بيروت – الناس نيوز ::
قرّر القضاء اللبناني الأربعاء بعد استجوابه حاكم المصرف المركزي رياض سلامة منعه من السفر، وفق ما أفاد مسؤول قضائي وكالة فرانس برس، في خطوة جاءت بعد تسلّم السلطات شارة حمراء من الانتربول، بناء على مذكرة توقيف فرنسية.
وتغيّب سلامة الأسبوع الماضي عن جلسة استجواب في باريس، فعمدت إثرها القاضية أود بوريزي التي تقود منذ أشهر تحقيقات أوروبية حول مصدر ثروته، إلى إصدار مذكرة توقيف في حقه. وتسلّم لبنان الجمعة النشرة الحمراء التي عممها الانتربول بناء على طلب فرنسي، ثمّ تبلّغ رسمياً الأربعاء إصدار المدعية العامة في ميونيخ مذكرة توقيف في حق سلامة.
وقال المسؤول القضائي متحفظاً على ذكر اسمه، إنّ المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان قرر بعد استجواب سلامة “تركه رهن التحقيق ومنعه من السفر وحجز جوازي سفره اللبناني والفرنسي”.
وأشار المسؤول الذي واكب مجريات الجلسة الى أن سلامة “طلب من قبلان محاكمته في لبنان وعدم تسليمه إلى فرنسا”، ونفى خلال الجلسة التي استمرت لساعة وربع الساعة التهم المنسوبة إليه.
واعتبر سلامة أن مذكرة التوقيف الفرنسية “غير قانونية”. وقدّم “أدلة” عن مصادر ثروته المالية والعقارية، مؤكداً أنه “جمعها من استثماراته الخاصة قبل تعيينه حاكماً لمصرف لبنان ومن راتبه جراء عمله في مؤسسة “ميريل لينش” المالية العالمية، بحسب المصدر ذاته.
وأعد قبلان، وفق المصدر، “تقريراً تضمّن محضر الجلسة، تمهيدا لإرساله إلى فرنسا، مرفقاً بطلب إلى القاضية بوريزي لتزويده بملف التحقيق الفرنسي” مع سلامة.
ولا تبيح القوانين اللبنانية تسليم المواطنين إلى دولة أجنبية لمحاكمتهم.
ويمكن للبنان في حال تسلّم الملف الفرنسي أن يبدأ ملاحقة سلامة في لبنان، إذا ما “تثبّت” من أن الأدلة التي استندت إليها بوريزي “قوية وصلبة”، أما إذا كانت “غير كافية، فيصار حينها الى “حفظ الملف”.
وتحقّق دول أوروبية عدة في ثروة سلامة ويشتبه المحققون في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي معقّد، فضلا عن إساءة استخدامه أموالاً عامة لبنانية على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وزار محقّقون من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ بيروت ثلاث مرات خلال العام الحالي، واستمعوا إلى مدراء مصارف وموظفين حاليين وسابقين في مصرف لبنان، كما استجوبوا سلامة في آذار/مارس.
– مذكرة توقيف ألمانية –
ويثير أداء القضاء اللبناني عموماً خشية من محاولة تمييع التحقيق، في بلد يتداخل فيه عمل السلطات السياسية والقضائية وتسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود.
وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة الذي كان يعدّ عراب استقرار الليرة، مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها طيلة السنوات الماضية، باعتبار أنها راكمت الديون. إلا أنه دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي “موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال”.
ويقول المحامي والناشط كريم ضاهر لوكالة فرانس برس “عندما يتم منع سلامة من السفر، يتم منعه من المثول أمام القضاء الأجنبي”، معرباً عن اعتقاده بأن سلامة بات “رهينة النظام اللبناني الفاسد باعتبار أنه لا مصلحة لأحد في لبنان بأن يُحاكم في الخارج ويدلي بما لديه”.
ويضيف “سيبقى كاتم أسرارهم (…) ولن يتعاون مع القضاء الأجنبي ويموّتون بذلك القضية”.
في إطار التحقيقات الأوروبية، تبلّغ النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الأربعاء من وفد ضم القنصل الألماني والملحق الأمني في لبنان، إصدار المدعية العامة في ميونخ مذكرة توقيف في حق سلامة، على أن تعمّمها قريباً عبر الانتربول. أسندت المذكرة إلى سلامة “جرائم مرتبطة بالفساد والتزوير والاختلاس وتبييض الأموال”.
لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات اللبنانية إزاء مذكرتي التوقيف، لكن وزراء ونواباً طالبوا في تصريحات بتنحيه، علماً أن ولايته تنتهي في تموز/يوليو المقبل.
وقال سلامة الذي يعد أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، في مقابلة بثتها قناة الحدث السعودية الخميس، “ضميري مرتاح، والتهم الموجّهة إلي غير صحيحة، وإذا صدر حكم ضدي يُثبت أنني مرتكب، سأتنحى عن حاكمية المصرف”.
– حجز ممتلكات –
وتركّز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة “فوري أسوشييتس” المسجّلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها شقيق الحاكم رجا سلامة. ويُعتقد أن الشركة أدت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من مصرف لبنان عبر تلقّي عمولة اكتتاب، تمّ تحويلها إلى حسابات شقيق الحاكم في الخارج.
وجمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ قبل عام 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و”اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021″.
وتصدر محكمة الاستئناف في باريس في الرابع من تموز/يوليو قرارها بشأن قانونية عملية الحجز على أصول عقارية وأموال لسلامة في أوروبا، بعد تقدّم فريق الدفاع عنه بطلبات إبطال، وفق ما أفادت مصادر مطلعة على الملف وكالة فرانس برس الثلاثاء.
وتطال الطلبات أكثر من عشر عمليات حجز أجرتها فرنسا على أصول وممتلكات تقدّر بعشرات الملايين من اليورو، وتشمل شققا في مناطق راقية من العاصمة، وأخرى في بريطانيا وبلجيكا، وحسابات مصرفية.
وأبلغ قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا هذا الأسبوع شقيق حاكم المصرف المركزي رجا سلامة، ومساعدته ماريان الحويك، بمذكرات استدعائهما إلى باريس للمثول أمام القاضية بوريزي.
وحددت الأخيرة، وفق مصدر قضائي، موعد استجواب رجا سلامة في 31 أيار/مايو، والحويك في 13 حزيران/يونيو في الملف ذاته الذي يلاحق به حاكم مصرف لبنان.
وينفي سلامة تحويل أي أموال من مصرف لبنان الى حساباته الشخصية داخل البلاد وخارجها، منتقداً ما يصفه بأنه “سوء نيّة وتعطّش للادعاء” عليه من جهات عدة.