بيروت – الناس نيوز ::
توليفة غريبة من نوعها في علم السياسة تجمع “الحزب السوري القومي الاجتماعي” الذي يقدم نفسه كـ”حزب علماني مدني ” وما يسمي نفسه بـ”محور المقاومة” ومن خلفه إيران ، ذات العقيدة الشيعية ، التي يحكمها نظام “ثيوقراطي” “ثيو” (إله)، و”قراط” (الحكم)، في حين أوردت المادة الأولى من دستور القومي السوري، التي حدّدها أنطون سعادة في تأسيسه للحزب، بوضوح كامل على غاية إنشاء الحزب: “بعث نهضة سورية قومية تعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً، وتثبيت سيادتها وتأمين مصالحها، ورفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية”.
وبعد الشرخ الذي ضرب العلاقة بين “المقاومة الشيعية ” و”القومي السوري” في محطات عدة ، يحاول الأخير مغازلة الأول .
فقد أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي جناح ربيع بنات عن زيارة لأحد المواقع العسكرية التابعة لميليشياته “نسور الزوبعة” ( الجناح العسكري) في جنوب لبنان، وذلك على مسافة صفر من فلسطين.
وبحسب بيان الحزب أتت الزيارة “في اطارٍ تفقّدي للوحدات المقاتلة في القومي ، والتي أعادتها القيادة إلى الميدان منذ فترة ضمن إطار عودة الحزب إلى مكانه الطبيعي في ساح الجهاد” ، وفق البيان .
وجال الوفد القيادي على عدد من مواقع “حزب الله”، وسمع الوفد من أحد ضبّاط المقاومة ، أداة إيران العسكرية ، وذراعها العقائدي المقاتل ، شرحاً كبيراً عن كيفية العمل والتنسيق بين المقاومة الاسلامية ونسور الزوبعة على عدة أصعدة، منوّهاً بروحية المقاتلين القوميين الاجتماعيين واندفاعهم وايمانهم الراسخ بحقيقة الوجود وحتمية الانتصار.
خلفية تاريخية
أسس أنطون سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي في 1932، وهو منتشر في لبنان وسوريا ومُرخّص رسميّاً. يدعو إلى إقامة “سوريا الكبرى”، التي تشمل منطقة الهلال الخصيب، ( وهي حقيقةً جغرافية تاريخية ) أي العراق والأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، كذلك الكويت وقبرص وشبه جزيرة سيناء ولواء الإسكندرون حالياً (محافظة هاتاي في تركيا)، وتقول العقيدة القومية السورية بأن هذه المنطقة يجمعها تاريخ مشترك.
ويُعد الحزب المجموعة السياسية الثانية في سوريا بعد حزب البعث العربي الاشتراكي، الواجهة الحزبية والأداة الحاكمة لعائلة الأسد .
أما في لبنان، فكان الحزب منظماً لأكثر من 80 عاماً. وحتى الآونة الأخيرة حينما أصبح مجموعة رئيسية في تحالف 8 آذار.
في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 أصدرت محكمة الاستئناف المدنية الأولى في دمشق، قراراً يقضي بحل الحزب السوري القومي الاجتماعي (الأمانة العامة). حينها صدر القرار بصفة المبرم (نهائي وغير قابل للاستئناف).
انفصال تنظيمي للحزب بين سوريا ولبنان
وتحمل مجموعتان سياسيّتان في سوريا اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، منذ الخلاف التنظيمي الذي أدى إلى الانقسام. الأولى “الأمانة العامة”، والثانية “المركز”، وهو ممثل في الجبهة الوطنية التقدمية (تكتل من 9 أحزاب إضافة إلى اتحادي العمال والفلاحين).
وفي 2013 تقرر فصل تنظيمي للحزب السوري عن اللبناني، على الرغم من اعتراضات رئيس الحزب في لبنان آنذاك رجل استخبارات نظام الأسد أسعد حردان.
وجاء أداء رامي مخلوف قسم الولاء للحزب أمام رئيس الحزب في سوريا عصام المحايري، قبل مؤتمره العام الذي عقد في دمشق، ليشرعن الانفصال التنظيمي للحزب بين سوريا ولبنان.
وتشير المصادر الحزبية من داخل القومي ، لجريدة الناس نيوز الأسترالية إلى وقوف رامي مخلوف وراء الانشقاق الذي ضرب الحزب، مستعملاً قانون “التعددية الحزبية”.
وارتبط عمل “جمعية البستان الخيرية”، ذراع مخلوف ، والميليشيات المسلحة التابعة لها، منذ ذلك الوقت، بميليشيات حزب “الأمانة”.
وكان مسؤول أمني في الحزب السوري “المركز” قد صرّح أن مخلوف استطاع أن يسحب ثلث القيادات الشبابية، ودفع رواتب ضخمة، وضم حوالى 2000 شاب من ذوي القتلى في أشهر قليلة. وأسس لنشاطاتٍ اجتماعية وترفيهية، “لم يقم بها أي حزب في التاريخ الحديث لسوريا”.
مشاركة الحزب في الحرب السورية
منذ بداية الثورة السورية، كان الحزب جاهزاً ومستنفراً ومخلصاً للدفاع عن النظام وشارك إلى جانب قوات النظام في قمعها. وسرعان ما شكل مجموعة مسلحة باسم “نسور الزوبعة”، وقاتلت ضد أطياف الشعب السوري المعارض لعائلة الأسد الديكتاتورية التي ترفع شعار ” الأسد أو نحرق البلد ( سوريا ) ، وانتشرت في الساحل السوري ، ومدن وحمص ودمشق والسويداء.
ينفي نائب رئيس الحزب في لبنان، وائل الحسنية، في حديث مع “اندبندنت عربية”، ما تتناقله وسائل الإعلام عن حل للحزب في سوريا.
ويقول إن “رامي مخلوف كان يدعم اتجاهاً لتأسيس فرع من الحزب السوري القومي، على قاعدة مشروع سياسي تابع له، وسمي الأمانة العامة”.
الحجز على “سيريتل” لسداد المبالغ المترتبة على مخلوف
ويشير حسنية إلى أن لدى الحزب “المركز” سبعة أعضاء في البرلمان السوري، وهو عضو في الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم 10 أحزاب ويشارك في عمليات الدفاع عن سوريا عبر “نسور الزوبعة”. وفق اعتقاده .
ويعتبر عضو المكتب السياسي ورئيس الدائرة الخارجية والاقتصادية في الحزب، طارق الأحمد، أن “ليس الحزب القومي الذي حل”، مؤكّداً أنه “حليف لحزب البعث العربي الاشتراكي منذ عام 1972، في إطار الجبهة التقدمية الحاكمة.
لكن وكما يعرف البعض، كان هناك انشقاق عن الحزب عام 2011، دام لسنوات، ومنذ أكثر من سنة قامت المحكمة بإلغاء الترخيص للمجموعة التي قامت بالانشقاق”.
علاقة الانشقاق بالأحداث
ويشير الأحمد إلى أن “أن حسين مخلوف، ابن عم رامي، كان عميداً للداخلية وأحد قياديي ذلك الشق من الحزب في ذلك الوقت، مع ذلك ألغي ترخيصهم.
لكن قرار المحكمة سبق الأحداث التي تجري الآن بسنة أو أكثر، والقانون طبق في وقت لم تكن هناك مشكلات تتعلق بالخلافات على الضرائب والاتصالات”.
ويعتقد الأحمد أن “لا صراعات داخل الأجنحة، ولم يعد في سوريا سوى الحزب السوري القومي المرخص”.
ويقول إن “كل الأحزاب في التاريخ تتعرض للانقسامات، إذ تفرض التقلبات السياسية هذا النوع من الإيقاعات. وعمر الحزب يتجاوز الثمانين عاماً، وقد عاصر كل الأحداث والتقلبات التي جرت في سوريا”.
ويضيف عن الجناح المنشق، أن “آخر من تولى الرئاسة كان إلياس شاهين، وهو نائب سابق في البرلمان. وقبله كان جوزيف سويد، وهو وزير سابق، وقبلهما كان عصام المحايري”.
مخلوف كان يرعى الانشقاق
النائب عن الحزب في مجلس الشعب السوري ورئيس الدائرة الإعلامية في المكتب السياسي، أحمد مرعي، يقول إن “الحزب قائم ومستمر منذ عام 1932. وموجود اليوم في الجمهورية العربية السورية ضمن الجبهة الوطنية التقدمية، ولديه كتلة نيابية مؤلفة من سبعة نواب، وممثل في الإدارة المحلية والنقابات والمنظمات الشعبية، ويمارس دوره النضالي في إطار الحياة السياسية العامة في سوريا”.
أما عن الانقسامات فيشير مرعي إلى أنه “في عام 2012، نشأت حالة طارئة من مجموعة انتحلت صفة الحزب، واستمرت لمدة خمس إلى ست سنوات، وواجه الحزب الأساس هذه الحالة، ولجأ الى القضاء، وسار القانون في مساره الطبيعي. ومنذ عام ونصف تقريباً أصدرت المحكمة قرارها بحل هذه الحالة الطارئة المنتحلة صفة الحزب اسمه”.
ويؤكد مرعي أن مخلوف “كان يرعى الحالة (الانشقاق) التي نشأت عام 2012 كما بات معلوماً في الوسط السياسي”.