غزة – عيسى سعد الله – الناس نيوز :
لم يعد حي الرمال الواقع في الوسط الغربي لمدينة غزة هو الحي الأرقى، الذي عهده سكان قطاع غزة كعاصمة ترفيهية وإدارية وسياسية ومعنوية وتعليمية لهم، بعد أن زرعت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مدار الأيام الماضية من عمر العدوان الدمار والخراب في كل ركن وزاوية.
وأصبح التحرك في الحي الذي كان مقصداً، دائماً، لعشرات الاف المواطنين الفلسطينيين من مختلف أنحاء قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ سنوات صعباً بل مستحيلاً، بسبب شدة الدمار الذي ألحقته الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة في شبكات الطرق والبنية التحتية والأبراج السكنية ومنازل المواطنين.
وأفقدت الهجمات الجوية المتواصلة الحي الذي يسكنه نحو مائة ألف مواطن الكثير من أبرز معالمه المهمة جداً، كالأبراج السكنية والتي تم تدمير اربعة منها بشكل كامل، بالإضافة إلى عشرات الأبنية الأخرى الأقل ارتفاعاً، كما فقد الحي جميع المقار الرئيسية الشرطية والوزارية، فضلاً عن تدمير المئات من المحال التجارية.
ولم تعد منتزهات الحي التي تعتبر الأفضل والأجمل في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه نحو 2،3 مليون، مقصداً ومزاراً للمواطنين بعد أن طالها الدمار وأصبحت في مرمى قنابل الطائرات الإسرائيلية، وخصوصاً حديقة الجندي المجهول التي تتوسط المنطقة التجارية الأهم في القطاع والتي تطل على شارعي عمر المختار والوحدة ومقر البرلمان، بالإضافة إلى المتنزه البلدي الذي يبعد 300 متراً عن المكان، وكذلك متنزه جامعة الأزهر.
وبالإضافة إلى المتنزهات، يضم الحي الذي يطل على شاطئ البحر والميناء الوحيد، جميع المقار الرئيسة للوزارات والأجهزة الأمنية والشرطية والمؤسسات الصحية وأبرزها، مجمع الشفاء الطبي الأكبر في فلسطين ومستشفيات أهلية أخرى أقل أهمية، بالإضافة إلى مقار العشرات من المؤسسات الأهلية والدولية والشركات الخاصة والأسواق التجارية الضخمة “المولات” والمؤسسات الإعلامية، والتي تتخذ من عشرات الأبراج والبنايات السكنية الحديثة مقاراً لعملها، كما يضم الحي، أيضاً، مئات المحال التجارية الفخمة والفنادق والمطاعم السياحية والمؤسسات الثقافية والمساجد والمراكز الدينية الإسلامية والمسيحية، وكذلك أهم وأكبر الجامعات الفلسطينية على الاطلاق وهي الجامعة الإسلامية وجامعتا الأزهر والأقصى، بالإضافة إلى أهم وأكبر ملاعب كرة القدم في القطاع، ومؤسسات لرعاية الأيتام والمسنين والمعاقين والشهداء والجرحى.
وعلى عكس المناطق الأخرى في القطاع التي تشهد نشاطاً جزئياً، خلال فترة العدوان تنعدم الحياة بكل جوانبها بشكل كامل في الحي الذي تعرض بحسب مراقبين وسكان المدينة إلى أكثر من 700 غارة جوية منذ بدء العدوان الإسرائيلي، أدت إلى تدمير مربعات سكنية كاملة وتدمير شبكة الطرق والبنية التحتية، واستشهاد العشرات من سكانها.
ويقول إبراهيم شهاب أحد سكان المدينة الذي يطل منزله على شارع الوحدة المدمر لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية : “إن التحرك في الحي في كل وقت يعتبر مجازفة محفوفة بالمخاطر الكبيرة”.
وأضاف شهاب، الذي تعرض منزله للضرر البالغ للناس نيوز ” إن الحي لم يعد كما كان سابقاً أيقونة القطاع بعد أن حولته طائرات الاحتلال الإسرائيلي إلى كومة من الدمار والأطلال، وحولت شوارعه إلى مجموعة من التلال والحفر العميقة”.
ويقتصر التحرك في الحي في الوقت الراهن على جنازات تشييع الشهداء وسيارات الصحافة والإسعاف، وطواقم البلدية التي تعمل جاهدة من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين، كتمديدات المياه والكهرباء لمنع حدوث كارثة بيئية وصحية.
ويعتبر الهجوم الدامي الذي نفذته طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعشرات القنابل والصواريخ على شارع الوحدة فجر الأحد الماضي، الأشد فتكاً ودموية منذ بدء العدوان الإسرائيلي، حيث أدى إلى استشهاد نحو 45 مواطناً، وإصابة العشرات وتدمير عشرات المنازل والطرقات.
فيما اشتكى المواطن أسعد الفحام خلال حديثه ” للناس نيوز ” وهو الذي يسكن خلف مقر وزارة الصحة الذي تعرض محيطه للقصف أكثر من مرة يشكو من ضعف قدرته على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته ، لأنه لا يستطيع مغادرة المكان، بالإضافة إلى عدم قدرة الباعة الوصول الى منطقته بسبب الدمار الذي يلفها.
ويخشى الفحام ويسكن أحد الأبنية المرتفعة أن يتواصل القصف الإسرائيلي المدمر للبنايات في الحي، خلال الساعات والأيام القادمة.
وأضحى ركام الأبراج والبنايات السكنية المدمرة مكاناً إجبارياً يلهو به الأطفال، كما يقول الطفل باسم صباح والذي اتخذ ونظراؤه الأطفال من ركام برج هنادي غرب الحي مكاناً للعب رغم المخاطر الكبيرة.
وشدد صياح المحسن الذي يسكن في برج مجاور، أنه لم يعد لديه الكثير من الأماكن التي يذهب إليها خلال التسعة أيام الماضية، ولذلك قرر وأطفال اللعب فوق أنقاض البرج وحوله.
وسرعان ما غادر هؤلاء الأطفال المكان بعد سماع دوي انفجار هائل، تبين بعد ذلك أنه في منطقة تل الهوى البعيدة مئات الأمتار عن المكان.
ولم يخف جيش الاحتلال الإسرائيلي نيته إلحاق ضرر كبير بالحي، عندما أعلن، قبل عدة أيام، شروعه في خطة واسعة النطاق، لمهاجمة أهداف بداخله.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد هيدي زيلبرمان، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “إن الجيش سيواصل قصف أهداف عسكرية تابعة لحركة حماس في حي الرمال، الذي وصفه بأنه مركز عصب “حماس” قبل ان تقر الهدنة بدعم من المجتمع الدولي وعدد من البلدان العربية .
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الفلسطيني الدكتور ماهر الطباع للناس نيوز : “إن الخسائر التي لحقت بالحي كبيرة جداً، بسبب تدمير مئات الشقق والوحدات السكنية والمحال التجارية والبنية التحتية”.
وقدر الطباع الخسائر المبدئية المباشرة بعشرات ملايين الدولارات، فضلاً عن خسائر أخرى ناتجة عن توقف عجلة الحياة الاقتصادية في القطاع كون الحي الشريان الاقتصادي الأهم للقطاع.
وأضاف الطباع لجريدة “الناس نيوز”، إن عملية حصر الأضرار بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي ستفضي إلى نتائج وخسائر قاسية جداً، بسبب طبيعة الأماكن المدمرة، وخصوصاً الأبراج السكنية التي تضم أهم القطاعات التجارية والاقتصادية المؤسساتية.
واستشهد منذ بدء العدوان الإسرائيلي الذي استمر 11 يوماً نحو 235 فلسطينياً، وأصيب نحو ألفين آخرين، فيما قتل نحو 11 إسرائيلياً وأصيب المئات الآخرين ، نتيجة استهداف صورايخ حركة حماس .
وانقسم الرأي العام العربي بين مؤيد لحماس ، وآخر رافض لخياراتها على اعتبار انها تنفذ أجندة إيرانية أكثر منها أجندة فلسطينية ، وتزج الشعب الفلسطيني في أتون حروب قد لا تبدو مفيدة للقضية الفلسطينية راهناً او مستقبلاً .