علي صقر – الناس نيوز :
فوجئ السيد محمد، أحد مسؤلي المحافظة بأن حلاقه الخاص أخذ يتمادى معه في الكلام، لدرجة أنه حكى له نكتة قليلة الحياء، وأن نبرة صوته لا تخلو من فعل الأمر.
كأمره له بإحناء رقبته إلى الأسفل… إلى الأعلى، بل وصل به الأمر بضربه أسفل ذقنه، في حين كان يقول له سابقا:
إذا سمحت سيدي ارفع رأسك قليلا.
يقوم بكل تلك التصرفات مصدراً من فمه صفيراً حاداً لإحدى الأغاني الهابطة.
عند استفسار السيد عمّا يحدث، أفشى له بأن رأس سعادته يصول ويجول به القمل.
لم يصدق ما سمع، بل اتهمه باقتلاع قملة من رأس زبون آخر ودسها في رأسه وأن وراء هذا العمل جماعة ما، تريد التشهير به.
على غير عادته استنكر الحلاق هذه التهم، مؤكداً له أن قمل فخامته له مواصفات وأحجام لم يشاهدها عند الغير.
أخذت أصابع السيد تداعب فروة رأسه بارتعاش… خائفة أن تجد ما يخشاه.
تجمدت أصابعه في مكانها وباليد الأخرى تناول قارورة الكولونيا، سكبها فوق رأسه، ثم غسل يديه، وبصوت منخفض على غير عادته طلب من الحلاق الحل.
- والدي رحمة الله عليه، كان يعالج مثل هذه الحالة بقص الشعر (على الصفر) ثم يدلك فروة الرأس بالكاز.
قال نصائحه تلك بعد أن شعر بأن رأسه أنظف من رأس سيده، فحدّث نفسه:
السيد محمد شخصياً يطلب مني الحل؟ ويأخذ رأيي؟ ماذا جرى؟ قملة صغيرة تغيره وأنا… أنا (قد الفدان) أكثر من عشرين سنة وأنا أحاول أن أطلب منه وظيفة لأختي ولم أفلح. قملة ترعبه.. وفدان يخاف منه؟
أيقظه صراخ السيد من تفكيره، قائلا له:
أعرف طريقة الكاز تلك.. ألا يوجد طريقة غيرها.
والدي كان يستعمل لزبائنه الكاز، وإذا لم تنفع الطريقة.. كان يضيف للكاز عود ثقاب. كأن النار هبت في شعر السيد، أخذ يهتز من على كرسيه وراح يكلم رأس الحلاق المنعكس من خلال المرآة:
ماذا لو قطعت رأسك ووضعته مكان رأسي، أليست طريقتي أفضل من طريقة والدك؟ رحمة الله عليه. (قالها بسخرية).
ارتمى المقص من بين أصابع الحلاق وتلمس رأسه.. وبخوف قال: - أنا ورأسي فداك وفدا صئبانك يا سيدي.
تركه السيد، اتصل بطبيبه وأمره بالمثول أمامه فوراً وما إن أغلق سماعة الهاتف، حتى رنّ جرس بابه كان الطبيب مع أدواته بين يديه.
هوّن الطبيب الأمر، ووعده بكتمان السر، ثم ناوله من حقيبته علبة (بف باف) لقتل الحشرات شارحا له طريقة الاستعمال.
في حمامه الخاص بعيداً عن الخدم والحشم والحوريات، استحم وأفرغ محتويات العلبة على رأسه، ثم سرّح شعره واتجه بنشاط إلى سريره مرتاح البال.
ما إن وضع رأسه على مخدته حتى سمع كلمة:
“نعيما”ً.. فردّ دون أن يعي مصدر الصوت
أنعم الله عليك. وعاوده الصوت الغريب، (أنعم الله عليك وعلينا وعلى السامعين)
كمن أصيب بمسّ من الجنون صرخ: (ما هذه الأصوات)؟
يأتيه الصوت من بين شعيرات رأسه، أخذ يسترق الحديث الدائر بين ذكر القمل وأنثاه: - يا لطيف ما أجمل رائحتك اليوم.. من الأول استعملي هذا البيف باف يا له من عطر مثير للجنس.. آه لو استعملته سابقا لكان لدينا آلاف الأولاد.
لم يكد يسمع ما يحدث فوق فروة رأسه حتى هبّ من فراشه واتصل بطبيبه.
انتزعه هذا الاتصال من بين ذراعي زوجته. كما ينزع الضرس من اللثة.
ومثل بين يديه وترجاه بأن لا يشمع له عيادته مع شهادته والعودة إلى زوجته ومرضاه
في حين ما زال حتّى اللحظة يلاحقه صوت زوجته عند سماعها رنين الهاتف اللهم: اجعله خيراً.
إحدى عشيقاته الجدد أفرغ لها ما بجوفه من هموم، على سريره الوردي بعد أن سبقته بذلك عدة قملات على مخدته الحريرية.
لأول مرة بعكس ما روى لها.. شعرت عشيقته بضعفه، فغامرت وعلى طريقة شهرزاد، حكت:
في زمن ليس ببعيد، في إحدى المدن الكبرى، حدث ما حدث لك مع كبير تجار المدينة بعد أن يئس الطب من حالته. ويا لها من حالة.. قمل.. فلان مقمل..
التجأ إلى إحدى العرافات، حيث اقترحت عليه أن يذهب بسيارته مسافة طويلة، ماداّ رأسه من نافذتها حيث الرياح..
لم يدعها تكمل حديثها اتصل بسائقه وطلب منه أن يجهز الأحدث بين سياراته.
ترك عشيقته مع سعادتها بنجاح خطتها، ومحافظتها حتّى اللحظة على بكارتها…
فعل ما فعله كبير التجار، وزاد المسافة بسيارته عشرات الكيلومترات.
دخل حمّامه محمّر العينين، أشعث الشعر.. استحم وبعد أن زالت المياه والصابون عن وجهه وعينيه، شاهد ما كان يخشاه..
عشرات القملات تطفو على سطح مياه الحمام.
فرّ هاربا من حمامه.. لاحقه صوت أنثى القمل وهي تغازل ذكرها:
إن شاء استمتعت بهذا المشوار الجميل؟ حيث أرحنا نظرنا من شعراته، وكأن الواحد في سجن بلا جدران..
أعرف.. أعرف يا حبيبي، إن مثل هذه المشاوير تزيد من قدرتك الجنسية.
قبل أن يدركه الجنون اقترب من عشيقته ليقتلها بعد أن…….؟
وقبل أن يدركها الموت قالت له: - لكن يا سيدي، كبير التجار لم ييأس.
حدث لقاء سري بينه وبين شيخ الجامع، وكانت فتاوى الشيخ، أن يؤتى برجل رأسه مقمل، وتتم المناطحة بين الرأسين.
وبهذه المناطحة الكلامية رمت عشيقته آخر حكاية تملكها.. ولأن المريض يتعلق بقشة، زار السيد محمد شيخ الجامع وطرح عليه مشكلته.
رحّب به شيخ الجامع، عارضاً عليه فكرة المناطحة، بعد أن اقترح أكثر من اسم لأكثر من زنديق معارض لأفكاره.
في اليوم التالي استيقظت المدينة على أصوات تصادم الرؤوس.
اختلفت آراء الناس بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك.
شيخ الجامع استغلّ ما يحدث، وأخذ يدعو الناس في خطبة الجمعة للتروي والتمسك بفتاويه
بعد أن ارتاح من الخصوم، حيث الأول ما سمّاه الشيخ زنديقا زجّ في السجن، في حين دخل السيد محمد حمامه والدماء تسيل من رأسه.
نظف رأسه وسرّح شعره، ورغم الألم شعر بالسعادة وأخذ يصرخ:
وداعا أيها القمل الحقير.
لأول مرة قرر أن ينام وحيداً كي لا يشاركه أحد سعادته، وما أن وضع رأسه على وسادته حتى سمع صوت قملة تقول لقملة أخرى: - صحيح كانت المعركة كبيرة حيث مات من جانبنا العشرات، لكننا أسرنا من رأس الخصم آلاف مؤلفة من القمل؟