، فأنسليم كيفر وبالرغم من ولادته في السنة التي انتهت فيها الحرب، إلاَ أنه خصص الجزء الأكبر من فنه لمشاهد مُستلهمة من أهوال الحرب وتداعياتها على الوضع البشري، واصفاً الخراب والألم الإنساني، ليُعتبَر واحداً من أعظم الفنانين الذين ظهروا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتبقى رسالة الجورنيكا، لوحة الحرب التي أشاعت السِلم كما تُوصف، للفنان الإسباني بابلو بيكاسو، التي رسمها سنةَ 1937، بعد قصف القوات الألمانية والإيطالية لمدينته جورنيكا، رسالةً خالدة، لانتصار الحياة والفن على الحرب والدمار عبر التاريخ، فبقيت الجورنيكا في متحف الفن في نيويورك حتى العام 1981، حيث أُعيدَت إلى موطنها، بعد أن اشترط بيكاسو بألاَ تُعاد إلى بلاده إلاَ بعد أن تنعم بالديمقراطية، فهل سنشهدُ نحنُ السوريون وجه أبي العلاء المعري مُطِلاً من مدينته معرة النعمان، وحيثما يتمنى نحاته، عاصم الباشا أن يراه.
وإنَا لِذلك الوقت لناظرون..