سوزان المحمود – الناس نيوز ::
“في محاولة شفاء ذلك الجرح الذي لا يلتئم أبداً، تكمن الغرابة وابتكار عمل الفنان” فيديريكو غارسيا لوركا .
في دمشق العتيقة ، في حي العمارة الدمشقي يقع قصر الأمير عبد القادر الجزائري التاريخي ، الذي أستضاف وبإشراف غاليري ليليت آرت ممثلاً بمديرته وصاحبة المشروع آني ديب معرضاً لثلاثة فنانين أصدقاء من أجيال مختلفة .
يعتبر هذا المعرض فاتحة النشاط الفني للغاليري الجديد، الفنانون د.عصام درويش وإسماعيل نصرة وعمار الشوا، يقدمون ثلاث تجارب مختلفة، بثت روحاً جديدةً من الحيوية والبهجة في المكان الساحر القديم، رغم الهيبة التي واجهوها تجاه المكان، وقلقهم من إمكانية توظيف اللوحات الفنية داخله، ما دعاهم لمحاولة إعادة تأثيث مكان العرض قليلاً، إن كان بالرسم على الطاولات الخشبية أو الكراسي أو المرايا المزخرفة، أو برسم لوحات على نبات القرع وغيرها، وعملوا على إعادة إحياء مفردات من الحارة الدمشقية القديمة كصندوق الدنيا أو صناديق الذخيرة التي استثمرها الفنان إسماعيل نصرة ليرسم عليها وفيها حكاياته، وأيضاً اللوحات الخشبية العمودية، وغيرها.
ثلاث تجارب مختلفة لثلاثة أجيال من الفنانين المعروفين، لكل فنان بصمته الخاصة المميزة، أسلوبه وتقنياته وتكنيكه، وجمهوره الذي يتابع تجربته الإبداعية، فمن حضر الافتتاح والأيام التي تلته، يمكنه أن يلاحظ أولاً الحضور اللافت للجمهور وهو يكاد يكون نادراً هذه الأيام خاصة في الأيام التالية للافتتاح، وأيضاً تفاعل الجمهور الواضح مع جميع مفردات المعرض والبيئة المحيطة به فقد وزعت سلال الحلوى الدمشقية الشعبية القديمة التي تذكر الجمهور الدمشقي بطفولته وسلال الفواكه، والعديد من المفردات الحميمية، وربما تذكر الحالة التي قدمها المعرض بأن “الفن لغة ووسيلة للوصول إلى المعرفة وأداة تواصل بين الناس” كما يقول دو بوفيه، استقطب المعرض جمهوراً كبيراً متعطشاً للجمال، رغم الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، وربما لعب دوراً في ذلك، الجمال الكبير للمكان والمنطقة الدمشقية الشعبية القديمة في حي العمارة المرغوبة للزيارة من الجمهور، إذ أن المنطقة مجاورة لسوق الحميدية الشعبي وسوق البزورية وغيرها.
يقول المشاركون حول المعرض والمكان لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية :
آني ديب صاحبة المشروع ” ليليت آرت ” .
تقول آني ديب لجريدة الناس نيوز الأسترالية :” بالاتفاق مع مالك القصر الحالي د. سمير الغضبان فكرنا باستثمار هذا المكان الساحر لإقامة معرض لثلاثة فنانين مهمين، نهدف في ليليت آرت إلى نشر ثقافة اللوحة وقيمتها من الناحية المعنوية والمادية، لدينا في سوريا فنانين مهمين جداً ودورنا هو تقديم ونشر أعمال هؤلاء الفنانين، وسنقوم في المستقبل بإقامة مشاريع عدة نعمل من خلالها على نشر الفن والجمال، لأن الفن لا يموت”.
الفنان التشكيلي المخضرم السوري د.عصام درويش .
قدم درويش أعمالاً كان قد أنجزها في السنتين الأخيرتين وهو الفنان التشكيلي المخضرم الذي عاصر جيل الرواد وحافظ على إرثهم ويعاصر ويشجع الفنانين الشباب وهو صاحب غاليري عشتار أكثر الدور نشاطاً وحضوراً في دمشق، وهو أيضاً المشرف على مرسم المعلم الكبير فاتح المدرس الذي أبقاه مفتوحاً ومنفتحاً لجميع الفنانين المتواجدين في البلاد في أصعب الأوقات التي مرت على العاصمة دمشق، يقول درويش عن هذا المعرض:
“معرضنا في قصر الأمير عبد القادر الجزائري التاريخي، هو حصيلة مشاركة لتجارب ثلاثة فنانين، إسماعيل نصرة وعمار الشوا وعصام درويش، وبتنظيم من السيدة آني ديب، صاحبة مشروع ليليت آرت.
الفكرة نضجت بعد عدة زيارات للقصر، الذي يعتبر تحفة معمارية قديمة، بالإضافة إلى كون صاحبه من الشخصيات التاريخية التي أثرت في الحياة السورية على أكثر من صعيد. وهو ما شجع على التفكير في إقامة نشاط ثقافي يجمع بين أمرين: أحدهما هو إلقاء الضوء على هذا الصرح الجميل المنسي بعمارته الرائعة وغرفه العديدة المليئة بالمفاجآت الجميلة الأثرية وروح الأصالة الدمشقية.
والآخر هو عرض تجارب فنية معاصرة لثلاثة من الفنانين السوريين المعروفين من أجيال مختلفة. ورغم التنوع الكبير في موضوعات اللوحات وأساليب العمل القتي في هذا اللقاء بين الأصالة والمعاصرة كان حدثاً مميزاً لجمهور قل مثيله في عروض الفن السوري من حيث عدد الجمهور، وأيضاً نوعية التفاعل مع الأعمال الفنية ومع تراث دمشق العظيم”.
الفنان السوري إسماعيل نصرة .
يقول الفنان إسماعيل نصرة عن المكان وعن موضوع لوحاته لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية :”هذه مشاركتي الأولى مع اثنين من الفنانين الأصدقاء في بيت عربي دمشقي أو بالأحرى هو قصر الأمير عبد القادر الجزائري، شاركت بعشرة أعمال تتراوح تقنياً بين الخشب والقماش وتكاد جميع الأعمال ماعدا الخشبيات أن تحمل موضوعاً واحداً وهو القناع و الجوكر، إذ إن هذا الموضوع هو ما يشغلني منذ زمن بعيد في تجربتي، فالأقنعة تلازمنا بشكل يومي، والجوكر أو المهرج هو نحن جميعاً، نحاول أن نصدّر الفرح لغيرنا ونحن محزونون دوماً، كما حاولت أن أعطي العمل صيغة مسرحية، لتضفي نوعاً من الدراما إلى اللوحة وتخرجها عن شكلها النمطي أو التقليدي، أما بالنسبة للمكان الرهيب الذي عرضنا فيه يكاد جماله أن يبتلع العمل الفني المعروض، فأرجو أن نكون قد وفقنا بطريقة العرض التي تتناسب مع المساحة التي هي أصلاً غير مجهزة لعرض اللوحات الفنية، أما بالنسبة لمعرضي الفردي القادم فسيحمل تيمة واحدة وتقنية خاصة تلخص كل الأعمال”.
الفنان السوري عمار الشوا:
يقول لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية ” كل الزمن والتاريخ والأيادي والعيون التي مرت على المكان (بيت عبد القادر الجزائري) ستكون شركائنا لضبط الموسيقى البصرية للمكان، على أنغام “ليليت آت” لذلك أحببت أن أنسج أعمالي على ضوء المكان وروحه.
وفي هذا البعد التاريخي والروحي للمكان بدأت حكاية شروق شمس … لوحات وظفت فيها عناصر وتشكيلات، ولون، وفيها الكثير من رسائل المحبة، وبناء تواصل اجتماعي ممزوج بضوء القلب.
أما عن الطيور ولوحة القبلة المعنونة بالخلود فيقول “القبلة واحدة في كل العالم: وموضوع التشابه طبيعي ومبرر عندما نستطيع أن ننسجه من تفاصيل الضوء الخاص بنا، والشحرور في لوحاتي هو طائر الفينيق الذي نستعين به على بداية كل نهار قبل شروق الشمس، ومن هنا الخلود”.
وربما يمكننا أن نستخلص من هذه الحالة الإبداعية الجميلة التي استمرت لخمسة أيام ما قاله الرسام الفرنسي جان دو بوفيه في مقالة له حول غاية الفن من ترجمة د. كمال بومنير:
“للرسم ميزتان أساسيتان: الميزة الأولى، هي أنه يستحضر الأشياء بقوة كبيرة، ويقاربها أكثر من مقاربة لغة الكلمات. الميزة الثانية، أنه يفتح مجال الحركة الباطنية لفكر الرّسام بصورة أوسع. وحريٌّ بنا أن نشير إلى أن هاتين الميزتين تجعلان الرسم أداة رائعة لاستثارة الفكر. أو إن شئتم قولوا للرؤية.
كما أنه وسيلة رائعة أيضاً للتعبير عن هذه الرؤية وينبغي الإقرار بأنه حينما يستعمل الرسم هاتين الوسيلتين الفعالتين، يصبح بمقدوره أن يصل إلى اكتشافات عظيمة ورائعة. كما يمكنه دفع الإنسان إلى تحقيق أساطير ورموز جديدة قصد الكشف عن عدد لا متناه من الأشياء والقيم التي كان يجهلها”.