ميشيل سيروب – الناس نيوز ::
تجربة إنسانية عن عائلة مهمشة في بيئة مُضطربة. يكتب الكاتب السوري الفريد ملاّ أحمد من الذاكرة، منبع القصص عن الصراعات وشخصيات بائسة وشخصيات ذات نفوذ عن الخيانة الزوجية، بلغة شعرية، عن مدن الخوف والعزلة والفساد.
الرواية أقرب في تحليلها بالسيرة الذاتية، بعنقود من الحكايا تتناسل من سيرة مليئة بالأحداث، يعتمد الروائي على تحرير الذاكرة حسب مدرسة فرويد يقارب سيرة مارسيل بروست في “البحث عن الزمن المفقود”.
هل السيرة عائلية متخيلة أم حقيقية؟
مجموعة من الحكايا ناظمها جغرافية الجزيرة السورية ( محافظة الحسكة شمال شرق سوريا ) وسط فسيفساء اجتماعي متنوع من اللغات واللهجات والأعراق.
نتلمس في تفاصيل الرواية ممارسات عنصرية ضد الطلبة الأكراد بعد صعود العسكر البعثي إلى سدة الحكم، عن القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي، عن الفساد والرشوة في الحياة السياسية بعد عام الرماد 1970.
وطأة الزمن .
هي هجرة إلى الشمال، لكنها ليست كهجرة الطيب الصالح، ( الكاتب السوداني الشهير ، مواسم الهجرة إلى الشمال ) هجرة بطل الرواية ليست لتسجيل انتصارات جنسية وفتوحات وهمية لشاب قادم من الشرق، إنها نموذج الشخصية الوصولية الذليل، تحت ظرف الحاجة ونفوذ أهل المال والفساد.
يميز الروائي بين سحر الشرق وعثراته، وواقعية الحياة وقسوتها في باريس. بتفصيل دقيق تغوص الرواية في عالم الجزيرة السورية: فقر، وكآبة، وغبار، وصراعات هامشية، تستعرض الرواية حياة العاصمة الفرنسية الصاخبة من موسيقى، وأنوار، وجنس.
يتميز ألفريد ملاّ أحمد ، وهو السوري المجتهد القادم من الشمال السوري ، خزان الاقتصاد والتنوع الاجتماعي ، يتميز باستخدام مفردات خاصة به، يُطعّم النص ببعض المفردات الكردية المعروفة والمستخدمة في الجزيرة السورية، ما يزيد النص الروائي جمالية فريدة.
في باريس: لم تعد الحياة قابلة للاِستمرار، كل شيء مُعرض للاِنحطاط والسقوط، لقد غزا المفسدون عاصمة الأنوار، وهم بصدد البحث عن أولئك الذين لديهم شهوة المال والشهرة، كبطل الرواية وسيرته الانتهازية.
كخزاف بديع الصنعة ينتقل الراوي بدقة من شخصية لأخرى، تتناسل الشخصيات من ذاكرة حية خصبة لأحداث واقعية سحرية.
في السرد الروائي فصل خاص عن مدينة سورية، عن “الغارقون في الموبقات حتى الموت”ص309، المدينة التي أنجبت بطل الهزيمة، ولص الآثار، وإمام مُتدين: زعيم جمعية مرتضى، الشبِق، اللعوب، المُستهتر والعابث.
الرواية عن عوالم سياسية واقعية وتاريخية، عن مهاباد الجمهورية الموؤودة، عن الماسونية، عن حزب العمال الكردستاني، عن لعنة الجغرافيا وأنوار باريس.
وفاءً للأقليات في الشرق يتناول الروائي تاريخ الحركة الماركسية ودور تلك الأقليات بالتنوير”أول الماركسيين في البلد، بل في المنطقة، في الشرق الأوسط هم من اليهود والأرمن والسريان الأرثوذكس ….”ص 223.
سيرة روائية متخيلة بأدوات سحرية من مفردات ولغة عالية، التقدير الأثمن الذي يوليه الروائي هو للأم العزاء الوحيد لنا كقراء بعد مشقة نصف قرن من متابعة لاهثة لِصراعات وتصدعات نفسية بارزة لمهاجرين وسماسرة مُرابين.
———————
قَسَم: رواية صادرة عن مكتبة خاني، دهوك‐ كوردستان. الطبعة الأولى 2021.
لوحة الغلاف للفنان السوري : خليل عبد القادر.
- الروائي ألفريد ملاّ أحمد من مواليد سوريا له أيضاً: رواية في “جنازة حمار ملا جابون”، ورواية “القيامة” الروايتان صادرتان عن مركز الدراسات الكردية في برلين.
ميشيل سيروب